خبر الشتات الفلسطيني في ذمة العرب .. أيمن خالد

الساعة 07:10 ص|12 يونيو 2014

■ الحدث الفلسطيني الأبرز هذه الأيام يتمثل في حالة الرحيل والهجرة الجماعية، التي لم تحدث من قبل في تاريخ الشتات الفلسطيني، خصوصا مع بدء زوال ظاهرة المخيم بشكل فعلي، وبالطبع لم يكن البديل عربياً، فالعرب حظروا في غالبيتهم دخول الفلسطينيين الى اراضيهم، ليدرك الفلسطيني ان قصة بلاد العرب اوطاني كانت محض خيال شاعر فحسب. وتتمة القصة لا تكمن في تفسير المشهد وتحديد جغرافيا المعاناة والألم التي ألزمت الفلسطينيين بهذا الرحيل المر، ولكن بحالة الصمت الموجودة لدى كافة القوى والفصائل الفلسطينية، والصمت الذي نعنيه، أن أحداً لا يجرؤ على توصيف المشهد كما هو، أو التعامل معه بما يجب، فأهل غزة يشكون من سنوات الحصار، وسكان مخيم اليرموك يدعون ربهم قائلين «اللهم ارزقنا حصاراً مثل حصار غزة»، وأهل الضفة يشكون من الجدار العازل والفلسطينيون في شتاتهم، يدخلون في مقارنات تبكي القلوب، ويصعب توصيفها حتى نتمكن من تمرير الحروف بين الكلمات الضائعة.

لأول مرة في التاريخ، تتحقق نبوءة عجيبة، فاليهود يهاجرون من كل الدنيا الى فلسطين، والفلسطينيون أصحاب الوطن يساعدهم العرب بطرق شتى للرحيل إلى كل الدنيا، ولكن بميزان حكم ظالم، فهي مساعدة تختلط بالدم والموت، والجثث الطافية في بحر المتوسط، معاملة لا تليق بأي كائن بشري، فنحن اليوم تتبدل أزمتنا ومعاناتنا كفلسطينيين، ففي المخيمات، كان عنوان الأزمة واضحاً، وهو أن هناك مسؤولية اسرائيلية بحق اللاجئين الفلسطينيين، وفي زوال المخيمات، تحولت قضيتنا، كفلسطينيين، الى مواجهة مباشرة مع العرب، هي مواجهة غير متكافئة بتاتاً، فليس هناك كيانية يمكننا التشبث فيها أو الدفاع عنها، وكل ما نملكه عملياً هو تلك البيوت المنهكة، التي حاولنا ان نصنع منها مكاناً يوحي بآدميتنا، وظل العرب يحاولون تحويل المخيم الى غيتو، على شاكلة الغيتو اليهودي، لأن عزلة الفلسطينيين كانت تعني زوال قضيتهم، ولأن الفلسطينيين اندمجوا مع العرب، أصبحت فكرة جواز السفر وحمل الجنسية العربية من قبل الفلسطينيين مرفوضة عربيا ودوليا، لأن الوباء الفلسطيني يجب أن يزول، لذلك يعيش الفلسطيني سبعين عاما في دولة عربية ولا يحق له حمل جواز السفر الخاص بها، لأن مشكلة الفلسطيني أنه لم يرتبط بالجغرافيا العربية وينسى بلاده، وهو سر الأزمة بين النظام الرسمي العربي والفلسطينيين، باعتبار أن الوجود الفلسطيني في الجغرافيا العربية يربط الجغرافيا العربية بفلسطين، وهو جوهر الأزمة الحالية.

ليس المطلوب منا أن نحمل جنسية عربية، وليس المطلوب منا ان نبقي ظاهرة المخيم كما هي، ولكن المطلوب خلال السنوات القادمة، يتمثل بمغادرة الفلسطيني للجغرافيا العربية، والاكتفاء بأعداد محدودة من الفلسطينيين، وكلنا يعلم أن مخيم الازرق، بُني خصيصا لاستيعاب الظاهرة الفلسطينية المتبقية فحسب.

اليوم هناك تغيير كبير في قوانين الصراع بين الفلسطينيين واسرائيل، فالمواجهة أصبحت فلسطينية عربية وتجري بمباركة أو صمت فلسطيني، فالضفة وغزة لا تملكان غير الصمت لبقاء المال العربي يعمل على تسكين الجراح الداخلية، في ظل غياب قيادة جريئة تملك القدرة على اتخاذ قرار صائب، يحمي بالحدود الدنيا الشتات الفلسطيني الذي يواجه حالة تغييب كامل، وهذا يعني انهاء قصة حق العودة، بتقليص الشتات الفلسطيني الى الحدود الدنيا، التي يغيب فيها هذا الشتات من المشهد السياسي، وتصبح قصة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، هي قصة مساعدات انسانية لعائلات منكوبة، هذه هي ذاتها العائلات التي أطلقت الثورة ذات يوم، والتي كانت الى وقت قريب خزان هذه الثورة، هي ذاتها التي تحولت قضيتها الى الحصول على معونة محدودة تضمن قليلا من رمق الحياة.

هل يدرك القادة الفلسطينيون أنهم يساهمون بإنهاء ظاهرة المخيم والشتات بصمتهم، كما ساهمت من قبلهم النخب الفلسطينية بضياع فلسطين قبل النكبة، وهل يدرك القادة أنهم يتخلون عن فلسطينيي الشتات، لأجل الحفاظ على كيانية صغيرة في غزة والضفة، وأن هذا بحد ذاته كارثة التاريخ للأمة كلها، فجريمة الاستيطان، وحتى هدم المسجد الأقصى وفق العرف الاسلامي ليس أكثر أهمية من قوارب الموت، فأي فلسطين نريد لشعب نلقي به في البحر ونحن نتفرج، ومن حق العالم بالطبع أن يكون متفرجاً آثما.

اليوم يعيش الشتات الفلسطيني فصول النكبة الثانية، وهي أكبر نكبة يتعرض لها شعب، ولا يجد دولة عربية واحدة تحتضن جراحه. أما الفلسطينيون في الوطن المحتل، فهم يعيشون فرح انتخاب وزارة جديدة، ومشاركة في الأولمبياد، واحتفالات موسمية، وتفاصيل صغيرة في جرح كبير، فهل على الشتات الفلسطيني أن يفكر منعزلاً عن الساسة الفلسطينيين، ببناء وكالة تضمن ترحيل الفلسطينيين الى أي بلد مضيف، بشكل آمن، بدلاً من مغامرات الموت، واذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد أُنشئت لتحرير فلسطين، فقد اكتفى السادة بما حرروا، وعلينا أن نبني مؤسسة تحمي هؤلاء العالقين بين الارض والسماء، وليس لهم كوكب، واكتشفوا بعد عمر طويل، أن كل انتماءاتهم السياسية كانت من ورق، وأنهم الان فقط يحلمون بالحياة، والحياة فقط في أرض تكون.

 

٭ كاتب فلسطيني