خبر هوامش على الديمقراطية ..علي عقلة عرسان

الساعة 07:45 م|10 يونيو 2014

قضيتان هامتان في سؤالين كبيرين، بدأ اندياح دوائرهما يمتدّ وإلحاحهما يشتد، بعد أن انتفخت أوداج  باللجوء إلى العنف الدامي والتدمير الشامل وصولاً ععلدالة والإنصاف؟!، وبعد أن احمرت أنوف وأعراف وهي تنادي باستباحة دم من  يلجأ إلى العنف في مجتمعه ويهدد الديمقراطية والتعددية والناس في أمنهم ومعتقداتهم ومصالحهم ومقومات عيشهم.. وكانت النتيجة رفض لديمقراطية وتزييف لأخرى واعتراض على مجرياتها كلاً أو جزءاً ومن ثم استمرار في الأداء العنفي وقتل الناس.

وتزداد حرارة كل من المناخين المتناقضين ارتفاعاً في بعض الساحات العربية، ويوغل كل فريق من الفريقين في طريق الخصومة ولددها ويرفض الآخر، ويرتفع في فضاء الوطن، باسم ذلك كله، سيف  وينفتح وريد ويغيَّب عقل، فيمتزج الدم والحقد وتتدحرج منهما كرة تكبر كتلتها كلما  ازداد تدحرجها، فتلوث الساحة العربية، وتلطخ الأحياء والقرى، في أكثر أقطار الوطن العربي كثافة سكان وتوقاً للاستقرار، بالدم والقار والعار.

إذ.. من يقتل من؟! وفي أي زمن ولأي غرض، وفي ظلال أية أوضاع، أية سياسات، وبأي دين وأي خلق؟!.. من يقتل من والمخططات الغربية- الصهيونية سافرات تتقدم بأسلحتها وأدواتها، وعار الكارثة في أكثر من بلد عربي لمّا يزل  يندلق  قروحاً وحروقاً وندوباً ومُهلاً، ودمامل الوقت منتفخة في وجوه وقلوب وأنفس وضمائر، والسخام يعرّش في سمائنا ويتشمرخ في ساحاتنا، وينشر ظلامه وآلامه فوق شعبنا فتذوي قلوب وتختنق أرواح؟!.

من يقتل من.. ولأي غرض..؟ وفي أي زمن؟!. سؤال يتجدد و" إسرائيل، المنتفع الأول والمتهم الأول " تعربد من شمال ما احتلته من أرضنا إلى جنوبه، ومن دار سياسية عربية إلى أخرى، فتزوبع الدم والأزمات والسياسات، وتعيد جمعها في نسق جديد، بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية، لتمهد لوجودها " الشرعي؟" القهار كدولة يهودية، ولاستمرارها قوة نافذة الرأي والقرار في هذه الديار ومهيمنة عليها؟!.

من يقتل من؟!. ولأي غرض.. وفي أي زمن، وإلى متى؟!. ونحن كلنا في سلة الإمبريالية الأميركية القادمة إلينا في حلة حقد أسود جديدة، وفي جوع يشتد ووجه يسودّ، لتنفيذ استراتيجية فتاكة لم تعد خافية على أحد، ولتجعل  الأنموذج الثقافي والسلوك الأميركي، والقيم الأميركية تسود عالماً وتسوطه بقوتها وغطرستها وعنصريتها وإرهابها المعهود؟!.

من يقتل من؟!.. ولأي غرض.. وتحت أية ذريعة، وإلى متى؟!. سؤال لن ينتج عنه إلا أن تدور عجلة الحقد والدم أكثر فأكثر داخل  قطر عربي، ثم عربياً- عربياً، ثم عربياً- إسلامياً ، ليصبح المناخ الذي يريده الغرب وتريده الصهيونية مهيئاً لفتكة كبرى بالأمتين العربية والإسلامية، تصنعها أكثر ما تصنعها أيدي أهلها بجهل وغباء وعماء، وينفذ الغرب جراء ذلك أهدافه وسياساته وأحقاده التي لا تخفى على وطني حصيف بينما تغيب تماماً لدى من تشغله الأحقاد والرغبة في الوصول على بساط من دم، ومن يبيع ويشتري بالوطن،ويُباع ويشترى مع الوطن.؟!

- فيستنزف أعداء الأمة أموالها وثرواتها وقدراتها ليحل ضائقاته المالية ومشكلاته الاقتصادية والاجتماعية.

- ويسيطر على الطاقة النفطية والثروات الطبيعية ليستمر في برامجه الصناعية، وصناعاته العسكرية، وتقدمه التقني، وتطوير أسلحة الدمار الشامل التي يرعب العالم بها.

- ويخرب الثقافة والشخصية والقيم الأخلاقية في هذه المنطقة، ليسود  أنموذجه، وليصل إلى ما وعد بتحقيقه في القرن الحالي: " انهيار العروبة والإسلام".

- وينشئ مجتمع الألف دولة والألف خوف والألف حقد، والألف حرب، والأف ألف عميل ووكيل في ديار  العرب والمسلمين حتى لا تقوم لهم قائمة أبداً، وحتى تقام" إسرائيل التوراتية" فتسيطر على المنطقة بتنسيق غربي- صهيوني مشترك.

من يقتل من.. ولأي غرض .. وفي أي زمن .. وتحت أية ظروف، وإلى متى؟!.. أسئلة تدلق الصاب في الحلوق ونبقى كلنا خراف إبراهيم في أعياد الأضاحي .. كل خروف يثغو وينتظر دوره أمام سكين الجزار التي تلمع في عينيه!..

صحيح أن أحلام المعتدين لا يمكن أن تتحقق كلها كما يتصورنها ونتوهم تحققها، ولكن المدهش المؤلم في آن معاً، أننا  نحن نمثُل  قوة فريدة التحرك والانضباط ، لنحقق أحلام أعدائنا، بتسخير قوانا لتفتيت ذواتنا  ولإضعاف كياننا كله.

في سورية اليوم كما كان الشأن في جزائر الأمس الجزائر يقتل بعضنا بعضاً، وفي مصر تدور عجلة الفتنة ويقتل بعضنا بعضاً، وفي العراق يموج الناس بين دم ودم، وفي الخليج يشع الجمر من تحت  الرماد، وتتهيأ صراعات عربية- إسلامية لتتفجر من جديد,, والباقي من عالمنا يعج بالمآسي من سيراييفو إلى الصومال، ومن كشمير إلى بلاد الأفغان. وتاجر السلاح يقف على الباب ليبيع ويقبض، ويمسك بيد طرف الفتيل وبالأخرى عود  الثقاب، وحيثما انطفأت الفتنة يشعلها، لأنه يريد أن يشغل معامل  السلاح ويؤمن مصادر الطاقة ويقضي على وعي شعب في مهده وعلى تطلعات أمة بيد أبنائها، ويريد أن يربح ويروي جشعه الذي نفخته جداً تجارة الحروب والدم البشري البريء، ونحن البسطاء ندفع ونركع، ندفع ونركع، فإلى متى يستمر ذلك؟!. ومتى نحسم بأسلحتنا ووعينا حرباً يشنها علينا أعداء الإنسان والحرية والحياة، باسم الإنسانية والحرية والحياة، ونحن أدوات ومخالب وضياع؟!.

الديمقراطية لمن؟!. والديمقراطية كيف؟!. منطلق السؤال الذي يُراد له أن يكون لغزاً؟!.

الديمقراطية لمن؟. والديمقراطية كيف؟ هل يمكن طرح هذا السؤال على بساط واقع سداه التمييز ولحمته المخاتلة، وفي هذا الزمن، زمن الروع والخداع، بعد أن انهار الأنموذج  الذي كان يجاهر بصلف ويقول:الديمقراطية لي وحدي وليست لأعدائي.. أعداء الشعوب؟!.. وحل محله أنموذج يدعي أن مسطرته الديمقراطية هي الأصح وما عداها الباطل؟! وبعد أن اتضح أن من ينادي بالديمقراطية " ويقتل من أجلها" هو  عدو لها حينما لا تؤدي نتائجها إلى خدمته، وأنه كان وما زال عدواً  للديمقراطية ولما تريده الشعوب ولا تحققه السلطات ويرتقي سلمه أغداء للديمقراطية بمفهومها الشامل العادل الذي يساوي بين الناس في العمق اليقيني للفكر والعدل والعقل والروح والمادة،. هل يمكن أن تُستنبت ديمقراطية حقة في فضاءات الحقد والإرهاب والعنصرية والدم، وتعطي الناس أملاً ةأفقاً إنسانياً؟!.

بكل البساطة الممكنة: الديمقراطية للجميع، في إطار التعددية الفكرية والحزبية. والديمقراطية: حرية ومساواة في قرَن واحد، لجميع الناس، وهي مساواة أمام القانون، وتنافس شريف تحت سقف الوطن. من أجل خدمة الوطن والمواطن.. وهي سلوك ومفاهيم وأساليب تعامل وحكم واحتكام للعادل والعاقل من الأداء، أداء الأشخاص والمؤسسات والأحزاب والتنظيمات.. وفي فضاء الديمقراطية الصحي المعافى من كل مرض ليس لأحد أن يجرد أحداً من وطنيته أو إخلاصه أو حقوقه أو من دينه بفعل احتكار القوة والاحتكام إليها، ولا بذريعة ما يتوهم أنه سيكون عليه حين يتحكم بمن لا يراه مؤهلاً للدمقراطية، أو بحجة أنه غيره لن يتيح له ممارسة الديمقراطية إذا ما وصل إلى الحكم، أو بادعاء  أن الآخر غير مؤتمن برأيه على الوطن والهوية والعقيدة والثقافة والأخلاق والناس، وأنه هو من يملك معيار القيمة ومن يطبقه بنزاهة مطلقة أو بحرص على الوطن والقيم والناس لا يملكه سواه؟!.

في الدساتير ومنطق العدل ووفق سلامة التفكير والتدبير: "كل مواطن بريء حتى تثبت إدانته، وكل مواطن مخلص للوطن حتى يثبت العكس، وكل من يضع فيه الشعب ثقته بنزاهة أهل لتمثيل الوطن وقيادته إلى أن يثبت  العكس، والمصادرة المسبقة للرأي والموقف، أو الحكم المسبق على الأشخاص والمواقف، ينطوي على أدلة خبث وعلى سوء نية وطوية، وهو صورة من صور التخلف الواضح المعالم، وعلينا أن نتجاوزه بوعي وسرعة وثقة وإصرار لكي نبني الإنسان الذي هو صانع الديمقراطية وغايتها والمستفيد منها، وليس وقودها ومن لا تقدم له سوى الخوف والزيف والدمار والموت.

لا يجوز " للإسلامي أو الإسلاموي  أن يحرم الآخرين من ممارسة الديمقراطية تحت أي شعار أو ذريعة، كما لايجوز للآخر سواء أكان " ماركسياً" أم قومياً أم ليبرالياً أم صاحب إيديولوجيا أو عقيدة مذهبية أو نزعة طائفية أو عرقية.. أو ملتحفاً بأي لحاف ومتخفياً تحت أي أسم.. لا يجوز له أن يحرم " الإسلامي- أو الإسلاموي أو أياً كان من حقوقه الدستورية والقانونية، ومن ممارسة الديمقراطية والانتفاع بها، والوصول من خلالها إلى حيث تؤهله كفاءته وثقة الناس به، بحجة ما سيكون عليه أمره وحكمه وفعله إذا ما استلم أمر الناس، لأن ذلك نوع من المصادرة على الديمقراطية ذاتها، ونوع من إدعاء التمييز والعصمة والوصاية على الآخرين، فكرياً وقانونياً وأخلاقياً، وهو ادعاء لا تقره أو تسنده التشريعات والشرائع والطبائع البشرية السوية بأي سند، إلا إذا كان هناك حكم قاطع من قضاء عادل وفق وثائق وقرائن وثوابت تحرم شخصاً أو حزباً من حق لوقت وفق حكم القانون.

الديمقراطية للجميع إذن هي الديمقراطية للوطن . والديمقراطية تصقلها الممارسة وينضجها الوعي، ويصلح مساراتها الاستسلام المطلق لصحة اختيارها كمسار للحكم ولسَوس الناس، ويتم إصلاحها وتنميتها بالممارسة وتراكم الخبرة ومنهج الاستنتاج العلمي.

والديمقراطية لن تكون إلا بفتح الباب أمام الناس للتعبير عن آرائهم بحرية وموضوعية ومسؤولية، من خلال صناديق الاقتراع التي تفتح دروباً للناس حسب أصول دستورية وقانونية منظمة ومقرة عقلانياً وديمقراطياً وفق معايير وعدالة، والحكم في ذلك لمن يسند إليهم الشعب حق اتخاذ قرار بهذا الصدد من المؤهلين تأهيلاً تاماً شاملاً متكاملاً في هذا المجال. أما اللعب على كل حبل ينصب باسم الديمقراطية أو الحرية أو التقدم أو الأيديولوجيا أو الدين أو الفريات السياسية والبدع الدينية، فلن يقود إلا إلى الخسران الاجتماعي والديمقراطي والفكري والسياسي، ومن ثم إلى خسران الأمة ككل لوقتها ونضالها وقدراتها ولإبداع أبنائها في ميادين الحياة والحضارة، وفي الدفاع عن الذات وتطويرها لتلاقي الذوات الأخرى باقتدار وانفتاح واندفاع حيوي سليم، ومثاقفة نوعية راقية، تغني مسيرة الحضارة والإنسان، وتغتني بها الحضارة كما يغتني بها الإنسان.

لقد آن الأوان تماما لتسقط أقنعة كثيرة، وترفع ستر عن وجوه وشعارات وممارسات في الوطن العربي كله، فليس لدى الأمة ما تضيعه أكثر مما ضيعته، وليس لأبنائها أن يضيعوها في لعبة الاتباع والضياع المفروضة عليهم أو لعبة التضييع التي يقودهم إليها الجهل والجوع والخوف وضلوع بعض أبناء الأمة في الخطأ والخطيئة، سواء أكانوا واعين أم مرتبطين، أم مندفعين تأخذهم الحماسة من شعورهم وتلقي بهم إلى حتوفهم.

إن العنف والعنف المضاد داخل وطن وبين أبناء أمة للوصول إلى السلطة، تحت اسم  الحق أو الديمقراطية أو التطهير والتطهرّ أو.. أو.. هما طريقان موحلان، مفروشان بالدم والنار والعار والقار، كما رأينا ونرى.. ولن يؤثلا مجداً، ولن يصنعا قوة، ولن يرسخا سلماً وثقة ومحبة. وآن لأبناء أمتنا أن يوقفوا استخدام العنف ضد بعضهم بعضاً، وأن يحكموا العقل والضمير والشرائع والتشريعات ، وأن يأخذوا برأي الناس- أي الأكثرية الصامتة المحروقة المحرومة من الكلام والقرار- لكي تكون هناك طريق أكثر سلامة وأكثر جدزى في الوصول إلى الأمن والتفاهم والاستقرار.. طريق توصل الأمة إلى الصحة والعافية والقوة والتقدم والكرامة. ولا أظن أن الطريق أصبحت مسدودة تماماً أمام جميع التيارات في الوطن العربي، حتى لا تجد إلا طريق العنف والعنف المضاد والإرهاب والإرهاب المضاد.. حلاً سبيلاً إلى الحل.

إن العدو يتربص بنا ولن يرحمنا، والآتي من المرارات والشدائد أعظم إذا ما بقينا نسلك طريق الدم والدمار والحقد والثار.. وعلى الذين يصعّدون موجات العنف، من أي فريق كانوا، أن يتوقفوا ليراجعوا أنفسهم وحساباتهم.. سواء أكانوا سلطة أم معارضات أم أمراء حرب.. و في تقديري أنهم قد أخذوا في دوامة الفعل ورد  الفعل، وأصبحوا، على نحو ما، دافعاً لعجلة الغرب الذي يريد أن تستمر  عجلة الحرب  والدم والنار وأن تمتد وتتسع دوائرها، ليقطف ثمراتها مالاً وقوة وسطوة ونفوذاً له ولصنائعه، وليس في ذلك سوى إفناء لنا وضعفاً وفقراً وتمزقاً وقهراً وانهياراً.. فالله.. الله في أنفسنا وأوطاننا وقيمنا ومجتمعاتنا وثقافتنا وصِلاتنا ومستقبل أجيالنا،

وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.صدق الله العظيم.

 

دمشق في 10/6/2014

 علي عقلة عرسان