للمرة الأولى منذ بدء إنتاج دبابة «ميركافا» قررت إسرائيل إبرام أول صفقة بمئات الملايين من الدولارات لبيعها إلى دولة أجنبية لم يتم ذكرها بعد. وليس صدفة أن يتم الإعلان عن هذه الصفقة في ذروة الجدل بين وزارتي الدفاع والمالية في إسرائيل حول ميزانية الدفاع، حيث ترفض المالية زيادتها ويعلن الجيش تقليصات كبيرة في القوام والمعدات والتدريبات.
وتعتبر دبابة «ميركافا» فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية لما تحتويه من تقنيات حماية وهجوم. وكثيراً ما ادّعت إسرائيل أن هذه الدبابة هي الأكثر تطوراً في العالم، لكن إرادة المقاومين في جنوب لبنان أفلحت في إظهار نواقص هذه الدبابة ومحدودية قدراتها.
وأشارت صحيفة «كلكليست» الاقتصادية الإسرائيلية إلى أن وزارة الجيش أبرمت صفقة بمئات الملايين من الدولارات لتصدير الدبابة الأكثر تقدماً والتي تم إنتاج أجيال عدة منها. وتدور الصفقة عن دبابة «ميركافا سيمان 4» التي تبلغ قيمة الواحدة منها رسمياً 4.5 مليون دولار، وتُعتبر أرخص من نظيراتها الغربية.
وكانت إسرائيل قد بدأت في إنتاج «ميركافا» في العام 1980 بعدما عكفت طواقم خاصة برئاسة الجنرال إسرائيل طال، على تطويرها منذ منتصف السبعينيات. واعتُبر إنتاج هذه الدبابة واحداً من المشاريع الكبرى لمنح الجيش الإسرائيلي استقلالية لم يكن يمتلكها في حرب تشرين في العام 1973 حينما اضطرت أميركا لتسيير جسر جوي لنقل المعدات والأسلحة إلى إسرائيل.
ونشأ في تلك الفترة أيضاً، خصوصاً في مطلع الثمانينيات، بفضل الهجرة الكبيرة للمهندسين اليهود من دول الاتحاد السوفياتي، تطوير مشروع آخر مشابه هو مشروع طائرة «لافي» الذي خدم جداً في تطوير الصناعات الجوية الإسرائيلية رغم اضطرار الدولة العبرية لإغلاقه لاحقاً.
وأشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى أنه رغم اعتماد إسرائيل في العقود الأخيرة على تصدير الأسلحة والأعتدة الحربية، إلا أن المؤسسة الأمنية عارضت بشدة تصدير دبابة «ميركافا» رغم وجود اهتمام في السابق بشرائها على الأقل من دول مثل تركيا وكولومبيا.
وكانت الحجة الدائمة لمنع تصدير هذه الدبابة هي المحافظة على أسرار التدريع المتطور وباقي المنظومات الخاصة التي خلقت الإدعاء بأن دبابة «ميركافا سيمان 4» هي الدبابة الأشد تطوراً في العالم. ومع ذلك استُخدمت تقنيات «ميركافا» في تطوير منظومة تحديث للدبابات نافست فيها إسرائيل العديد من دول العالم الصناعية. وكثيراً ما عرضت إسرائيل وأبرمت عقوداً لتحديث دبابات أميركية، كما في تركيا، وروسيا، كما في العديد من دول أوروبا الشرقية، بمئات الملايين من الدولارات.
غير أن أزمة ميزانية ومصاعب تواجهها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في استمرار تحمل أعباء مشروع إنتاج «ميركافا»، والتي تقترب من حوالي 300 مليون دولار سنوياً، قادت أولاً إلى إغلاق خطوط إنتاج لهذه الدبابة من جهة وإلى البحث عن مشترين من جهة أخرى.
وبناء على تطوير دبابة «ميركافا» وبناء خطوط انتاجها عمدت إسرائيل إلى تحويل القديمة منها إلى ناقلة جند مدرعة من طراز «نمر» وتزويد الجيش الإسرائيلي بأنماط أكثر خفة ومناورة من الدبابة الأصلية.
وصارت جهات أمنية عديدة تبرّر البيع بأنه لم تعد هناك مخاطر فعلية من معرفة أسرار الدبابة. ولعب في ذلك دوراً أيضاً واقع تغيير نمط الحروب، حيث لم تعد للمدرعات القيمة الكبيرة التي كانت لها في الحروب السابقة بعد أن تبين، كما في حرب لبنان الثانية، أن الدبابة في ظل سيطرة مضادات الدروع يمكن بسهولة أن تتحول إلى مقبرة لجنودها.
وثمة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مَن يرون في صفقة «ميركافا» نوعاً من الرد على الكثير من النقاد الذين قالوا بعد حرب لبنان الثانية إن دبابة ميركافا باتت «فيلاً أبيض».
ويعتبر مشروع «ميركافا» المشروع الأمني الأكبر في تاريخ إسرائيل، وتديره وزارة الجيش بالتعاون مع مصانع إسرائيلية عدة. وحسب آخر الأرقام، فإن مشروع إنتاج «ميركافا» يشغّل حوالي عشرة آلاف مستخدم. وبين أبرز الشركات العاملة في مشروع الدبابة شركة الصناعات العسكرية التي تنتج مدفع الدبابة وهو من عيار 120 ميليمتراً، والقذائف وأجزاء من تدريع الدبابة ومن منظومات التشغيل.
أما شركة «البيت» فتنتج منظومة السيطرة النارية ومدفع «الهاون» في الدبابة، في حين تنتج شركة «رفائيل» للدبابة منظومة الحماية من الصواريخ المسماة «سترة الريح». أما محرك الدبابة فهو ديزل ألماني بقوة 1500 حصان يُصنع في أميركا.
ولا يبدو أن إسرائيل متحمسة حالياً لإنتاج دبابة أكثر تطوراً من «ميركافا سيمان 4» حيث بات مؤكداً أنه لن تكون «ميركافا سيمان 5». ويرى الخبراء في إسرائيل أن المدرعة الجديدة المطلوبة لم تعد تحتاج لتكون مجنزرة، وإنما يكفيها أن تسير على عجلات، كما لا تحتاج أن تكون ثقيلة. وتشكل هذه الخلاصات في نظر البعض فرصة لتحديث خطوط الإنتاج بما يكفل توسيع التشغيل وتحقيق واردات من البيع.