تحت عنوان: «لماذا بدأ حزب الله فجأة يهدد باحتلال الجليل؟» حاول معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل تحليل سيناريوهات حرب مقبلة يحاول فيها «حزب الله» احتلال الجليل. وكتب أن على الجيش الإسرائيلي الاستعداد لاحتمال كهذا في المستقبل.
وبدأ هارئيل مقالته بالإشارة إلى أنه رغم تضاؤل احتمالات الحرب المخطط لها في السنوات الأخيرة بين إسرائيل وأي من جاراتها، فإن خطر الحرب غير المتوقعة ما زال قائماً، خصوصا مع «حزب الله» في لبنان. ويبين أن الردع المتبادل الذي قام في سنوات ما بعد حرب لبنان الثانية اهتز كما بدا من الهجمات في العام الأخير وسلسلة عمليات «حزب الله» في مزارع شبعا وهضبة الجولان السورية المحتلة.
ويتساءل هارئيل: كيف ستبدو حرب لبنان الثالثة اذا نشبت وحينما تنشب؟ وينقل عن الفكرة السائدة في الجيش الاسرائيلي أن «حزب الله» يريد تكرار الاستراتيجية التي ضمنت له ما يشبه التعادل مع اسرائيل في الجولة الاخيرة في 2006، وهي النصر بواسطة عدم الهزيمة. «فالمنظمة ترى أنها انتصرت في المعركة لحقيقة أنها واصلت اطلاق صواريخ على اسرائيل طوال 34 يوما ولم ترفع راية بيضاء أمام الجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان. ولهذا منطقي أن حزب الله يريد في المرة المقبلة ايضا تكرار ذلك الانجاز بخوض حرب استنزاف باطلاق عشرات آلاف الصواريخ مدة طويلة نسبيا، وفي الوقت نفسه عرقلة عمل الجيش الاسرائيلي داخل لبنان ليمنع تحقيقه نصرا حاسما».
ونقل هارئيل عن مقالة مهمة نشرت مؤخرا في المجلة العسكرية «معرخوت»، عرض فيها ضابط استخبارات، هو المقدم ن. (لم تنشر المجلة اسمه الكامل)، «سيناريو» بديلا. وترى المقالة وجوب أن تأخذ اسرائيل في حسابها احتمال تغيير «حزب الله» لاستراتيجيته. ويكتب ن. انه توجد دلائل على أن «حزب الله» يفكر بالعمل على تقصير مدة المعركة في المرة التالية باجراءات برية في داخل اسرائيل. وينسب ن. ذلك إلى تصريحات قيادة المنظمة الجديدة نسبيا بشأن خططها لـ«احتلال الجليل». ويرى أنه رغم أن هذه التصريحات تبدو مغرورة وربما غير واقعية، فانه يجب على اسرائيل أن تعطيها الوزن المناسب لأنها قد تشهد على مقاصدها.
وبحسب هارئيل، فقد أحسن المقدم ن. تحليل ما وقع في 2006عندما كتب أن استراتيجية «النصر بواسطة عدم الهزيمة» عبرت عن فهم عميق لدى «حزب الله» عن تفوق الطرف الاسرائيلي. وأدرك «حزب الله» مع ذلك ايضا نقاط ضعف إسرائيل، خصوصا الحساسية المفرطة تجاه الضحايا على جانبي المتراس، وعدم الرغبة في إطالة أمد المعركة والحاجة الى تحقيق نصر حاد واضح. ولذلك أراد «حزب الله» إطالة القتال وإظهار صموده حتى النهاية.
وفي نظر المقدم ن. تُرجمت هذه الافكار الى ثلاثة مبادئ عملية: وهي تحسين قدرة الاحتمال والصمود، وضرب الجبهة الداخلية المدنية الاسرائيلية، وبناء قدرة على عرقلة تقدم الجيش الاسرائيلي (بعبوات ناسفة ومضادات الدروع وراجمات الصواريخ). وواصل «حزب الله» بعد الحرب تعزيز قدراته العسكرية في اطار تلك التوجهات التي كانت تميزه في الحرب وفي أساسها فكرة الاستنزاف. وفي الوقت نفسه، يستعد الجيش الاسرائيلي لمواجهة عسكرية اخرى ببناء قوته التي تقوم على فهم نوايا «حزب الله». ولذلك تطمح اسرائيل الى تقصير أمد المعركة والى أن تضرب بصورة سريعة دقيقة أهدافا كثيرة للمنظمة بقدر المستطاع، وأن تقلص قدرتها على ضرب الجبهة الداخلية.
واعتبر المقدم ن. أن «حزب الله» بدأ في 2011 يعبر عن فكرة تجاوز استراتيجية الاستنزاف. فقد نشر في موقعه الرسمي على الانترنت عرضا تحت عنوان: «الجليل مكان المواجهة التالية مع العدو». ويرى ن. أن تلك شبه خطة عملياتية لاحتلال الجليل تشمل وصف تضاريس الجليل والمدن المركزية فيه وأهدافا يمكن الهجوم عليها (قاعدة تنصت، وقواعد سلاح الجو ومصافي النفط في حيفا وغيرها). وبعد ذلك بسنة هدد الامين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، في عدد من الخطب، بأنه سيأمر مقاتليه «باحتلال الجليل». وفي آب 2012 جرى تمرين كبير لـ«حزب الله» بمشاركة نحو من 10 آلاف مقاتل. وجاء في الصحف اللبنانية أن التمرين اشتمل على سيناريو هجوم على الجليل.
يعتقد المقدم ن. أن السؤال الضروري ليس هل أن «حزب الله» قادر على تنفيذ هذه الافكار، بل ما الذي تدل عليه حقيقة انشغاله بها. وهو يرى ذلك اشارة تحذير إلى «تغير المبدأ القتالي عند حزب الله»، وينسب التغيير الى التحولات الجوهرية التي حدثت في المحيط الاستراتيجي الذي تعمل فيه المنظمة. إن هذه التحولات تضطر «حزب الله» الى «تغيير فكرته التنظيمية ـ من محاولة إطالة مدة المعركة الى محاولة تقصيرها بقدر المستطاع».
ومع ذلك يرى المقدم ن. أن المنظمة تفضل التمسك بالاستراتيجية القديمة، لكنها تأخذ في حسابها تغييرات السنوات الاخيرة. وباختصار، أصبحت المنظمة مؤسسية، وهي تشارك الآن مشاركة أكثر فاعلية في الساحة السياسية اللبنانية، وهذه حقيقة تلقي عليها مسؤولية عما سيحدث في الدولة اذا هاجمتها اسرائيل.
وكان «حزب الله» في الماضي، وفق المقدم ن. يعتمد على تصور عام عبرت عنه خطبة نصر الله الشهيرة فور انسحاب الجيش الاسرائيلي في 2000 وهو أن المجتمع الاسرائيلي يشبه «بيت العنكبوت» وهو غير قادر على تحمل خسائر. وتزعزع هذا التصور بسبب السور الواقي في 2002 وفي تموز لبنان وغزة عام 2008. وأصبحت المنظمة ايضا أقل ايمانا بامكان أن يتدخل المجتمع الدولي من اجلها ليوقف الحرب. وقد فقد «حزب الله» السند السوري جراء الانشغال بالحرب الأهلية.
ومع ذلك تشير المقالة إلى استفادة «حزب الله» من تجربة حربه في سوريا، وترى أن المشاركة في الحرب في سوريا تُقرب المنظمة من تبني تصورات هجومية في معركة على اسرائيل ايضا. ومعنى ذلك أن «حزب الله» قد يسعى الى مواجهة عسكرية من نوع مختلف، فبدل رد على المبادرة الاسرائيلية ومواجهة الطوفان، تكون المبادرة الهجومية والاجتياحات البرية وهجوم أكثر تنوعا على أهداف في داخل الارض الاسرائيلية.
عموما تخلص المقالة إلى أنه اذا غير «حزب الله» استراتيجيته حقا، فستكون لذلك آثار جوهرية بالنسبة لاسرائيل، لأن الجيش الاسرائيلي سيضطر لأن يأخذ في حسابه امكان أن يحاول «حزب الله» تقصير مدة المعركة بفرض وقائع على الارض مثل اجتياح بلدة في الجليل، أو إعداد الجبهة الداخلية لهجوم مركز على الحدود، والاستعداد ايضا لاحتمال مبادرة «حزب الله» بهجوم مفاجئ قد يكون محاولة لانهاء الحرب قبل أن تبدأ بالفعل.