بقلم: ناحوم برنياع
(المضمون: انتقادات من اليمين الاسرائيلي لرئيس الوزراء نتنياهو لأن رده على انشاء الحكومة الفلسطينية الموحدة رد ضعيف. وفي الحكومة من يقترح ضم مناطق من الضفة الغربية. رئيس المعارضة بوغي هرتسوغ يقترح خطة للتسوية تقوم على عدة مباديء منها أن تكون الحدود هي خطوط 1967 مع تبادل اراض وتكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح وأن يبقى الجيش الاسرائيلي مدة في غور الاردن وما الى ذلك - المصدر).
خرج يئير لبيد وتسيبي لفني من جلسة المجلس الوزاري المصغر في يوم الاثنين راضيين – على القدر الذي يمكن وزيرا في اسرائيل أن يكون راضيا. كان المجلس الوزاري المصغر يتباحث اعضاؤه في شأن الحكومة الجديدة التي انشأها أبو مازن بمشاركة مع حماس. وكان التباحث طويلا وصعبا فقد جذب وزراء اليمين نحو اليمين وجذب وزراء الوسط نحو اليسار. واشتمل القرار الذي تم اتخاذه على خمسة مواد ادعت أنها تقول الكثير لكنها حرصت على ألا تقول شيئا. قال القرار إن اسرائيل ستستمر على عدم التفاوض مع أبو مازن؛ وستستمر على الاعتراض عليه بالحديث مع زعماء ورؤساء الدول؛ وستراه مسؤولا عن كل هجوم يخرج من الضفة وغزة.
وأصرت لفني التي التقت مع أبو مازن دون أن تبلغ نتنياهو قبل ذلك، على أن تحتفظ لنفسها بحق اللقاء. وأراد لبيد أن يلاقي وزير خزينة السلطة فسلم نتنياهو بذلك.
كانت تقوم فوق الرد الاسرائيلي سحابة واحدة هي عقوبات اقتصادية على السلطة. واذا عوقبت السلطة اقتصاديا فستنتقض عراها على أبوابنا؛ أو يستدعي ذلك ضغطا اقتصاديا مضادا على اسرائيل من الدول الغربية. وأعفى القرار الذي اتخذ في المجلس الوزاري المصغر على "أن يُفوض الى رئيس الوزراء فرض عقوبات"، أعفى الفلسطينيين من العقاب. ووجد من فسروا القرار أو عدم القرار اذا شئنا مزيد الدقة، بأنه انتصار للمعتدلين.
والحقيقة أن ليس المعتدلون هم الذين انتصروا بل مخاوف نتنياهو. فانه يُقال في حقه إنه خائف. وطوبى لمن يخاف دائما، قال آباؤنا، وسمع نتنياهو ذلك واستدخله في نفسه. فهو يهاجم الحكومة التي انشأها أبو مازن كل يوم من فوق كل منبر، لكنه في مقابل ذلك يصد كل خطوة تعرض وجودها للخطر. ويخرج ضباط الجيش الاسرائيلي على عجل ليبينوا لقادة السلطة وقادة اجهزتها أن كل شيء كالعادة الى الآن فلا يجب عليهم أن يحزموا أمتعتهم. ويفهم أبو مازن ايضا، فهو يهاجم اسرائيل في خطبه وكأنه توجد حرب ويستمر على التعاون معها وكأنه يوجد سلام.
"الرد ضعيف جدا"، قال لي أحد وزراء اليمين بعد المباحثة. "فالحكومة تعامل الفلسطينيين وكأنها تسير على بيض. أين الجرأة".
إن رؤساء الدول الذين هاتفهم نتنياهو هذا الاسبوع سمعوا في صبر كلامه التوبيخي واستخفوا به، فقد اختار الجميع التعاون مع الحكومة الفلسطينية الجديدة. وهم يعلمون أن اسرائيل تطلب اليهم ما لا تطلبه الى نفسها. تخيلوا أن انجيلا ميركل أو فرانسوا أولاند كانا اقتنعا بتعليلات نتنياهو وأوقفا دفعة واحدة المساعدة السخية التي يعطيانها للسلطة الفلسطينية. كانت اسرائيل لو فعلا سيصعب عليها أن تواجه تلك الضربة.
مساكين رؤساء اللوبي اليهودي في واشنطن، فهم سيقفون قريبا في مواجهة مجموعة من اعضاء مجلس النواب من الجمهوريين يطلبون تطبيق القانون الذي يحظر مساعدة حكومة تشارك فيها حماس. فكيف سيبينون لهم أنه يفضل الانتظار؛ وكيف سيبينون لهم الهاوية الفاغرة فاها بين كلام حكومة اسرائيل وسياستها بالفعل.
يحسن في هذا الشأن أن أقص قصة رويتها ذات مرة وأنا أعتذر مسبقا عن خطيئة التكرار. كان سمحا دينتس الراحل سفيرنا في واشنطن في فترة التحول. وصاحب رئيس الوزراء مناحيم بيغن في لقاء مع الرئيس كارتر، وفي بداية اللقاء خطب بيغن خطبة طويلة وسكت كارتر وبعد ذلك أغرق بيغن كعادته بكلام قاس وشرير ومسموم. وحينما خرجوا سأل بيغن دينتس كيف يلخص اللقاء فأجاب دينتس السؤال بقوله: "وكيف يلخصه سيدي؟". فقال بيغن: "كان لقاءً جيدا جدا". وسأله دينتس: "لماذا يعتقد سيدي ذلك؟". فقال بيغن: "لأننا مُنحنا فرصة حسنة لاسماع كلامنا".
وقد جاء نتنياهو من المدرسة نفسها فامنحوه فرصة حسنة لاسماع كلامه وسيكون الامر على ما يرام.
صهيونية مناسبة
قلنا من قبل: طوبى لمن يخاف دائما، ويصح هذا بنفس القدر على الخوف الآتي من قبل الطرف اليميني. في الماضي، حينما كان الفلسطينيون يفعلون شيئا يمس باسرائيل، كانت الحكومات تقرر ما سمي "ردا صهيونيا مناسبا"، وكان ذلك على نحو عام اعلان بناء في المستوطنات. وغاب هذا الشأن عن القرار يوم الاثنين واستطاعت لفني ولبيد أن يفسرا ذلك على أنه نصر.
لكن أمس في يوم الخميس صدر عن وزارة الاسكان التي يتولاها اوري اريئيل اعلان مناقصات جديدة لبناء 1500 وحدة سكنية اخرى، 400 منها في شرقي القدس والباقية في الكتل الاستيطانية. وقلت لرئيسة كتلة البيت اليهودي أييلت شكيد أمس: حصلتم على ما أردتم. ولم تعتقد ذلك، فقد قالت لي: "من العار أنهم وافقوا على 1500 فقط، كان يجب أن يحرروا 3 آلاف".
في المباحثة في المجلس الوزاري المصغر اقترح بينيت تطبيق السيادة الاسرائيلية على غوش عصيون وأيد جلعاد أردان ذلك. وقال بوغي يعلون إنه لا يرفضه لكنه يقترح انتظار عمل أشد من قبل الفلسطينيين. وأدرك نتنياهو أنه يجب عليه أن يعطي اليمين شيئا ما فوافق على انشاء فريق من الوزراء برئاسته، "يفحص عن سبل العمل في مواجهة الواقع الذي نشأ". وكان بينيت راضيا لأنه ستُبحث لاول مرة افكار ضم مناطق من يهودا والسامرة بين فريق عمليات. وكان وزراء الوسط راضين لأن قرارات اللجان الوزارية تنتهي على نحو عام الى سلة القمامة.
اقتنع نتنياهو بأنه اذا لم يعاقب الفلسطينيين فيجب عليه أن يعوض جماعة ضغط المستوطنين. فبقاؤه قائم على هذا التوازن. وقد أجل نتنياهو التباحث في المجلس الوزاري المصغر في توصيات لجنة شمغار التي تحد من مجال حيلة الحكومة في حال اختطاف جندي، أجله سنة ونصف سنة. ولم تأت صفقة شليط نتنياهو إلا بالخير ولم يسارع الى التخلي عن هذه القوة. ووافق في هذا الاسبوع على طرح الموضوع في المجلس الوزاري المصغر.
تُقدر شكيد أنه فعل ذلك بعد أن هاجمه نفتالي بينيت لتأخير الموافقة على قانون آخر وهو قانون تقف هي ودافيد تسور (الحركة) من ورائه. والقانون يُمكن القاضي من أن يحكم على متهم بعقوبة السجن دون امكان العفو عنه في حالات قتل بغيض على نحو خاص. ورأت شكيد أمام ناظريها قتلة عائلة فوغل من ايتمار وفكرت ايضا في قتلة البنت روز بيزام.
قبل الشغب
يحتاج الفراغ الذي نشأ بعد وقف المحادثات مع الفلسطينيين الى ملئه. فنفتالي بينيت يقترح أن تُضم مناطق من الضفة بالتدريج. وكانت المنطقة الاولى التي اختار ضمها غوش عصيون. وصاغ رئيس المعارضة اسحق هرتسوغ قبيل العيد خطة منه. وهي تشمل مباديء لاتفاق دائم واجراءات لفترة مرحلية وهو يسميها "خطة انقاذ الصهيونية".
إن المباديء متوقعة كثيرا؛ فالحدود النهائية ستحدد على أساس خطوط 1967، مع تبادل اراض؛ وستكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح؛ ويبقى الجيش الاسرائيلي مدة ما في غور الاردن وتحل محله قوة اسرائيلية – اردنية – فلسطينية؛ ويُحقق حق العودة في الدولة الفلسطينية؛ وتستوعب اسرائيل عددا محدودا من اللاجئين، بحسب رغبتها؛ ويُحقق في القدس مخطط كلينتون بأن تكون الاحياء اليهودية لليهود والفلسطينية للفلسطينيين. ويكون شرقي القدس عاصمة فلسطين لكن تكون السلطة البلدية موحدة؛ ويكون في الحوض المقدس "نظام خاص"؛ وتُدعى الدول العربية الى التوقيع على اتفاقات سلام مع اسرائيل.
ويقترح هرتسوغ فترة مرحلية تبلغ خمس سنوات يجمد في اثنائها البناء خارج الكتل الاستيطانية؛ ويجاز قانون اخلاء – تعويض ويتم الاستعداد لاستيعاب المُجلين؛ وتتم ملاءمة جدار الفصل للخط الحدودي. ويستعمل الطرفان يدا حديدية على مجموعات ارهابية في داخلهما ويُخضع الفلسطينيون المنظمات المسلحة لسلطتهم.
"نحن نتجه الى كارثة"، قال لي هرتسوغ أول أمس. "فالشعب يحيا في طمس على الحقيقة، فهو لا يفهم مبلغ سوء الوضع السياسي. والعالم كله يقبل الحكومة التي انشأها أبو مازن. ونحن نقترب من مواجهة قاسية مع الادارة الامريكية في مواضيع كثيرة منها هذا الموضوع.
"نحن موجودون قبيل قرار حاسم فاما أن نتجه الى دولة ذات شعبين وإما أن نتجه الى اتفاق، وهذا هو وقت مبادرة منا".
وهو يؤمن بأن مبادرته وإن لم يأخذ بها الفلسطينيون ففيها فائدة لأنها ستحسن وضعنا في العالم. وقلت له: "إن خطتك لا تخترع الاطار".
"لا يمكن اختراع الاطار"، قال.
لماذا تمتنع عن اقتراح اجراء اسرائيلي من طرف واحد، سألته.
"إن اجراءا من طرف واحد لن يقدم السلعة"، قال. "فعلى أثر الخروج من غزة كان الاجراء من طرف واحد يُرى شيئا لم يعط الاسرائيليين الامن، وبحق. ولن يقبل الشعب ذلك. ولست هناك".
في الماضي كان رؤساء حزب العمل حذرين من عرض خطط سلام. وكان السبب احيانا الخوف من خسارة نقاط في مساومة الفلسطينيين؛ وكان احيانا مجرد ذريعة. ويريد هرتسوغ أن يتحرر من تلك التركة، فان خطته حتى لو لم تكن علامة طريق في تاريخ الصراع فانها علامة طريق في تاريخ بوغي، فهو يريد أن يكون زعيما في مكان لا زعماء فيه. وقال لي أول أمس وكرر قوله: "حكومة برئاستي، حكومة برئاستي".