كثر الحديث مؤخرا وبشكل مكثف ومتعدد القراءات عن موضوع ما يسمى الحوار الايراني السعودي، وكثر الكلام حول الوسطاء الذين يسعون لجعل الطرفين يجلسون لطاولة حوار فعلية وجدية، كما كثر الكلام عن انواع واشكال الصفقات او التسويات المتاحة او الممكنة بين العاصمتين الايرانية والسعودية من اجل نجاح هذا الحوار.
ابرز ما قيل مؤخرا في هذا المجال هو وجود وساطة عمانية فشلت في اقناع ايران بالقبول باجندة حوار معقولة مع الرياض لان في العاصمة الايرانية ثمة متشددين لا يريدون الحوار مع الرياض لاسباب تتعلق بالملف السوري او اللبناني او العراقي كما نقل على لسان ديبلوماسيين سعوديين او غربيين قيل انهم مطلعون على هذا الملف …..!
اما واقع الحال فالامر مختلف ومتفاوت بل وشيء آخر تماما، طبقا لآخر زيارة قام بها وزير الخارحية الايراني السابق علي اكبر صالحي – في عهد الرئيس احمدي نجاد – والتي التقى فيها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في جدة في اواسط ايار/مايو السنة الماضية.. والذي كان مفوضا بفتح ملف العلاقات الثنائية بين البلدين على مصاريعها من اجل ايجاد صيغة تفاهم لتنظيم الخلافات بين الجانبين، فان الانباء التي نمتلكها ومتأكدون منها تؤكد ان الرجل ليس فقط لاقى صدودا من نظيره السعودي بل ان الاخير لم يفتح معه الا ملفا عتابيا طويلا هو ملف اليمن متهما ايران بانها وراء كل ما يحصل من مخاطر وتهديد للامن القومي السعودي من الجانب اليمني….!
الامر الثاني وكما يعرف كل من تابع ملف العلاقات السعودية الايرانية على امتداد سنوات طويلة فان ما اعتادت عليه المملكة وكذلك ايران بان ما من مسؤول ايراني رفيع يزور المملكة الا ويلتقي العاهل السعودي في اشارة الى ابداء حسن النوايا لا سيما عندما يكون حاملا لرسالة من الرئيس الايراني وهذا ما كان عليه الحال مع صالحي، لكن الامر المستغرب بان هذا الامر ليس فقط لم يحصل مع صالحي بل ان الامر ظل مرفوضا منذ ذلك الحين والى اللحظة التي يكتب فيها هذا المقال كما تؤكد كل المصادر الايرانية والوسيطة بين البلدين….!
الامر الثالث وهو ان من يرفض ويعرقل وصول المبعوثين الايرانيين الى الملك هو الامير سعود الفيصل شخصيا والذي يبدو انه مصر على ان يبقى الملف الخلافي هذا محصورا بيده ولا يتعداه الى اي مستوى اعلى منه لا سيما الى شخص الملك قبل ان يقتنع هو شخصيا بان الوقت قد حان لفتح صفحة جديدة مع العاصمة طهران….!
الامر الرابع وهو ان هذا الامر بالذات والتي تعزوه الجهات الوسيطة الى وجود صراع محموم بين الامير سعود الفيصل والامير عبد العزيز بن عبد الله وهو معاون وزير الخارجية، هو الذي جعل الوسطاء ينفضون يدهم من القضية….
الامر الخامس وهو ان سلطنة عمان والتي يقال انها قامت او تقوم اخيرا بوساطة ثنائية بين البلدين امر لا صحة له بتاتا وهي التي قد نفضت يدها منذ مدة بعيدة من الرياض بسبب انعدام الثقة بين البلدين من جهة وانعدام الاجواء والفضاءات الايجابية والتي صارت بعيدة العهد بين الجانبين بسبب سياسات عديدة باتت تعتبرها السلطنة متشددة وسلبية وغير بناءة ومضرة بالتضامن العربي والاسلامي اعتمدتها ولا تزال الرياض تجاه ملفات عديدة في المنطقة منها ايران وسوريا كما تؤكد اوساط عمانية ورموز مقربة من السلطان قابوس…
الامر السادس وهو ان الوسيط الوحيد المتبقي في هذا السياق هو امير الكويت صباح الاحمد الحابر الصباح والذي تنقل عنه اوساط ديبلوماسية كويتية متابعة ومقربة منه بانه وبعد محاولات دامت لاشهر بدأ يدخل اليأس الى قلبه بسبب استمرار الصدود السعودي لاسيما الاشارات المؤكدة بالسلب من جانب الامير سعود الفيصل مما جعله ينأى بنفسه عن تلك المهمة وهو الان في طهران لاعلام الايرانيين بحقيقة الموقف وانه ومعه قطر وعمان يريدون خيارا آخر وسياسة متفاوتة عن السعودية تجاه كل من طهران ودمشق…
الامر السابع وهو ان ما اعلنه مؤخرا الامير سعود الفيصل باعتباره وزيرا للخارجية عن دعوة لنظيره محمد جواد ظريف غداة وصول تشاك هيغل الى المملكة مؤخرا انما جرى الاعلان عنه اولا لقطع الطريق على قناة اكتشف انها فتحت دون علمه بين مليكه عبر ابنه عبد العزيز وهو معاون الوزير سعود وطهران ممثلة بمساعد وزير الخارجية امير عبد اللهيان واللذين التقيا على هامش مؤتمر دولي في احدى العواصم الافريقية مؤخرا وذلك من اجل اجهاض المبادرة… وثانيا في اطار السباق بينه وبين جناح الملك لكسب رضا الادارة الامريكية…
الامر الثامن والاخير فان الدعوة الخطية التي اعلن عنها قبل ايام للوزير ظريف انما اتت في اطار بروتوكولي اقليمي ملزمة الرياض في ارسالها لكل وزراء خارجية منظمة التعاون الاسلامي لانها الدولة الحاضنة لمقر المؤتمر وللاجتماع الدوري ولا علاقة لها من قريب او بعيد بالعلاقات الثنائية بين الرياض وطهران وبالتالي لا يعدو الامر اكثر من كونه اشارة ادبية محضة بالتزام بروتوكول التعاون الاقليمي من جانب الرياض تجاه طهران ولن تخرج باكثر من ترطيب للاجواء الحادة والاستقطابية بين المجالين الحيويين للعاصمتين ولن ينتج عنها اي مبادرة لحل اي ملف ثنائي او اقليمي مختلف عليه بين العاصمتين المتعارضتين في سياساتهما الاقليمية والدولي..