توقفت المفاوضات بعد أن فشلت الإدارة الأميركية في إيصالها إلى نقطة اتفاق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وتتحدث التقارير عن نوع من الخجل الأميركي من الإشارة إلى المفاوضات بسبب الشعور بحجم الفشل، ما دفع الرئيس أوباما لعدم التطرق أبداً للأمر في خطابه الأخير حول السياسة الخارجية أمام متخرجي الكلية العسكرية. ومع ذلك لا يبدو أن الأمور هادئة على هذه الجبهة حيث يجري تحت طبقة الهدوء تيار قوي لا أحد يعرف وجهته النهائية.
فإسرائيل الرسمية صارت تتحدث بوضوح أكبر عن نيتها التوجه نحو خطوات من طرف واحد: البعض يراها ضماً لمناطق أو لجميع الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وآخرون يرونها انسحاباً من طرف واحد. والسلطة الفلسطينية منشغلة بحكومة الوحدة التي يعلن الإسرائيليون جهارا نهارا أنهم لن يتعاملوا معها. وبين هذا وذاك هناك من ناحية الإجراءات على الأرض والتي تتفوق فيها إسرائيل على ما عداها لجهة فرض المزيد من الوقائع الاستيطانية على الأرض، والعواقب الدولية للتطورات الميدانية.
وتتحدث أوساط أميركية عن أن الأوروبيين يطالبون إدارة أوباما بالكشف عن وثيقة التفاهمات» على أمل تقديمها لمجلس الأمن الدولي واعتبارها صورة الحل الذي تطالب بها الأسرة الدولية بعد قرار من مجلس الأمن. وتتحدث أوساط إسرائيلية عن خلافات سوف تبرز بعمق قريباً مع الإدارة الأميركية إن لم يكن بسبب الخلاف حول الحكومة الفلسطينية الجديدة فربما حول أي اتفاق سوف يبرم مع إيران.
ومن الواضح أن هناك ضغائن كثيرة يضمرها الأميركيون والأوروبيون تجاه الحكومة الأشد يمينية في إسرائيل. ويعتقد البعض أن الخلافات القائمة في أوساط الطائفة اليهودية الأميركية، أيديولوجيا بين الأرثوذكس والإصلاحيين والمحافظين وسياسياً بين اليمين والليبراليين قد تضعف اللوبي الصهيوني في أميركا. وربما أن هذا سوف يشجع الرئيس أوباما في نهاية ولايته على تصفية الحساب مع القيادات الإسرائيلية.
وأياً تكن الحال فإن نقاشات حادة بدأت في داخل إسرائيل تحذر من الخطر الذي تجلبه سياسة نتنياهو على الدولة العبرية. وتطالب جهات بحثية كثيرة بتغيير صورة التعامل الحالية ومحاولة إيجاد بدائل أكثر إيجابية سواء بموافقة دولية أو بغيرها. وبين هذه المطالبات السعي إلى المساعدة في إيجاد حلول إنسانية في الضفة الغربية وقطاع غزة لمسألة اللاجئين عبر تشجيع مشاريع إعادة تأهيلهم سكنياً واقتصادياً وعدم انتظار الحل السياسي. وهناك جهات بحثية تطالب بتغيير المقاربة والاتجاه نحو الحل إما بالاتفاق مع السلطة الفلسطينية أو بتنفيذ إجراءات من طرف واحد لا تستثير الأسرة الدولية ولا المحيط العربي.
ويكتب المعلق السياسي في «يديعوت»، سيفر بلوتسكر، أن شخصيات رفيعة المستوى في إسرائيل بينها وزراء في الحكومة «ترى أن هذا هو الوقت المناسب لمبادرة دولية جديدة لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. ويعتقد هؤلاء أنه ينبغي المطالبة بتدخل فاعل ليس فقط من الولايات المتحدة وإنما أيضا من اوروبا وروسيا والصين ودول عربية متقدمة بالطبع. ويمكن أن يكون مؤتمر سلام جديد في الشرق الاوسط نقطة بدء لهذا المسار». ويرى هؤلاء أن التركيبة الحالية للزعامة الدولية ليست معادية لإسرائيل ويمكن لمؤتمر دولي أن يضع أساساً عادلا للتسوية. ويخلص بلوتسكر إلى أن هذا «قد يكون حلم يقظة فقط. ربما. لكن في هذا الوقت وفي ضوء وضع رئيس وزراء اسرائيل ورئيس السلطة الفلسطينية فانه أكثر واقعية من الآمال الفارغة في أن يبدأ الاثنان في الحديث عن الاعمال فضلا عن اقترابهما من تسوية».
والواقع أن بعض الإسرائيليين لا يروق له شعور إسرائيل بالفرح لفشل الإدارة الأميركية في التوصل إلى اتفاق إسرائيلي فلسطيني كما كانت تأمل. وربما أن المعلق الإسرائيلي اليساري، جدعون ليفي، كان الأشد وضوحا في حثه الأسرة الدولية على العودة إلى ممارسة الضغط خصوصاً على إسرائيل لدفعها نحو الاتفاق مع الفلسطينيين. وهو يبدي القلق من تراجع الأميركيين ويأس الأوروبيين ويشير إلى أن ذلك يضع الإسرائيليين في حالة ابتهاج والفلسطينيين في حالة ضياع. ويضيف أن تراجع العالم أمر غير مقبول ويطالب العالم بالتركيز على حقوق المواطن والكف عن تملق إسرائيل. وهو يدعو العالم إلى وجوب مطالبة الإسرائيليين بمنح الفلسطينيين كامل الحقوق وعلى قدم المساواة مع اليهود. أو بكلمات أخرى تهديد إسرائيل بالدولة الواحدة لدفعها إلى القبول بحل الدولتين.
عموماً ومهما كانت الحال فإن تطورات هامة قد تحدث في الأيام القريبة خصوصاً إذا تشكلت حكومة الوحدة الفلسطينية ونفذت إسرائيل تهديداتها بعدم التعامل القطعي معها. فإذا نالت هذه الحكومة تأييداً فلسطينياً وعربياً فإنها قد تنال نوعاً من التفهم الأميركي والأوروبي وهذا يخلق معطيات جديدة يصعب جداً على إسرائيل التعامل معها من دون التفكير بعواقبها. ومع ذلك هناك طوال الوقت من يؤمنون بأن شيئاً جوهرياً لن يحدث وأن الصراع يدور لتسجيل النقاط أكثر مما يدور من أجل أن يحسم بالضربة القاضية. ولذلك فإن ما سيحدث قريباً هو ما كان يحدث حتى اليوم وإن بوتيرة أشد.