حماس تتجه الى وحدة وترجو التخلص من المسؤولية -هآرتس
بقلم: عميره هاس
(المضمون: برغم أن منظمة حماس اضطرت الى الهوادة من اجل انشاء حكومة المصالحة، برهنت مرة اخرى على طول نفس ويبدو أن ناسها فرحون بالتحرر من عبء الحكم غير الممكن في غزة مع ما يصاحبه من الثمن الباهظ - المصدر).
يفترض في هذا اليوم أن يؤدي وزراء حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية أن يؤدوا اليمين الدستورية بحضرة محمود عباس في مكتبه في رام الله. وتستطيع الحركتان الحاكمتان – فتح وحماس – أن تفخرا الآن بأن المصلحة الوطنية غلبت العداوة بينهما والرواسب والمصالح الضيقة. وأعلن عدد من متحدثي حماس من اجل حفظ التوتر، أمس أن الاعلان عن موعد المراسم تم من طرف واحد ومن غير موافقتهم. لكن يبدو أنهم سيتغلبون على هذه الاختلافات في الرأي كما تغلبوا على عدة خطوات اخرى نجح محمود عباس في فرضها برغم معارضة حماس وآخرين في فتح ايضا مثل: إبقاء وزير الخارجية رياض المالكي في منصبه، والغاء مكتب شؤون الأسرى وجعله سلطة تابعة لـ م.ت.ف وعدم إبقاء أي وزير من حكومة حماس في منصبه. إن حكومة غزة تسارع الى الانتقاض.
تتخلص حركة حماس الآن من العبء الثقيل لمهمة غير ممكنة وهي حكم قطاع غزة والاهتمام بأكثر من مليون ونصف من سكانها تحت قيود حركة هائلة فرضتها اسرائيل، في وقت تقطع معها فيه أكثر دول العالم. وهي تتخلص من الصلة المباشرة باوضاع كارثية مثل بنية تحتية 95 بالمئة من الماء فيها غير صالح لاستعمال البشر، وفيضان المجاري وانقطاع الكهرباء الطويل. إن "حركة المقاومة الاسلامية" تبرهن مرة اخرى على مرونتها بتخليها عن بهارج السلطة الخارجية. فهي حركة نفس طويل تستمد الالهام والقوة من الدين والله وهي متأكدة أنها ستنتصر في المدى البعيد. وهي مستعدة من اجل هذا المدى البعيد أن تزيد في مرونتها في المدى القصير. وقد أضر الحكم المتعدد العوائق في غزة وانطباع أنها متمسكة بالحكم حتى لو كان ثمنه انقسام الشعب، أضر باسمها وبمهماتها الدينية الاجتماعية. وعلمها الانقلاب في مصر على الاخوان المسلمين الذين هم الحركة الأم لها، بالطريق القاسية أن المدى البعيد أبعد حتى مما اعتقدت.
تُبين اسرائيل أنها لا تنوي أن تُسهل تنقل البشر والسلع وأن تُمكّن غزة من الانتاج وتسويق منتوجاتها في الضفة الغربية ايضا. ومن الجهة الاخرى نُشر أمس فقط أن حكومة مصر أعدت اقتراح قانون يُعرف كل حفر نفق من مصر الى قطاع غزة أنه جريمة، أي أنه لا احتمال ألبتة لاحياء الاقتصاد البديل الذي مكّن سلطة حماس وأيدها في السنوات السبع الاخيرة. وسيبقى السكان في غزة سجناء وفقراء، وسترتفع البطالة فيها ويكثر مع ذلك المدعومون اقتصاديا والمحتاجون الى المساعدة. ولن تقع المسؤولية منذ الآن على كاهل حماس. وقد طمأن نشطاء من حماس أمس مؤيديهم وبينوا أن انشاء الحكومة الجديدة لا يعني التنازل فالحركة ستستمر زمنا طويلا بعدُ على كونها المسؤولة عن الأمن في قطاع غزة، وستدفع من خزانتها المستقلة رواتب الموظفين ورجال الشرطة الذين عينتهم منذ 2007. وسيمتزج جهاز موظفيها بجهاز موظفي السلطة بمسار تحادث لا استسلام. لكن كل الشواهد تدل على أن الوزراء الاقتصاديين في حكومة حماس سعداء بتسليم المفاتيح الى من يحلون محلهم.
تستطيع فتح أن تدعي أن نهجها السياسي هو الذي غلب برغم أن كل الوزراء يفترض أن يكونوا مختصين في مجالاتهم دون هوية حزبية ظاهرة. اجل سيبقى رئيس الوزراء هو الدكتور رامي الحمدالله المقرب من فتح، الذي سيكون ايضا وزير الداخلية المسؤول عن اكثر الاجهزة الامنية. وستكون هذه آخر الامر "حكومة عباس". فقد كان القرار النهائي على من يكون عضوا فيها في يده وبين ايضا أنها ستستمر على النهج السياسي للحكومة السابقة، أي بناء مؤسسات الدولة الى جانب اسرائيل في حين ستستمر م.ت.ف على اجراء التفاوض معها.
"التنسيق الامني مقدس"، أعلن عباس قبل أقل من اسبوع في حضور ضيوف اسرائيليين في مكتبه، بخطبة معلنة أذيعت واقتُبس منها في جميع وسائل الاعلام الفلسطينية. ويقولون في فتح وبحق أن اتفاق وقف اطلاق النار الذي توصلت اليه حكومة حماس مع حكومة اسرائيل في 2012 هو نوع من التنسيق الامني، لكن حماس امتنعت عن التصريحات المعلنة وجنبت نفسها بذلك الاضرار بالصورة الذي حدث للسلطة الفلسطينية.
إن حركة فتح، ولا سيما كما تشكلت في العشرين سنة الاخيرة، هي حركة المدى القصير والمدى المتوسط، فهي جسم يحتاج الى نتائج مادية فورا لتسويغ وجوده مثل الرواتب وتوزيع الوظائف والاعمال والصلات بالخارج. وقبل نحو من عشرين سنة اعتمدت قوة فتح على أمل أكثر الفلسطينيين أن حلم الاستقلال يوشك أن يتحقق قريبا، بحيث كانت الحركة على حق في تغيير الهدف من تحرير فلسطين كلها الى اعتراف باسرائيل واقامة دولة. لكن تبين للجمهور الفلسطيني في سنوات مسيرة اوسلو ما زعمته حماس من البداية وهو أن مقاصد اسرائيل من "الحل السلمي" لا تشبه التوقعات الفلسطينية (والقرارات الدولية) – أي أنها لا توافق على الانسحاب من جميع المناطق التي احتلتها في 1967 وعلى تفكيك كل المستوطنات. وهكذا كلما خابت الآمال في التحرر القريب أصبحت حركة فتح التي يُماهى بينها وبين السلطة الفلسطينية بصورة آلية أكثر تعلقا بقدرتها على تلبية الأماني في المدى القصير كي تحفظ صلتها بالواقع وشرعيتها. وتساعدها على ذلك الدول المانحة وفي مقدمتها الولايات المتحدة والدول الاوروبية، ولهذا من المهم لها أن تحافظ على سبقها في الحكومة الجديدة ايضا.
يبدو أن الولايات المتحدة واوروبا لا تستجيبا لطلب اسرائيل معارضة حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية ما ضُمن لهما على الأقل أن تكون الحكومة الجديدة سائرة في الطريق الذي حدده عباس. وهذا ما جعل رجال عباس يؤسلون أمس رسالة طمأنة الى الجمهور الفلسطيني ألا يخشى عقابا اسرائيليا. لكن الفلسطينيين في الضفة الغربية حتى على هذه الحال في ورطة، فهناك من جهة عدم وجود اماكن عمل وبطالة عالية بين الشباب خاصة، ومن جهة اخرى عدم وجود أفق سياسي عن ادراك أن اسرائيل ليست مستعدة إلا لاتفاق استسلام فلسطيني بعيد عن أدنى مطالب م.ت.ف.
لن يكتفي الفلسطينيون مع انشاء الحكومة الجديدة بتحقيق آمالهم المتواضعة في المدى الفوري – اماكن العمل والرواتب والخدمات الأساسية. واذا تبين أن م.ت.ف وفتح لا ترسمان الآن ايضا استراتيجية جديدة للتحرر من الاحتلال الاسرائيلي فستخسران بصورة نهائية صلتهما بالواقع وستعود حماس لتبزغ مثل حركة صاحبة رؤيا وقدرة.