تسير جلسات وحوارات المصالحة الوطنية الفلسطينية على قدم وساق لإتمام المشاورات حول تشكيل حكومة التوافق المزمع الإعلان عنها غداً الاثنين، إلا أن ملف "الاعتقالات السياسية" المتواصل على الأرض مازال يعكس أجواءً غير ايجابية للمتصالحين على طاولة السياسية.
ملاحقات أمنية واعتقالات سياسية، وصلت ذروتها في الأسابيع والأيام الأخيرة، على وقع جلسات المصالحة الوطنية، لتستمر المعركة طويلاً بين المقاومين والمجاهدين وأجهزة الأمن، حتى بات البعض لا ينام في بيته خشية الاعتقال والملاحقة.
هذه الاعتقالات وصلت لحد بات المقاومون في الضفة المحتلة تحديداً يرفضونها ولا يستجيبون لها، وأصبح هناك أشبه بمعركة خفية تدور رحاها في بعض المدن، الأمر الذي يستدعي قرار سياسي عاجل لوقف هذه الاعتقالات لتتوافق مع أجواء المصالحة وهو ما أكده متحدثون لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية" .
الاعتقالات والمصالحة لا تستقيمان
مصطفى البرغوثي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية ورئيس لجنة الحريات أكد أنه لا يجوز أن يكون هناك اعتقالات سياسية، ويجب إنهاء هذه الظاهرة، فلا تستقيم المصالحة الوطنية بوجود اعتقالات سياسية، والانتباه لما تقوم به "إسرائيل".
وشدد البرغوثي، في حديثه لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية" على ضرورة إفشال كافة الجهود التي تسعى لها "إسرائيل" لوقف المصالحة الفلسطينية، والتصدي لكافة الإجراءات التي تقوم بها "إسرائيل".
وفي تعقيبه على وجود اعتقالات سياسية في ظل جلسات الحوار والمناقشة، أشار البرغوثي إلى أن هناك أخطاء يتم ارتكابها لكن لجنة الحريات تناقش الأمر وتعمل على معالجته قبيل البدء بتشكيل الحكومة، واللجنة مستمرة في متابعة الأمر.
ملاحقة رغم التوافق
حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، أكدت أن أجهزة السلطة تواصل حملتها بحقّ أنصارها في مختلف محافظات الضفة الغربية المحتلّة، على الرغم من قرب إعلان حكومة التوافق الوطني.
وقالت الحركة إن أجهزة أمن السلطة اختطفت أربعةً من أنصارها، واستدعت اثنين آخرين للتحقيق في مقراتها، فيما اعتدت على مسيرة داعمة لإضراب الأسرى الإداريين في جنين الجمعة.
المصالحة تعلو المنغصات
أما الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، فأوضح أن المصالحة مازالت مجرد أجواء ولكن المَفصَل المهم هو تشكيل الحكومة، حيث يتغير فيما بعد السلوك، وحينها يتوقف الاعتقال السياسي أو يكون هناك معالجة للملف وتفعيل كافة اللجان المتعلقة بالمصالحة.
وأضاف في حديثه لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، أن تشكيل الحكومة سيفتح الباب أمام معالجة كافة الملفات، مع أن استمرار الاعتقالات السياسية أمر مؤسف، لكن لا يوجد إفساد لملف المصالحة، فالطرفان لديهما من الأسباب ما يجعلهما يمضيان في موضوع المصالحة حتى لو كانت هناك منغصات حتى بعد تشكيل الحكومة خلال الأشهر والسنوات المقبلة.
وأوضح، الموقف الجدي للمصالحة يعلو فوق كافة المنغصات مع وجود تفاؤل بإيجاد حلول لكل المشكلات العالقة.
ارتفاع أعداد المعتقلين
من جهته، أوضح عدنان أبو عامر الكاتب والمحلل السياسي في مقال له، أن اتفاق المصالحة، لم يوقف الاعتقالات، بل اشتدت وتيرتها، وقالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان إن السلطة لم توقف الاعتقالات والتعذيب رغم المصالحة.
وأكد أبو عامر أن إنهاء ظاهرة الاعتقال السياسي في الضفة مرهونة بطبيعة الصلاحيات الممنوحة لوزير الداخلية القادم، ورغم أن أجواء المصالحة إيجابية، لكن ملف الاعتقال السياسي سيظل غامضاً، وهو ما يهددها بأي لحظة.
تشير الإحصائيات إلى ارتفاعٍ بأعداد المعتقلين السياسيين، زادت عن 200، وأكثر من 500 استدعاء منذ بداية 2014، فيما زاد العدد منذ المصالحة يوم 23/4، عن 20 عنصراً، واستدعاء آخرين، وعشرات لا ينامون ببيوتهم بسبب الملاحقات الأمنية، ووصلت ذروة الاعتقالات باقتحام المخابرات العامة ليلة توقيع المصالحة، لمنزلي عضوي المجلس التشريعي إبراهيم أبو سالم من القدس، ورياض داوود من طولكرم، من قيادات حماس البارزين بالضفة.
أحد عناصر حماس الذين اعتقلوا مؤخراً طالب بجامعة بيرزيت، رفض البوح باسمه خشية الملاحقة، وأفرج عنه من سجن "جنيد" قال: "اقتادني عناصر الأمن الوقائي لسيارتهم، وضربوني بأعقاب البنادق، واتهموني بمراقبة أفراد الأمن، ومكثت في السجن أسبوعاً تعرضت فيه لمعاملة غير إنسانية بمنعي من دخول الحمام، وحرماني من النوم، وسوء الطعام".
حماس من جهتها، اعتبرت استمرار الاعتقالات تخريباً للمصالحة، وقال القيادي فيها حسام بدران، من قطر :"لا معنى للمصالحة إذا لم يتم إنهاء الاعتقالات، وما نراه الآن لا يشير لتغيير بسياسة السلطة، محملاً فتح المسؤولية عما يجري لأنها تدير الضفة، والناس تعاني كثيراً من الملاحقة والتضييق"، لكن الأجهزة الأمنية بالضفة أكدت أن "المحتجزين لديها موقوفون وفق القانون، نافية وجود أي معتقل بسبب الانتماء السياسي، معربة عن خشيتها من تسبب لغة التحريض التي تنتهجها حماس بإفساد المصالحة".
وزار خليل عساف عضو لجنة الحريات بالضفة، يوم 8/5 قيادات أمنية "لبحث الاعتقال السياسي، وسلمهم قوائم بالمعتقلين للإفراج عنهم، مطالباً بقرار سياسي لوقف الاعتقالات المستمرة بشكل شبه يومي".
"عائلات عناصر حماس المعتقلين بالضفة تعيش استياءً حقيقياً، لأن المصالحة لم تأت على ذكرهم بالتفصيل، وتركت الموضوع لمزاج الأجهزة الأمنية"، كما قال أحد مسئوليها بالضفة "معرباً عن اعتقاده بأن حماس بغزة كان يجب أن تولي موضوعهم أهمية أكثر في المصالحة، وعدم ترحيله لإشعار آخر".
وأشار أبو عامر في مقاله أن تواصل الاعتقالات السياسية لعناصر حماس في الضفة، قد يجبر حماس في غزة على التراجع عن بوادر حسن النية تجاه فتح، التي لن تبقى مجانية دون إجراء مماثل بالضفة، فتح عليها بذل الجهود لوقف الاعتقالات، وإثبات حسن نوايا، وإلا فإن قدرة حماس لتسويق المصالحة لعناصرنا ستنخفض كل صباح يأتي بخبر اعتقال جديد.
الأيام الأخيرة شهدت بروز ظاهرة جديدة بالضفة تتمثل برفض عناصر حماس الاستجابة للاستدعاءات الأمنية، والبقاء ببيوتهم، أو الاختفاء عن الأنظار، وقد أكد ناشط ميداني في حماس من نابلس، رفض الكشف عن هويته أن "المصالحة لم توقف الاعتقالات، بل أعطتنا إشارة سلبية أنها تجاوزتنا، وأبقت مصيرنا بدائرة المجهول، قد تدفعنا لرفض الاستجابة للاعتقالات بتصوير الاستدعاء، ونشره عبر الانترنيت، أو حرقه".
ودعت "رابطة الشباب المسلم بالضفة" وهي مجموعة غير معروفة، "لرفض الاستدعاءات الأمنية، والتحصن في البيوت مهما كان الثمن، حتى لو وصل الأمر لمواجهة مداهمة عناصر الأمن، واقتحامهم البيت"، ونشر موقع التواصل الأكثر رواجاً بين عناصر حماس "شبكة فلسطين للحوار" مقالاً غير مسبوق طالب كوادر حماس بتصعيد الموقف الميداني بالضفة، لحل المشكلة.