لم يكن الفلسطينيون وحدهم هم من ينتابهم الشك والقلق حول إمكانية نجاح المصالحة وإنهاء الانقسام، فالشارع العربي أيضاً لديه مخاوفه وتساؤلاته التي تحتاج منا أن نقدم له بالحجة والبرهان أن هذه المصالحة جادة، وهي نهاية فصول المأساة السياسية وآخر الاحزان.
خلال الأسبوع الماضي، وصلتني الكثير من الأسئلة من جهات عربية حريصة على وحدة الصف الفلسطيني، ومعنية باجتماع الشمل وعودة الوئام بين الإخوة في حركتي فتح وحماس، والتئام ما تشرذم من ساحتنا على شكل كيانين باعدت بينهما السياسة والاحتلال.. ولعلي هنا أستعرض بعضاً منها، وما نراه – من خلال ما هو متوفر لدينا من معطيات – جواباً لها، وهي كالتالي:
المصالحة ورقة سياسية؟
واحدٌ من الأسئلة التي استدعت طرحها كثرة اللقاءات المتعثرة بين الإخوة في حركتي فتح وحماس، وذلك بهدف بحث موضوع المصالحة وإنهاء الانقسام على مدار أكثر من خمس سنوات، حيث يرى البعض في الشارع العربي أن المصالحة باتت ورقة سياسية للمزايدة، يشهرها الفلسطينيون في وجه إسرائيل كلما تعثرت مفاوضات السلام ليس إلا، كيف تردون على ذلك؟
في الحقيقة، هذا تساؤل مشروع، ويحتاج إلى إجابة وتوضيح.. ولنبدأ بالإشارة إلى أن المصالحة الفلسطينية - ومنذ الشهور الأولى للانقسام - كانت هي مطلب الجميع، وكان الكل الوطني والإسلامي ينظر إليها باعتبارها فريضة شرعية وضرورة وطنية ومستلزم للحفاظ على المشروع الوطني.. ولكن - للأسف – لم يتمكن الإخوة في فتح وحماس من التغلب على تداعيات الانقسام، وما صاحبه من اصطفافات حزبية واستقطابات مجتمعية داخل الشارع الفلسطيني.. لقد عملت إسرائيل على تكريس واقع الانقسام، وتوسيع هوة الخلاف والتناقض بين فتح وحماس. ولولا الجهود الكريمة والمشكورة التي قامت بها مصر في رعايتها لجلسات الحوار بالقاهرة ومسعاها الحثيث في تقريب وجهات النظر، وتشجيع الأطراف على توقيع "وثيقة المصالحة" في مايو 2011م، ربما لتمَّ تأبيد حالة الانقسام.. لقد كانت تلك الوثيقة هي اللبنة الأولى لما وصلنا إليه من تفاهمات، وقد شكلت كذلك الأرضية لما تم التوقيع عليه مؤخراً في "اتفاق مخيم الشاطئ"، والذي نأمل أن يكون نهاية درب الآلام للفلسطينيين، والطريق لاستعادة وحدتهم السياسية والتئام شمل صفهم الوطني والإسلامي، وتمكين الرئيس أبو مازن من مواجهة الضغوط التي تحاول إسرائيل فرضها على السلطة في رام الله، بهدف الرضوخ وتقديم المزيد من التنازلات دون أن يقابلها أية استحقاقات باتجاه تحقيق حلم الفلسطينيين في التحرير والعودة ونيل الاستقلال.
لا أعتقد بأن هناك علاقة تلازم بين إنجاز المصالحة وتعثر المفاوضات، وإن كان فشل المفاوضات قد عجَّل بتسريع خطوات المصالحة، حيث إن طرفي الأزمة؛ فتح وحماس، هما حقيقة في ورطة كبيرة ووضعية سياسية كارثية، وساقا الشارع الفلسطيني ليغلي كالمرجل القابل للانفجار.. لذلك، كانت المصالحة هي سفينة الخلاص وطوق النجاة لكل منهما.
المصالحة: غاية مرجوة أم مناورة لكسب الوقت؟
هناك حالة من التوجس يعيشها الكثير من المهتمين في العالم العربي بالشأن الفلسطيني، حيث يقدم البعض دعمه وأمنياته كي يصل مشروع المصالحة هذه المرة إلى غاياته المنشودة، فيما يعبر الآخرون عن قلقهم ويطرحون مخاوفهم أن يكون الإخفاق مصير هذه الجولة من اللقاءات على غرار المرات السابقة؟
بالرغم من حالة المراوحة في التوقعات، إلا أنني أعتقد بأن عاقبة الفشل في تحقيق المصالحة أو التراجع عما تمَّ التوقيع عليه ستكون خسارة كبيرة للطرفين؛ فتح وحماس، حيث أظهرت استطلاعات الرأي تراجع شعبيتهما إلى أقل من 30% لكل منهما، وأن كل طرف يتطلع اليوم أن ينزل عن الشجرة بمساعدة الطرف الآخر، حيث لم تعد حركة حماس قادرة في ظل الحصار، وتراجع علاقاتها مع دول الجوار، من توفير فرص حياة كريمة، حيث بات قطاع غزة يتنافس مع الصومال على المقعد الأخير للدول الأشد فقراً في العالم العربي، كما أن 80% من سكان القطاع يعتمدون في حياتهم على المساعدات الخارجية، كما أن طاقات الفعل الشبابية وهي تشكل أكثر من 30% من مجموع السكان أضحت خارج معادلة العطاء وحسابات التنمية المجتمعية.!!
لا شك بأن الظروف القاهرة، وغياب أفق حل سياسي للقضية عبر التفاوض بسبب تعنت إسرائيل، وإدراك الجميع بأن استمرار الانقسام سيجعل دولة الاحتلال تتمادى في سياساتها التهويدية والتوسعية في القدس والضفة الغربية، وفي المحصلة سيخسر الطرفان وسوف تضيع القضية.. لذلك، كانت المصالحة هي خيار نابع عن رؤية استراتيجية لدى الطرفين، كما أنها كانت ممراً إجبارية لابدَّ من اجتيازه للوصول إلى ما يتطلع إليه كل طرف لتحقيق أهدافه وتطلعاته الوطنية.
إن كل المؤشرات تشي بأن المصالحة في المعادلة الوطنية هي كسب للطرفين، ورافعة لكلٍ منهما للخروج من النفق المظلم، وإعادة بناء منظومة العمل النضالي من أجل التحرير والعودة على أسس من الشراكة السياسية والتوافق الوطني.
المصالحة: تساؤلات التوقيت
ربما كان السؤال الذي كرر طرحه الكثيرون في شارعنا العربي له علاقة بالتوقيت والسرعة التي تمت فيها عملية الاتفاق وتوقيع المصالحة، من حيث شكل الدوافع والمستجدات التي أدت إلى ذلك.
مما لا شك فيه، أن وصول كل أطراف الصراع على الساحة الفلسطينية إلى قناعة بأن الأبواب كلها أصبحت مؤصدة في وجوههم، وتراجع مكانة القضية على سلم أولويات دول المنطقة والمجتمع الدولي، وانشغالات العالم بكل ما يحدث في سوريا وأوكرانيا من ناحية، وتغول دولة الاحتلال الإسرائيلي وتهديداتها لكل من الرئيس محمود عباس وحركة حماس من ناحية ثانية، وتردي مستويات المعيشة في قطاع غزة وارتفاع نسبة البطالة إلى حوالي 40%، والانتهاكات الإسرائيلية لحرمة المسجد الأقصى وإجراءات تهويد المدينة المقدسة، وارتفاع حدة الغضب وحركة الاحتجاج داخل الشارع الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، كلها عوامل ساعدت في عملية تعقل كافة الأطراف، ودفعها للتعجيل بتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام؛ لأن درجة الغليان داخل مرجل الحراك الشعبي اصبحت مؤشراتها تبعث على القلق من مخاطر الانفجار باتجاه انتفاضة عارمة في وجه الاحتلال وتحدي الحصار من ناحية أو التمرد والثورة على واقع الانقسام، وتحدي الحكومتين في الضفة الغربية وقطاع غزة من ناحية ثانية .
سر لقاء الدوحة بين عباس ومشعل؟
لاحظ البعض في شارعنا العربي أن مصر كانت في السابق ترعى المصالحة، لكن الجديد هذه المرة أن الرئيس عباس والسيد مشعل التقيا في الدوحة بدلاً عن القاهرة، فكان السؤال: هل هناك من دلائل سياسية وراء هذا التغيير؟
إن هناك مقولة لا يختلف عليها الكل الوطني والإسلامي فيما يخص ملف المصالحة، وهي: أن مصر كانت وستبقى هي الراعية الحصرية للحوار، وهي التي سبق أن احتضنته في كل مراحله السابقة، ولكن ظروف مصر الداخلية ربما حالت دون أن تعود جولات الحوار للقاهرة قبل الانتهاء من الانتخابات الرئاسية نهاية هذا الشهر. لكن من المؤكد أن الاجتماع القادم للجنة الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، والتي ستشارك فيها كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي لبحث قضية انضمامهما للمنظمة، ستتم في القاهرة وبرعاية مصرية.
إننا جميعاً في فتح وحماس وباقي فصائل العمل الوطني والإسلامي قد سبق وأن أكدنا جميعاً أن هذا الملف هو مصري بامتياز؛ لأن ما يربطنا بهذا القطر الشقيق أكثر من أن القاهرة هي فقط طرف رعاية لملف المصالحة الفلسطينية، حيث إن مصر لفلسطين هي بمثابة القلب للجسد، وهي التي على مدار تاريخ النكبة كانت هي المرشد والموجه للأمة بأهمية القضية الفلسطينية؛ سواء في بعدها الديني أو القومي، وكان الفضل لتأكيد مركزية القضية في الوجدان العربي والإسلامي يعود فيه الفضل للإمام حسن البنا وللزعيم الراحل جمال عبد الناصر، عليهما رحمة الله جميعاً.
وفيما يتعلق باجتماع الدوحة بين الرئيس أبو مازن والأخ خالد مشعل فقد كان بمثابة التواصل و"لقاء الضرورة"، بهدف توفير شبكة أمان لما تم التوقيع عليه في "اتفاق مخيم الشاطئ" من تفاهمات، والتأكيد على أن مصر سوف تبقى هي الحاضنة السياسية والراعي الحصري للملف الفلسطيني، مع التقدير الكامل لكل الجهود العربية والإسلامية التي تعمل لتقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين، وأن كل ما يتم تقديمه من مساعٍ حميدة لدعم الموقف الفلسطيني من أية جهات إقليمية ودولية إنما يأتي في سياق استكمال ما تقوم به جمهورية مصر العربية وليس بديلاً عنها، فقد سبق للمملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين؛ الملك عبد الله بن عبد العزيز، رعاية "اتفاق مكة"، والذي أنهى حالة الصراع الداخلي بين حركتي فتح وحماس، وقاد إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في أبريل 2007م، وكذلك كان لتركيا جهود مشكورة ومثلها دولة قطر في دعم الكثير من المشاريع الإغاثية والبنى التحتية، التي تعين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة للخروج من همِّ الضائقة المالية ومعاناة المحنة التي تأخذ بتلابيبهم جميعاً بسبب الاحتلال وظلم الحصار.
أبعاد الرفض الإسرائيلي والتحفظ الأمريكي
من الملاحظ أن واشنطن بادرت - وبطبيعة الحال إسرائيل - إلى انتقاد الاتفاق بين فتح وحماس، السؤال المثار عربياً هو كيف سيتمكن الفلسطينيون من مواجهة هذا الرفض، لاسيما إذا اقترن التهديد بوقف الدعم الغربي على غرار ما حدث سابقاً؟
لا شك أن هذه القضية سيبحثها الرئيس أبو مازن مع الجامعة العربية وأطراف إسلامية أخرى وأيضاً مع بعض الدول الأوروبية، لتأكيد توفر شبكة أمان مالية مستمرة لدعم السلطة، وذلك في حال إذا ما قررت أمريكا معاقبة الرئيس محمود عباس بوقف المساعدات المالية أو حاولت إسرائيل تأخير صرف أموال المقاصة التي تقدمها للسلطة.. لكن حقيقة الأمر، أن استمرار بقاء السلطة هو مصلحة أمريكية، وقبل ذلك – بالطبع – إسرائيلية؛ لأن حكومة نتنياهو تعلم أن البديل هو احتلال إسرائيلي لكافة مناطق الضفة الغربية بكلفة مالية وأمنية عالية. من جهة ثانية، أن الرئيس أوباما يتفهم حاجة الرئيس أبو مازن لإنجاز ملف المصالحة، لتعزيز مكانته واثبات نفسه كرئيس يمثل الكل الفلسطيني، وأيضا لاستمرار فرص التفاوض قائمة بين السلطة ودولة الاحتلال، وهذا في حد ذاته مصلحة للغرب والاستقرار في المنطقة.. ولقد عمل الرئيس كارتر على اقناع الرئيس أوباما ووزير الخارجية جون كيري والرأي العام الأمريكي أن استمرار الدعم الأمريكي السياسي والمالي للرئيس أبو مازن هو في مصلحة أمريكا والسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ولذلك، فإن قناعتي بأن أمريكا لن تكون عقبة كأداة في وجه المصالحة وستدفع الأوروبيين إلى التعاطي مع الحكومة الانتقالية القادمة والتشجيع على دعمها، كما أن إدارة الرئيس أوباما سوف تمارس بعض الضغوط على نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة لعدم وضع العراقيل أمام تشكيل الحكومة وتسهيل مهمة عملها.
ومن الجدير ذكره، أن حركة حماس في المرحلة القادمة لن تكون في واجهة الحكومة، وستعمل مع الرئيس محمود عباس على سدِّ باب الذرائع، التي اعتادت إسرائيل على تسويقها للغرب والمجتمع الدولي حول الحركة، كما ستتعاون مع الرئيس أبو مازن في كيفية إدارة الصراع مع الاحتلال، لكسب المزيد من التعاطف والمواقف الغربية الداعمة للفلسطينيين ومطلبهم العادل في حق تقرير المصير ونيل الاستقلال.
فتح وحماس على قائمة انتخابية موحدة.!!
وفي سؤال حول سبب غياب وحدة الصف الفلسطيني، وعدم توفر رؤية وطنية يتوافق عليها الكل الوطني والإسلامي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، كتلك التي مكنت جبهة التحرير الوطني في الجزائر في الخمسينيات من جمع شمل كل المناضلين تحت مظلتها، وخوض المعركة براية ورجال لا همَّ لهم إلا هزيمة المحتل، ورفع مكانة الجزائر فوق الجميع.
ولكل هؤلاء وأولئك من الوطنيين والغيورين الأحرار من أبناء شعبنا العظيم، أقول: إن هناك الآن من يرفع عقيرته بالنداء والمطالبة بأن تدخل فتح وحماس في قائمة انتخابية واحدة، وذلك بهدف قطع الطريق أمام كل المتلاسنين والمشككين والمتربصين بكل ما تمَّ إنجازه على الأرض حتى الآن، ولتأكيد أن المصالحة هي خطوة - لا رجعة عنها - على طريق التمكين لوحدة الصف الفلسطيني، وأن ما ينتظرنا في الحقيقة هو العمل من أجل تمتين استقرار الحالة الفلسطينية، وتعزيز قدرات مشروعنا الوطني، حتى يتحقق لشعبنا الوصول لأهدافه العليا في التحرير والعودة وقيام دولته الحرة والمستقلة .
إن أفضل وسيلة لإثبات حسن النوايا وصدق التوجهات، والقضاء على ما يجري من أحاديث "الوسواس الخناس"، هو مشاركة كل من فتح وحماس على نفس القائمة، وبنفس البرنامج السياسي التوافقي، حيث إن الطرفين هم الأكثر حظاً في كسب الانتخابات القادمة، والأقدر على بناء رؤية وطنية وتلزيم الآخرين بها، شرط ألا تخرج عن سياق ما تم الالتقاء حوله في "وثيقة الوفاق الوطني" في يوليو 2006م.
إن الشيء الذي يمنحنا الاطمئنان بأن لا رجعة للانقسام بأي حال من الأحوال هو التآخي السياسي بين فتح وحماس وفق رؤية وطنية واحدة كالتي جرى التوافق عليها في مكة، والتي استهدفت إفشالها جهات متعددة إسرائيلية وعربية، ولم يكن بعض الفلسطينيين من أصحاب المصالح والامتيازات بعيداً هو الآخر عنها.
وإذا كانت مقولة "فتح وحماس على قائمة انتخابية واحدة" يتم التهامس بها – الآن - على استحياء، إلا أنها ستصبح واحدة من بين القضايا الاستراتيجية المطروحة للتداول في صالونات النخب السياسية، وكذلك في منابر وأروقة الحركتين ومجالسهم الشورية قريباً.
إن فتح وحماس حركتان عظيمتان في تاريخنا الفلسطيني المعاصر، ولكل منهما مسيرته النضالية التي يعتز ويفخر بها، وهما الأكثر تأهيلاً لقيادة مشروعنا الوطني، وحماية حقوقنا وثوابتنا الوطنية، والدفاع عن حق شعبنا في تقرير مصيره. إن المصالحة هي خطوة على طريق تحقيق ذلك، وأن الخطوة التي ستعقبها هي وعي كل منا بأنه شريك للآخر وقرَّة عين له، وأن نعترف في إطار الرؤية المتوازنة بأن لكل منا نصيباً وحظاً وافراً لا يمكن لأيٍّ منا تجاهله أو إنكاره، ونحو نخطو بشعبنا العظيم على دربه اللاحب الطويل باتجاه تحقيق أمانيه في التحرير والعودة والاستقلال.
من هنا، أود التأكيد أن ما توصلنا إليه في "اتفاق مخيم الشاطئ"، هو أشبه بـ"مؤتمر الصومام" الذي انعقد بالجزائر عام 1956م، والذي أنهى مرحلة الخلاف وتبادل الاتهامات بين مختلف أطراف وفصائل الكفاح الوطني، وأسس لمرحلة نضالية جديدة بقيام جبهة التحرير الوطني، والتي قادت معركة التحرير والاستقلال عن فرنسا. إن ما تمَّ التوصل إليه بين الإخوة في فتح وحماس، وبمشاركة أطراف من منظمة التحرير الفلسطينية في "اتفاق مخيم الشاطئ"، إنما هو - بحق - إنجاز برسم المشاعر والوطن، ولا سبيل إلا مطاوعته حتى بلوغ غاياته العليا في تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام.
ختاماً: تفاءلوا بالخير تجدوه
بالرغم من توقيع الاتفاق قبل أربعة أسابيع تقريباً، وظهور بعض المؤشرات الإيجابية التي تعكس الكثير من الجدية ورغبات الالتزام لدى الطرفين؛ فتح وحماس، إلا أن الشارع الفلسطيني مازال يعيش حالة من الحيرة والترقب و"أيده على قلبه"، ولم تتوفر له التطمينات الكافية، التي تمنحه الشعور بالأمن والأمان على مستقبله ومستقبل أبنائه ووطنه، وهو معذور في ذلك؛ لأن هناك على رأسه أكثر من بطحة مازال يتحسسها، وقد خذلناه في أكثر من مرة.. فالحقيقة، أن حجم المشكلات المتراكمة جراء سبع سنوات عجاف من القطيعة والانقسام والاصطفافات الحزبية، وعذابات الحصار والاعتداءات المتكررة لجيش الاحتلال على قطاع غزة، تذر الحليم حيران حول إمكانية النجاح في تخطيها، واستعادة حالة التآخي والترابط داخل نسيجنا الوطني، بالسرعة التي ينتظرها ويتشوق إليها الشارع الفلسطيني.
إن "اتفاق مخيم الشاطئ" في 23 أبريل 2014م قد وضع اللمسات المباركة على كل ما سبق التعاقد والتوقيع عليه من اتفاقات في القاهرة والدوحة، والتي تقطع الطريق أمام أية توجسات أو مخاوف.. لقد قدمت حركة حماس كل ما يضمن للمصالحة النجاح، وهذا ما أكد عليه رئيس مكتبها السياسي الأخ خالد مشعل في كلمته بمناسبة الذكرى 66 للنكبة من الدوحة، حيث أشار إلى أن "المصالحة الفلسطينية باتت ضرورية أكثر من أي وقت مضى لإدارة القرار السياسي الفلسطيني، وبدونها لا يمكن المرور إلى الملفات الكبرى التي يقوم عليها تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني، وإن صفحة الانقسام الفلسطيني قد طويت، وانتهت هذه الحقبة، رغم العقبات والتحديات الكبيرة التي تواجهها المصالحة الفلسطينية".. كما أن المرونة التي أبدتها الحركة في قطاع غزة حول طبيعة الحكومة والشخصيات المطروحة هي شهادة على جديتها، وبرهان على صدق رغبتها في توفير كل عناصر النجاح للاتفاق، من حيث ترك الخيار للرئيس أبو مازن لينتقي من بين ما تمَّ تداوله من أسماء كل من يرى فيه الأفضل كفاءة ونزاهة ووطنية، والأقدر على التحرك به دون اعتراضات إسرائيلية أو غربية.
إننا وفي ظلال الذكرى السادسة والستين للنكبة، يحدونا الأمل ويتعاظم معه الحنين بأن الفرج بات قريب، ونحن لا نملك إلا أن نظل متفائلين، ونبعثه بين كل الموجوعين والمكلومين من أهلنا في فلسطين، فما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ.