خبر تشكيل حكومة تكنوقراط توافقية لا يعني نهاية الانقسام ..إبراهيم أبراش

الساعة 10:07 ص|26 مايو 2014

وكأننا أمام مشهد شبيه بما جرى نهاية عام 2006 وقُبَيِل وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في مارس 2007، ولكن هذه المرة المشهد أكثر خطورة لأننا اليوم ندفع ثمن فشل حكومة لقاء مكة – حكومة الوحدة الوطنية-. آنذاك وبعد حوالي عام على تفرد حركة حماس بالحكم بسبب تمَنُع حركة فتح وفصائل منظمة التحرير المشاركة في الحكومة، وبعد الحصار الذي تم فرضه على السلطة سواء في غزة أو في الضفة، تكثف الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، وجرت حوارات تُوجت بلقاء مكة في فبراير 2007 الذي أدى لتشكيل حكومة (وحدة وطنية) أو حكومة رفع الحصار، كما تمت تسميتها، لم تستمر إلا لثلاثة أشهر ثم جرى ما جرى من حرب أهلية وانقسام ما زلنا نعيش واقعه وتداعياته المدمرة.

عندما نقول إننا أمام مشهد شبيه في ظل ظروف أكثر مأساوية فلأن أطراف المكونات الداخلية لمعادلة الانقسام لم تأخذ العبرة بما فيه الكفاية من التجربة السابقة حيث انصبت حوارات مكة على كيفية التجاوب مع طلبات المملكة السعودية وإغراءاتها المالية، وعلى كيفية تمرير مصالحة شكلية ترفع الحصار المفروض على السلطة وتنقذ كل طرف من مأزقه السياسي والتنظيمي والمالي، فالاهتمام كان بتسكين الحالة دون تفكير بمراجعة إستراتيجية عند كل طرف تؤسِس لإستراتيجية وطنية جديدة.

اكتفت أطراف لقاء مكة على اعتماد وثيقة الوفاق الوطني شكليا كبرنامج سياسي للحكومة دون الغوص في التطبيق العملي للنصوص الملتبسة والعامة للوثيقة، وفيما كانت وثيقة الوفاق الوطني تتضمن 18 بندا تم الاقتصار على بند تشكيل الحكومة فقط، وبقيت قضايا المقاومة وسلاحها والقوة التنفيذية لحماس والاعتراف بالاتفاقات الموقعة وتفعيل منظمة التحرير الخ دون حل، وكانت النتيجة فشل حكومة الوحدة الوطنية بعد ثلاثة أشهر لتعود الأمور أسوأ مما كانت.

وهكذا بعد ثمان سنوات تقريبا من فشل حكومة الوحدة الوطنية تفشت خلالها حالة من الإحباط واللامبالاة من المصالحة، وانتشرت حالة من الخوف والقلق من وعلى المستقبل سواء الخوف على مستقبل الأبناء أو مستقبل الوطن. في هذه الأجواء تم تحريك ملف المصالحة في لقاء الشاطئ يوم 23 أبريل، وكما جرى في لقاء مكة تم التركيز على بند الحكومة وتأجيل بقية بنود المصالحة في اتفاق القاهرة، ومع هذا التوقيع يعيش الفلسطينيون حالة من الترقب والأمل بتجاوز الانقسام المقيت للتفرغ لمواجهة الاحتلال.

نتمنى بداية أن لا يتم اختزال المصالحة بتشكيل حكومة، كما جرى في لقاء مكة، حتى لو كانت حكومة إنقاذ وطني كما نعتها السيد عزام الأحمد. وحتى بالنسبة للحكومة فمع قرب نهاية فترة الخمسة أسابيع المقررة لتشكيل الحكومة تباينت التوقعات وتعددت المراهنات سواء حول سبب عدم الإعلان عنها حتى الآن، أو حول برنامج الحكومة حيث يرى البعض بأن الحكومة لا تحتاج لبرنامج حتى يتم تجنب شروط الرباعية، أو حول الغرض من تشكيلها، حيث يراهن البعض أن حكومة التكنوقراط ستؤمن رواتب موظفي حكومة حماس في القطاع وتخفف الحصار عن غزة مع بقاء السيطرة الأمنية لحماس على القطاع، وآخرون ينظرون لما جرى وكأنها محاصصة بين حماس وفتح ليس فقط على مستوى تقاسم المناصب الوزارية بل وتقاسم ما كان يُفترض أن تكون أراضي الدولة الفلسطينية – غزة والضفة -، وآخرون يرون فيما جرى في مخيم الشاطئ استجابة لضغوط مصرية بهدف رفع الحرج عن مصر المتهمة بأنها تحاصر الفلسطينيين في القطاع وراعية المصالحة لسنوات الخ. إذا أضفنا لذلك ما نلمسه على الأرض من ضعف الجهود التعبوية والتحسيسية من كل الأطراف لأهمية المصالحة ووجود حكومة وحدة وطنية حقيقية، كل ذلك يثير تخوفات أن يتكرر سيناريو (اتفاق مكة) من حيث تشكيل حكومة قد لا تعمر أكثر مما عمرت حكومة اتفاق مكة.

انبرى قادة من حركة فتح وحركة حماس ليؤكدوا أن الانقسام قد انتهي والوحدة الوطنية تحققت حتى قبل أن يتم الإعلان عن الحكومة – خطاب خالد مشعل في الدوحة قبل أيام حيث قال بثقة وبشكل قاطع إن الفلسطينيين طووا صفحة الانقسام إلى غير رجعة -. نتفهم أن يكون هدف هذه التصريحات طمأنة الشعب والأصدقاء القلقين والمشككين بالقدرة على تجاوز الانقسام وتحقيق المصالحة، ولكن مع ترحيبنا بأية حكومة توافقية حتى لو كان توافقا بين فتح وحماس فقط، ومع تلمسنا وجود إرادة عند كل الأطراف للخروج من الحالة العبثية التي تسود الحقل السياسي الفلسطيني سواء في علاقاته البينية الداخلية أو علاقاته الخارجية، إلا أن تشكيل الحكومة لا يعني إنجاز المصالحة ومغادرة مربع الانقسام. يجب عدم توقف قطار المصالحة عند تشكيل الحكومة، فالحكومة، في حالة إنجازها، جزئية صغيرة في ماراثون المصالحة الطويل والشاق، والتحدي الحقيقي سيبدأ من اليوم الأول لعمل الحكومة المنشودة.

حتى على مستوى الحكومة فإن تحديات كبيرة ستواجه الحكومة حتى قبل إقلاعها، ومنها أن كثيرا من الفصائل خارج الحكومة وخارج اتفاق مخيم الشاطئ – كما جرى مع اتفاق مكة -، وربما يستمر الوضع الأمني على حاله في الضفة وغزة، أيضا مدى قدرة حكومة تكنوقراط أن تفرض هيبتها وسلطتها على مسلحي وأجهزة حركة حماس، وأيضا الجهاد الإسلامي وبقية الأجنحة المسلحة للفصائل والجماعات الإسلامية، وكيف يمكن التوفيق بين الحالة الأمنية والعسكرية في غزة، والحالة الأمنية والعسكرية في الضفة حيث استمرار الاحتلال واستمرار الأجهزة الأمنية في الضفة ملتزمة بالتنسيق الأمني مع إسرائيل؟ وما إذا كانت إسرائيل ستسمح لهذه الحكومة بالعمل ما بين الضفة وغزة مع استمرار التصريحات والحديث المتكرر لمسؤولين في حماس وبقية الفصائل عن المقاومة والتحرير والعلاقات الإستراتيجية مع قطر وإيران واستمرار التدريبات العسكرية للفصائل، هذا إن لم يحدث إطلاق صواريخ أو عمليات تسلل إلى إسرائيل انطلاقا من قطاع غزة،.

التركيز على الحكومة دون بقية ملفات المصالحة سيشكل نقطة ضعف في عمل الحكومة، كما أن اختزال المصالحة بالحكومة يعني أن أي فشل للحكومة يعني فشل المصالحة ككل، أيضا وفي حالة فشل الحكومة فإن الفشل سيُحسَب على الرئيس أبو مازن وستبرئ بقية الأطراف نفسها من المسؤولية بالقول بأنها فوضت الرئيس برئاسة الحكومة والرئيس فشل في مهمته!، والفشل قد لا يأتي من إسرائيل فقط، بل أيضا من وزراء معنيين بمناكفة الرئيس وربما تم ترشيحهم لهذا الهدف، وقد يعمل موظفو حركة حماس في قطاع غزة على التجاوب مع قرارات الحكومة الجديدة وإفشال أي وزير من الوزراء المحسوبين على حركة فتح، وقد يقوم بمهمة الإفشال أطراف في الضفة متضررون من المصالحة أو مرتبطون بجهات خارجية، وعملية الإفشال سهلة في ظل حكومة تفتقر لسلطة إكراه على كل مكونات المجتمع والسلطة.

أيضا من الأسئلة المقلقة التي نثيرها ليس لتكسير مجاديف المصالحة ولكن لنكون مستعدين لمرحلة صعبة تحتاج لوعي وإرادة، كيف ستتعامل الحكومة المنشودة وحتى حكومة ما بعد الانتخابات مع سلاح المقاومة، وهل سنستنسخ تجربة حزب الله حيث يرفض الحزب حل جماعته المسلحة بذريعة إنه سلاح مقاومة مما أدى لتعثر الحكومة والنظام السياسي اللبناني حتى اليوم، وبالتالي سترفض حماس والجهاد الإسلامي وبقية الأحزاب حل أجهزتها العسكرية أو دمجها بالأجهزة الأمنية للسلطة، لأنها حركات مقاومة ما دام يوجد احتلال، وفي هذه الحالة ما الذي يمنع حركة فتح في غزة من حمل السلاح وتشكيل ميليشيات مسلحة وفتح معسكرات تدريب والخروج في مسيرات مسلحة كما تفعل بقية الجماعات المسلحة؟

والسؤال أيضا ماذا لو شُكلت الحكومة المنشودة ولم يُرفع الحصار عن غزة ولم تدفع الحكومة الجديدة رواتب موظفي حكومة حماس ولم يتم إجراء الانتخابات بعد ستة أشهر؟ فهل سيفرط عقد الحكومة؟ وما هي تداعيات ذلك على المصالحة وعلى مجمل النظام السياسي والمشروع الوطني؟ أو بصيغة أخرى هل الحكومة المرتقبة ضرورية فقط لرفع الحصار وفتح معبر رفح وإبعاد الحرج عن مصر وتحسين موقع منظمة التحرير في حالة العودة للمفاوضات أو دخول معركة الشرعية الدولية، وهي ولا شك تستحق الاهتمام ولا يمكن تجاهلها؟ أم ضرورية لأن الوضع الطبيعي هو وجود حكومة وحدة وطنية؟ وإذا كان الحصار ومأزق الطرفين مبررا لتشكيل حكومة توافقية أليس من الأجدر أن يكون الاحتلال والإرهاب الصهيوني المتواصل أكثر دافعية لتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية غير مقيدة بزمن محدد أو مهمة محددة؟

عشرات الأسئلة تزاحمت في عقولنا خلال الأسابيع الأخيرة ونحن نراقب تراجيديا تشكيل الحكومة حيث كنا نعتقد بأن الحصار ومأزق حركة حماس وفشل المفاوضات عوامل إضافية لتشكيل حكومة مصالحة حقيقية أو حكومة وحدة وطنية حقيقية وليس السبب الوحيد، ذلك أن شعبنا الذي يخضع للاحتلال منذ عقود لا يمكنه مواجهة الاحتلال إلا بتوحيد كل جهوده في حكومة وسلطة ومنظمة واحدة.

نقدر ونثمن جهود طرفي لقاء مخيم الشاطئ، ولكن يبدو أن ثغرة ما توجد ما بين اتفاق المصالحة – نصا وروحا- الذي شاركت فيه ووقعت عليه كل الأحزاب والجماعات السياسية في القاهرة والدوحة من جهة، وتفاهم مخيم الشاطئ من جهة أخرى، وهي ثغرة تحتاج إلى سرعة ترميم قبل أن تتوسع وتؤدي لتعثر المصالحة. نخشى أن نصبح أمام (نظام سياسي ) تحت الاحتلال خاضع لثلاث حكومات: اثنتان حكومتا أمر واقع - واحدة في الضفة وأخرى في غزة - تضللهما حكومة شكلية بدون سلطة إكراه، وداخل هذا النظام المركب والمعقد ستصبح حركتا حماس وفتح حزبا سلطة، وحركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وفصائل سياسية أخرى أحزاب معارضة للسلطة/السلطتين، بل أيضا سنرى حركة حماس تتصرف في الضفة كمعارضة وفي غزة كحكومة أمر واقع، وحركة فتح تتصرف في غزة كمعارضة وفي الضفة كحكومة أمر واقع وربما كشاهد زور!

تشكيل حكومة ضمن ما هو متفق عليه مجرد خطوة أولى ومهمة، ولا شك مقارنة باستمرار الأمور على حالها، ولكن نتمنى أن لا يتم التعامل مع تشكيل حكومة توافقية بين فتح وحماس كعمل تكتيكي أو ظرفي لتجاوز أو التحايل على الحصار ومأزق حركة حماس نتيجة خياراتها الفاشلة، أو توجه من حركة فتح لتقوية نفسها على طاولة المفاوضات وكسب الوقت انتظارا لقادم مجهول، أو نتيجة مطالب مصرية ملحة، بل يجب التعامل معها كخيار إستراتيجي وضرورة حياتية للفلسطينيين، وتصحيح لخطأ كان سببا في تعثر المشروع الوطني.

يبدو بأن السبب في تأخير الإعلان عن الحكومة لا يعود فقط لاعتبارات تخص تشكيل الحكومة سواء تعلق الأمر ببرنامج أو أشخاص أو أهداف الحكومة الخ، بل هناك أسباب أخرى أكبر وأشمل من مسألة الاتفاق على وزراء الحكومة، وبالتالي نجاح الفلسطينيين في التوصل لتفاهمات داخلية حول تشكيل الحكومة لن ينهي الانقسام بل يحتاج الأمر لجهود إقليمية ودولية لحل القضايا المشار إليها، وهذا يعني بأننا قد نكون أمام صفقة شاملة أو إعادة صياغة للنظام السياسي الفلسطيني سواء فيما يتعلق بمكوناته الداخلية أو علاقاته الخارجية، ومن هنا تتأتى أهمية وجود حكومة وحدة وطنية حقيقية ذات برنامج سياسي واضح لمواجهة هذه الاستحقاقات، وكلما كانت الحكومة المقبلة حكومة وحدة وطنية حقيقية كلما كانت أكثر قوة في التعامل مع القضايا العالقة وفي مواجهة إسرائيل على كافة الجبهات.

نؤكد مرة أخرى أن لا خيار أمام الفلسطينيين إلا المصالحة الوطنية التي مدخلها حكومة لا يخضع قيامها لرغبات حزبية أو شخصية، حكومة كل الشعب وقواه السياسية الفاعلة. سواء تم رفع الحصار أم لم يُرفَع فحكومة وحدة وطنية متساوقة مع تفعيل كل بنود اتفاق المصالحة ضرورة وطنية.