تبادل النظام الرسمي التهاني عشية سقوط بيروت عام 82، وفي اليوم التالي كانت جريمة صبرا وشاتيلا الأولى، التي لم يحاسب عليها القانون ولا التاريخ. كان ذنب الفلسطينيين أنهم حاولوا صناعة دولة الفاكهاني، أول نموذج عربي متعدد، جذب اليه كل المعارضات العربية، واستطاع توحيدهم نسبيا حول فلسطين، هذا هو أخطر فعل فلسطيني في الشتات، كان يستحق توجيه انشطة الاستخبارات العربية صوب بيروت، وصولا لتمزيق وتشويه المشهد الفلسطيني حتى لا تكبر هذه الظاهرة، وكان جمهور المثقفين العرب قد صور اسباب السقوط بسقوط المقاومة أو نتيجة اخطائها، وهو ظلم لم تشهده ظاهرة سياسية، لان السقوط كان للأنظمة التي شاركت صمت الحرب واصوات منطق التهجير للثورة.
ومع نهاية بيروت، انتصر النظام العربي الرسمي الذي أدخل المنطقة برمتها سنوات البؤس، التي أنجبت مزيداً من الحروب، عانى المخيم والشتات الفلسطيني برمته منها، فالحرب في صحراء أوزو، تعني الاستغلال السياسي العربي لمشهد فلسطيني مجزأ، أصبحت أولوياته جزءاً من تغيير البوصلة عن فلسطين، ونتائج حرب الخليج الاولى كانت شاهد الشتات الاول، فهجرة الفلسطينيين من الكويت كانت صورة من إعادة تشكيل الشتات الفلسطيني سياسيا’واقتصاديا للحد من ظاهرة الثورة، ثم هذه المشاهد القاتلة سيتم مسحها من الذاكرة’مع منطق الفضائيات العربية التي احتفلت بانطلاق انتفاضة الاقصى، ونقلت مشاهد التباكي، التي كانت صورة تستر بها الانظمة صمتها فحسب، وكنا ندخل في ظلام السياسة العربية المستورة بأضواء تلفزيونية مرنة، كلها تحكي مقاومة غير موجودة كمقاومة، ودعما لفلسطين يشبه تدخل كائنات فضائية على عجل.
المشهد الفلسطيني الثاني هو في مخيم اليرموك، فالظاهرة الفلسطينية هناك كانت مميزة، ويصعب تشكيلها في بيئة ثانية، ومن غير الممكن اعادة تشكيل هذه الظاهرة في مخيمات متبقية، ومنها عين الحلوة، لأن مخيم اليرموك بنى هيكلته المجتمعية وسط بيئة مدنية، لا سلاح فيها، على نقيض عين الحلوة، الذي هو يمكن أن يجمع كثيرين من جغرافيا متعددة، لكنه لا يصنع انسجاماً يمكنه تشكيل حالة مجتمعية فريدة، فالانسجام في مخيم اليرموك لم يكن مجرد انسجام مشردين من مختلف المدن الفلسطينية،’فهناك مئتا الف فلسطيني في بقعة جغرافية، يسكن معهم في المخيم مليون مواطن سوري، هؤلاء السوريون الذين عاشوا في مخيم اليرموك عاشوا كفلسطينيين، فهم من جميع المدن السورية، ولكنهم أيضا من جميع المدن الفلسطينية ويعرفون الطبيعة الفلسطينية والسياسة والهموم وكل شيء عن فلسطين. ففي مخيم اليرموك شاركونا كل همومنا الوطنية، احتفلوا معنا وتضامنوا معنا، وشيعوا شهداءنا معنا، وشاركونا كل احتفالات الثورة، ونذكر أنهم في انتفاضة الاقصى اوقفوا مظاهر الأعراس والفرح قرابة عام لأجل الفلسطينيين.
يخطئ من يظن، أن أزمة مخيم اليرموك محدودة، هي ليست كذلك، هي جزء من مسألة فيها أياد عربية ودولية، أرادت توظيف هذا المشهد، بما يمحو بيئة الانسجام المميزة في المخيم، وبما يجعل هذا المخيم قصة الرحيل عن بيروت، لذلك فمصير مخيم اليرموك يتجه للأسوأ، ما دام هناك سلاح داخل المخيم، ومصير أكثر من مليون وربع المليون من سكانه رهين تلك البنادق المسؤولة حصراً عن هذا السلاح الذي لا يخدم الفلسطينيين ولا يخدم قضيتهم، وهو فقط مزيد من تحويل المشهد الفلسطيني برمته نحو الفوضى.
ما يجري في مخيم اليرموك سينتقل الى عين الحلوة، وغيره من المخيمات ما دام هناك سلاح يعطي مبرراً لأزمات لا نعلمها لكنها تتفتح تباعاً. فالمخيمات بعمومها، ستواجه أزمة بقاء، في أكثر من بلد، وأكثر من مكان، وهذا باختصار يعني إعادة تشريد الفلسطينيين كما يحدث اليوم، وينهي دورهم في الحفاظ على قضيتهم .
يمكن شطب الفلسطينيين من قائمة الشتات العربي، ونقلهم الى أي دولة أجنبية، وهذا على الأقل أفضل من تحويلهم الى ارقام موزعة بين الموت وقائمة المطلوبين، وإذا كان لا بد من عمل، فمطلوب تأسيس مؤتمر فلسطيني لحماية الشتات، على شاكلة المؤتمرات الصهيونية، التي جمعت كل شتات يهودي حقيقي أو مصطنع، فلنتجه نحو مؤتمر فلسطيني لحماية الشتات، لا يشارك فيه الساسة الذين يتكلمون باسم الانظمة.
كاتب فلسطيني