بقلم: شلومو بروم
المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين بوساطة وزير الخارجية الأمريكي والتي استمرت تسعة أشهر، فشلت؛ لم ينجح الطرفان في الاتفاق حتى ولا على وثيقة مبادىء. وقررت الولايات المتحدة ان توقف حاليا مساعي استئناف المفاوضات واجراء اعادة تقويم للمسيرة السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين. ويطرح الفشل سؤالين – لماذا فشلت المفاوضات وكيف يمكن الاستمرار بعد ذلك؟
تمتلىء وسائل الاعلام بالتشريحات ما بعد الموت للمفاوضات، ولكن تنعكس فيها أساسا محاولة الطرفين – الاسرائيلي والفلسطيني – نقل المسؤولية الى ملعب الطرف الآخر. أحد الاسباب المركزية للفشل، هو، أن الطرفين دخلا المفاوضات بينما لا يؤمن أي طرف بأن الطرف الآخر هو شريك للاتفاق. فمنذ بداية المفاوضات كان هدفهما انهائها بينما تلقى المسؤولية عن الفشل على الطرف الآخر. هذا مزاج لا يساعد على مفاوضات جدية يكون ممكنا فيها سد الثغرات بين المواقف. وكانت الدينامية الناشئة على نحو يثبت فيها كل طرف للطرف الآخر ما اعتقده عنه في بداية المفاوضات. فقد اعتقد الفلسطينيون بان اسرائيل نتنياهو لا تريد انهاء الاحتلال، السيطرة على المناطق الفلسطينية والمشروع الاستيطاني. كل هدفها هو مواصلة كل هذا بوسيلة أخرى تعطي شرعية للسياسة الاسرائيلية وتقلص الضغوط الخارجية والداخلية عليها. وجاء طلب مواصلة التواجد والنشاط العسكري الاسرائيلي في المناطق الفلسطينية حتى بعد التوقيع على اتفاق واقامة الدولة الفلسطينية، رفض الدخول في نقاش محدد على الحدود بين الدولتين وتسريع البناء في المستوطنات ليؤكد من ناحية الفلسطينيين هذا الاشتباه. أما الاسرائيليون فاعتقدوا أن الفلسطينيين لا يقبلون حقا حل الدولتين، واحدة يهودية والثانية عربية. فهم لا يعترفون بحق اسرائيل في الوجود ويريدون العمل على تصفيتها في المدى الابعد. فرفض الطرف الفلسطيني الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية والتنازل عن حق العودة فسرا كتأكيد لهذه الشبهات. واذا افترضنا بان مواقف الطرفين في هذه المسائل هي بالفعل مواقف اساسية لا يمكن تغييرها أو الالتفاف عليها بحلول عملية فمشروع الادعاء بان الطرفين محقان ولا توجد امكانية للوصول الى اتفاق دائم أو حتى لاتفاق مبادىء قبل ان يغير الطرفان بشكل جوهري مواقفهما الاساسية.
يمكن العثور على مشاكل في الطريق التي أدارت بها المفاوضات الولايات المتحدة، اسرائيل والفلسطينيون. فقد قرر وزير الخارجية كيري اجراء المفاوضات حصريا على الاتفاق الدائم ولم يرغب في اجراء بحث في جملة الامكانيات للتقدم، بما فيها – اتفاقات انتقالية غير كاملة وخطوات احادية الجانب منسقة. وذلك خوفا من أن تعطى بذلك للطرفين ذريعة للفرار من النقاش في مواضيع الاتفاق الدائم. وكانت المشكلة في أنه في اللحظة التي لم يكن فيها الطرفان مستعدين لاخذ القرارات المصيرية اللازمة لتغيير المواقف الاساسية، لم يتبقَ ما يمكن الحديث فيه وانهارت المسيرة برمتها. لقد جربت الولايات المتحدة بداية نهج التركيز على موضوعي الامن والحدود، ولكن هذا النهج ايضا لم ينجح. أولا لانه من الصعب الفصل بين هذه المواضيع والمواضيع الاخرى. موضوع الامن يرتبط ارتباطا وثيقا بموضوع سيادة الدولة الفلسطينية ونهاية الاحتلال. اما موضوع الحدود فيرتبط بشدة بالمواضيع الحساسة للقدس والمستوطنات. ثانيا، أدى التركيز على موضوع الامن الى أن تقترب الولايات المتحدة شوطا كبيرا من قبول مطالب اسرائيل في مجال الامن، ولكن اسرائيل لم توافق على التنازل عن مطلبها الا يكون قيد زمني على تواجدها العسكري وحرية عملها في المناطق الفلسطينية. من جهة اخرى، لم تصدر عن اسرائيل موافقة على بحث محدد في موضوع الحدود. التنازل الوحيد الذي نجح كيري في انتزاعه من رئيس الوزراء نتنياهو كان الموافقة على صيغة عمومية تقول ان الحدود ستكون على اساس حدود 1967 مع تبادل للاراضي، ولكن دون الموافقة على ان تكون الاراضي التي سيتم تبادلها بحجم متساوٍ. أمر مشابه حصل في مسألة الدولة اليهودية. فقد قدر الطرف الامريكي بانه اذا ما رضي الاسرائيليون في مسائل الامن وتعريف اسرائيل كدولة يهودية، فانهم سيكونوا مستعدين لابداء مرونة في المسائل الاخرى. فتبنوا الموقف الاسرائيلي في هذه المسألة بكاملها مثلما وجد الامر تعبيره في ورقة المبادىء التي اقترحوها، ولكن الطرف الاسرائيلي لم يكن مستعدا لان يعطي بالمقابل صياغات في مسألة اللاجئين تتيح لعباس الموافقة على تعريف الدولة اليهودية، وذلك لان احد المخاوف الاساسية للفلسطينيين هو أن يكون معنى الموافقة على تعريف الدولة اليهودية التنازل عن مطالبهم في موضوع اللاجئين. ولعل هذا هو السبب الذي جعل الطرف الاسرائيلي مستعدا لان ينظر في قبول الصيغة التي اقترحها الامريكيون لورقة المبادىء، بينما رفضها الفلسطينيون رفضا باتا.
رغم أن مستوى عدم الثقة المتبادل بين اسرائيل والفلسطينيين عالٍ للغاية ومشكوك أن يكون ممكنا جسره قبل أن يوقع اتفاق دائم وينفذ عمليا، فان مسيرة المفاوضات هي مع ذلك مسيرة ينبغي فيها أن تنشأ ثقة شخصية معينة بين الطرفين المتفاوضين كي يكون ممكنا الوصول الى اتفاق. هي المفاوضات يمكن أن تقرأ ككتاب تعليم يشرح كيف لا تبنى الثقة اللازمة في مسيرة المفاوضات. والمثال الاكثر بروزا كان خطوة بناء الثقة المزعومة لتحرير السجناء الفلسطينيين. فبداية عكس القرار بتحرير تلك الدفعات الاربعة وشدد على عدم ثقة اسرائيل بالفلسطينيين. ولكنها أعطت ايضا معارضي المفاوضات في الطرف الاسرائيلي الكثير من الفرص على مدى كل المفاوضات لجعل الامور اصعب على المتفاوضين الاسرائيليين والتلاعب بمشاعر الرأي العام الاسرائيلي. ثانيا، شرحت اسرائيل بان الاتفاق لتحرير السجناء يقف حيال موافقة عباس على مواصلة البناء في المستوطنات. هكذا حصل أن الخطوة التي كانت تستهدف تعزيز مكانة القيادة الفلسطينية – الشريك في المحادثات – تحولت عمليا الى خطوة اضعفته سياسيا. من الجهة الاخرى – رفض الفلسطينيون ان يفهموا بان تحرير سجناء قتلة هو موضوع حساس جدا في المجتمع الاسرائيلي، وبالتالي يتعين عليهم ان يعالجوا الموضوع بطريقة لا تفتح الجراح في الطرف الاسرائيلي. يبدو أن الطرفين يفعلان كل شيء كي يضعف كل منهما قدرة الطرف الاخر على ادارة المفاوضات والامتناع عن بناء رأي عام عاطف على الاتفاق.
وفي النهاية يطرح السؤال: هل كانت قيادات الطرفين في وضع كانت لها مصلحة سياسية وقوة سياسية للوصول الى اتفاق؟ الجواب على هذا السؤال هو على ما يبدو سلبي. فنتنياهو يقف على رأس ائتلاف من شأنه أن يتفكك حتى بدون اتفاق، اذا ما ابدى مرونة في مسائل حساسة. وهو لا يزال يحمل معه صدمة سقوط حكومته الاولى في 1999 بسبب اتفاق واي. اما عباس فيعاني من الضعف داخل معسكره السياسي ومن نقص في الشرعية في أوساط الجمهور الفلسطيني الغفير. مشكوك أن يكون هذان الرجلان شعرا بانهما قادران على اتخاذ القرارات المطلوبة منهما للوصول الى اتفاق. فقد فضل نتنياهو أن يستمر مع ائتلاف الحالي وعباس، الذي يفكر بالاعتزال قبيل الانتخابات التالية، فيفضل بأن يعتزل بينما يعتبر كمن يعمل من اجل الوحدة الفلسطينية ولا يتنازل عن المصالح الفلسطينية.
يخشى الطرفان من آثار انهيار المحادثات. فالخطر كبير والبدائل التي تحت تصرفهما ليست جذابة. صحيح أن الفلسطينيين يكثرون من الحديث عن فضائل التوجه الى الساحة الدولية التي تفرض اتفاقا على اسرائيل، ولكنهم يعرفون جيدا بان الساحة الدولية لن تفعل ذلك ونشاطهم لن يكون سوى ازعاج لاسرائيل. كما أن خيار "الاحتجاج الشعبي" خطير بسبب الانزلاق المحتمل نحو الصدام المسلح وفرص نجاحه موضع شك. اما اسرائيل فتخشى آثار استمرار الوضع الراهن وثمنه في الساحة الدولية وفي علاقاتها مع الولايات المتحدة. ولهذا يحتمل أن يكون ممكنا اقناع الطرفين بالاستمرار – ولكن في مسيرة اكثر تعقيدا – تتضمن دمجا للمفاوضات على الاتفاق الدائم مع اتفاقات انتقالية في اطارها تبنى بالتدريج دولة فلسطينية على أراضٍ تتسع على حساب المناطق ج ومع خطوات احادية الجانب منسقة تساهم في ذات المسيرة. إن ميزة هذا الاقتراح في أنه يسمح بأخذ مخاطر تدريجية ويجسد بانه يوجد تقدم نحو حل الدولتين رغم الازمات التي يمكن أن تكون في المفاوضات على الاتفاق الدائم. كما أن تبني هذا الاقتراح يتطلب ارادة سياسية وقوة سياسية في الطرفين وحده البحث في الاقتراح نفسه سيظهر اذا كانت موجودة.