خبر المصالحة الفلسطينية بين التوقعات والعقبات...حلمي موسى

الساعة 08:17 ص|05 مايو 2014

خلق اتفاق المصالحة الذي أعلن في غزة قبل فترة حالة انتظار وترقب في الساحة الفلسطينية. ورغم الشكوك الكبيرة التي راودت الكثيرين بسبب تكرار إعلان الاتفاقات وعدم تنفيذها فإن الآمال كانت كبيرة بأن يكون الوضع مختلفا هذه المرة. صحيح أن النفوس الفاعلة بقيت كما هي من دون أي تغيير فعلي عليها ولكن الظروف باتت من الحدة بحيث تدفع الناس للتأمل بأن تكون حافزا أشد للتنفيذ. فالوضع في قطاع غزة بات من الضيق بمكان بحيث صار الانفجار واردا وكذا الحال في الضفة الغربية في ظل تعاظم العربدة الإسرائيلية وانسداد أفق التسوية.
وأمام هذا الحال ينظر كثيرون في كل اتجاه بحثا عن إشارات تبين أن الوضع قد تغير. والواقع أن التغييرات على هذا الصعيد تكاد تكون معدومة إلا في مستوى الآمال. فقد انتظر الكثيرون في قطاع غزة وربما في الضفة الغربية أن تبدأ خطوات فعلية مثل حرية انتقال الصحف الفلسطينية من الضفة إلى القطاع وبالعكس. ولكن هذا لم يحدث. كما انتظر آخرون أن تبدأ خطوات فعلية تظهر استعدادات ما للتغيير الفعلي المنتظر من قبيل إعطاء إشارات لموظفين بالتأهب للعودة إلى أعمالهم أو حتى أحاديث عن مشاورات بشأن تشكيل حكومة التكنوقراط المتفق عليها.
قد تكون هناك تحت الطاولة اتصالات لا يعلم بها الناس ولا تسري أنباء عنها في وسائل الإعلام. وقد تكون هناك نيات جدية لدى الطرفين الفلسطينيين لتجاوز الواقع الراهن وتحقيق المصالحة رغم كل المصاعب. لكن حتى الآن يصعب الحديث عن خطوات ملموسة في هذا الشأن سوى التفاؤل الذي يبديه البعض، خصوصا من جانب أنصار السلطة الفلسطينية في رام الله. وقد يكون هذا التفاؤل نابعا من إدراك لمصاعب تواجه حركة حماس في قطاع غزة أكثر مما ينبع من معرفة بمعطيات جديدة.
وفي كل الأحوال فإن التفاؤل يخلق بيئة مناسبة تستفز إسرائيل وتثير قلقها وهو ما سبق أن ناقشه العديد من المعلقين الإسرائيليين ممن يؤمنون بأن مجرد وجود أجواء المصالحة يضعف شعور إسرائيل بالأمن. فهذه الأجواء تعني أن العداء الذي راهنت عليه إسرائيل بين فتح وحماس في طريقه إلى الزوال وهو ما يقلص حدة تعامل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مع نشطاء حركة حماس. وبأشكال مختلفة فإن هذا يضعف أيضا المعنى الحقيقي لمبادئ التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل إن لم نقل ان هذه الأجواء تضع علامة استفهام كبيرة أمام استمرار هذا التنسيق.
ومن الجائز أن الاحتفالات بذكرى شهداء حماس في رام الله مؤخرا والتي أظهر فيها أنصار حركة حماس وجودهم بينت للإسرائيليين بالصوت والصورة ما معنى الأجواء الجديدة وخطورتها. وكتبت الصحف الإسرائيلية أن الرايات الخضراء التي ترمز لحركة حماس ملأت رام الله التي انطلقت فيها هتافات «اضرب، اضرب تل أبيب» من دون عراقيل.
لكن من المؤكد أن هذه الأجواء الإيجابية ذاتها لا تعني أن التغيير قد حدث أو أنه مضمون الحدوث. فهناك من يشيرون، على وجه الخصوص، إلى غياب الرعاية العربية الواضحة لهذه المصالحة. وما طلب الفلسطينيين من جامعة الدول العربية توفير شبكة أمان مالية إلا مجرد جانب من الصورة. حيث ان الفلسطينيين بحاجة أيضا إلى شبكة أمان سياسية ترعى المصالحة وتعينها على تجاوز العقبات. ومن المؤكد أن أكثر هذه العقبات ذو طابع سياسي يتصل بالعلاقة بأميركا وإسرائيل.
وبديهي أن إسرائيل التي تستشعر أن المصالحة الفلسطينية تفقدها احدى أهم أوراقها التي تعرقل تقدم العملية السياسية نحو اتفاق سلام تحاول جهد استطاعتها منع تسهيل حدوث هذه المصالحة. وهذا سيسري على حركة الحكومة الجديدة وتنقلات رجالاتها وسياستهم. وليس صعبا أن تحاول إسرائيل شق الصف الفلسطيني من خلال خلق أزمات متزايدة على خلفية التنسيق الأمني في الضفة أو التعامل بشكل حاد مع التوترات المحتملة على الحدود مع قطاع غزة.
ورغم أن الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي تعاملا مع المصالحة بشكل يختلف بعض الشيء عن الوجهة الإسرائيلية إلا ان ذلك لا يعني تسليمهما التام بها. فالمسألة في نظر الأميركيين والأوروبيين موضع اختبار وهم يريدون رؤية مدى التزام الحكومة الجديدة بشروط الرباعية الدولية. ورغم أن حركة حماس تشدد على أن موقف الحكومة شيء وموقف حركة حماس شيء آخر إلا ان المانحين سوف يحاولون اثبات أنهم أفلحوا في أن ينتزعوا من الحكومة التي قبلت بها حماس «تنازلات» أكثر من تلك التي طلبوها من الحكومات التي أنشأتها حركة فتح.
ومهما يكن الحال فإن الأسابيع القليلة المقبلة سوف تبين للجميع إن كانت المصالحة مجرد إعلان أم أنها خطوة فلسطينية جريئة باتجاه توحيد الصفوف وبناء سياسة جديدة. كما أن الاتصالات الجارية حاليا سوف تظهر مقدار التوافق على التعامل مع المبادرة الأميركية المقبلة التي ستأتي خلال أسابيع بعد انتهاء مهلة «الإجازة» الممنوحة للمفاوضين. فأميركا أكثر من يشعر بأن استمرار الوضع الراهن ليس سوى وصفة سحرية للانفجار المقبل.
ولهذا السبب يبدو أن الانتظار والترقب ليسا سيد الموقف فقط لدى الفلسطينيين وإنما لدى قوى أخرى إقليمية ودولية.
تقديم وترجمة: حلمي موسى