خبر شرعية غسل الدماغ -هآرتس

الساعة 09:12 ص|04 مايو 2014

شرعية غسل الدماغ -هآرتس

بقلم: نمرود ألوني

رئيس معهد التعليم المتقدم في كلية سمينار الكيبوتسات

(المضمون: لا حاجة لحجج من النوع الاصولي وبالتأكيد للمبررات الشوهاء لرفض صلة الفلسطينيين ببلادهم والتمييز بحقهم في حدود الخط الاخضر وتخليد الحكم العسكري عليهم في الضفة الغربية - المصدر).

 

في حياة أبويّ لم يكن موعد مفرح أكثر من يوم الاستقلال. اسرائيليان طليعيان، يهوديان جديدان مع الظهر للمنفى والوجه للانبعاث، قاتلا في سبيل سيادة اسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي. فرحهما هذا تسلل الى عظامي كموضوع طبيعي – تراث الأباء، لغة الام وفرحة البعث – ارتباط أولي يمتص تماما كحليب الام ومشاهد الصبا.

 

كرجل راشد تعلمت بان ارتباطا أوليا مشابها لارتباطي ولكنه يختلف من الاقصى الى الاقصى في مضامينه اجتازه أيضا عرب اسرائيل، العرب الفلسطينيون. في بداية القرن العشرين كانوا هنا أغلبية ساحقة (7 أو 8 أضعاف الجمهور اليهودي) وحرب الاستقلال والانبعاث خاصتنا كانت حرب الخراب والمصيبة – النكبة – خاصتهم. هذه هي الحقائق، ووعي كل ولد يهودي وفلسطيني، ينكوي بالارتباط الذي اجتازه في مطارح وجوده الاهلي وثقافته.

 

الغريب، ان لم نقل المخيف، هو اصرار المؤسسة الحاكمة الاسرائيلية على محو هذه الحقائق الاساسية واقصاء الفلسطينيين عن واقع الحياة في بلادنا المشتركة. وقد بلغت الامور حد أنه حتى في أوساط معظم الجمهور العلماني تجذر النهج الاصولي الذي عرضه مؤخرا النائب موتي يوغاف من "البيت اليهودي" (كاستفزاز لممثل الاتحاد الاوروبي) في أن "الرب تعالى اسمه اعطى بلاد اسرائيل لشعب اسرائيل". الفكرة السائدة في أوساط العديد من الاسرائيليين اليهود هي أن الفلسطينيين ليسوا سكانا اصيلين، وان هذه البلاد ليست وطنهم، وانهم سكان مشروطين ومسموح لهم العيش هنا معنا بفضل موافقتنا السخية وتسامحنا المتنور. وليكن واضحا لكم بان هذه الفترة لا توشك على التغير من حيث أن السياسة الرسمية هي أنه في موضوع بلاد اسرائيل توجد حقيقة واحدة – لا توجد روايات مختلفة، وفي جهاز التعليم محظور التعليم في أنه قد تكون رؤية اخرى.

 

عند السعي الى ضرب مثال على مدى غسل الدماغ الصهيوني عندنا، والذي يوجد حقا "تحت أنفنا" (على حد قول اورويل)، نميل الى الاشارة الى نهج المستوطنين اليهود في عهد ما قبل

 

الدولة، والذين هم "شعب بلا بلاد" ممن جاءوا الى "بلاد بلا شعب". ولكن هذا القول لاغٍ وملغي بانغلاق الحس الاقصائي الخاص به، مقابل امور اختبرتها مؤخرا مع طلاب في صفي.

 

في أحد دروسي أشركتهم في التنوع المعرفي الذي اختبرته قبل بضع سنوات في ضوء القصة التوراتية عن الدخول القتالي لبني اسرائيل الى بلاد كنعان: من جهة فرحة التجسد في ضوء الاحتلال والاستيطان في بلاد المعياد، ومن الجهة الاخرى عدم التسليم بغرور القوة والتعالي لبني اسرائيل بمطالبتهم شعوب بلاد كنعان النهوض واخلاء بلادهم في صالح الاخرين ممن وصلوا لتوهم. فهل يخيل لكم، كما تحديت تلاميذي، ان يكون أحد ما منكم أو من مواطني العالم في عصرنا يقبل "بوعد الهي" كمبرر لاستعمال أزعر كهذا؟ وها هو، قبل أن أنهي تساؤلي الاخلاقي، أجابني أحد الطلاب، وهو علماني صرف دون أن يرف له جفن: "ماذا يعني هذا، فهذه بلاد وعد بها ابراهيم رب اسرائيل – وهي بلاد الشعب اليهودي" (وبذات القطع يعتبر خروج مصر او ملوكية شلومو حقيقة أقوى بكثير من وجود مئات القرى العربية في اسرائيل في بداية القرن العشرين).

 

واليكم تنوع معرفي آخر: لو أننا سلمنا بغسل الدماغ كسبيل شرعي لكي الوعي، لقلنا حسنا. ولكن كاسرائيليين ويهود تمتلىء البلاد بالانتقاد على غسل الدماغ المخيف الذي يجري لدى الاخرين. هكذا مثل غسل الدماغ الديني من النوع الذي أدى بالمسيحيين، الذين يدعون محبة الانسان وبإسم سيدهم اليسوع، الى مطاردة اليهود واحراق الكفار؛ او من النوع الذي أدى بمتزمتين مسلمين من أبناء عصرنا، زعما باسم الجهاد، الى قتل الالاف ممن تختلف عقائدهم، والتنكيل بالنساء دفاعا عن شرفهن. ماذا يمكن القول؟ اصولية، فظاعة.

 

وبالنسبة للايديولوجيات العلمانية للقرن العشرين يشارك الجميع هنا بالنفور الجماعي من اعمال القتل والجرائم الجماعية بشكل عام وكارثة يهود اوروبا بشكل خاص. هذه كانت نتاج انفعالات هائلة للدعاية وغسل الدماغ شوهت وعي الجماهير الى أن رأوا في غيرهم ليس كبشر مثلهم بل مخلوقات عليلة متدنية، في كل الاحوال لا يستحقون حقوقا كاملة، انسانية ومدنية.

 

ولما كانت هذه حقيقة انسانية اساسية، نلاحظ بسهولة غسل الدماغ لدى الاخرين ولكننا نستصعب جدا ملاحظة غسل الدماغ لدينا، يجدر بكل شخص نزيه أن يتحدى نفسه للتحرر من هذا الانغلاق الحسي ويكتسب بقدر أكبر استقلالا فكريا ونزاهة ثقافية.

 

وبشكل ملموس، يمكن للناس أن يكونوا صهاينة طيبين وان يدعوا بانه توجد وفرة من الصلات الجغرافية والتراثية وما يكفي من الحجج الاخلاقية والقومية لتبرير بناء دولة اسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي. لا حاجة لحجج من النوع الاصولي وبالتأكيد للمبررات الشوهاء لرفض صلة الفلسطينيين ببلادهم والتمييز بحقهم في حدود الخط الاخضر وتخليد الحكم العسكري عليهم في الضفة الغربية. وذلك لان المبررات المغروسة في "المسلمات الجماعية" وفي انغلاق الحس التام تجاه روايات الاخرين هي من المؤشرات الواضحة لمرض "أنا وبعدي الطوفان". لا يمكن بأي حال ان تكون لها أي صلة بالقيم الاساس لـ "الحقيقة، القانون والسلام".