خبر عملية السلام والقضية الفلسطينية من النكبة إلى التصفية... عبدالله الأشعل

الساعة 05:40 ص|30 ابريل 2014

يجب ألا يُخدع القارئ بالفصول المتتالية لما يسمى بعملية السلام التي تتم بالتنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة لتمكين المشروع الصهيوني من المنطقة وكل فلسطين. لذلك، فإن تحرك هذه العملية مرتبط دائماً بالظروف التي تقدم فرصاً ذهبية للمشروع أو الظروف التي يمكن أن تهدده. وما كان للمشروع وداعميه أن يتقدموا إلا بالتنسيق مع رموز المنطقة من حكامها أو بسقطة بعض حكامها مثلما حدث مع عبدالناصر. أمامنا قرابة مئة عام من الأحداث في فلسطين، بدأت عملياً بقرار التقسيم في تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 وقيام إسرائيل في 1948 ولكن لم يدرك كثيرون أن النكبة الكبرى هي تصفية القضية.

وآخر المشاهد هو مشروع كيري الذي يفضي عملياً إلى اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية. في الوقت نفسه، فإن استنجاد أبو مازن بالجامعة العربية يوم 9 نيسان (أبريل) 2014 ورد فعل الجامعة يسمحان باستعراض تطور مواقف الفلسطينيين وإسرائيل بما تمثله من مصالح وتحالفات وخطط في المنطقة وخارجها، ثم العرب كطرف أخير، والعلاقة بين هذه الأطراف الثلاثة. معنى ذلك أننا لا نقدم حلاً لإنقاذ فلسطين، ولكننا ننبه إلى طريقة صعود المشروع الصهيوني الذي هزم الجسد العربي المترهل بالمصالح المشتركة مع الزعامات العربية، ومصلحتها في الاستمرار في قهر شعوبها حتى لا تدرك مخاطر المشروع وتقاومه.

ولذلك عندما قام الشعب المصري بحجمه الكبير بانفجار ضخم في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، كان ذلك رفضاً لواقع الاختراق الصهيوني وتبعاته، وترابط المصالح بين الحاكم، كنز إسرائيل الاستراتيجي، وبين متطلبات المشروع. فعندما قامت إسرائيل وهزمت القوات العربية جميعاً، عادت القوة المصرية إلى مصر لكي تنقض على الملك الذي حمّلته مسؤولية فشلها وحلّت محله في الحكم، حيث اعتقد عبدالناصر أن وضع مصر في المكان الذي ينقذ فلسطين لن يتم إلا على يديه ولم يدرك أن إسرائيل ومعها واشنطن هما من يرسم خريطة الأحداث، فأرغماه على فتح جبهة الصراع معها بمذبحة غزة العام 1955، وتلك هي البداية التي لا تزال آثارها ماثلة حتى الآن، إلى أن استقرت مصر أخيراً ومن ورائها العالم العربي في شبكة الأمان الأميركية-الإسرائيلية منذ عام 1979.

الطرف الفلسطيني وصل إلى شرخ عميق في عموده الفقري وتعرية أعصابه، وصار يفاوض على تسوية لتصفية القضية وليس للحصول على مجرد حق البقاء، ما دام الاستيطان هو الركيزة الأساسية للمشروع الصهيوني كسياسة ثابتة تنهي الوجود الفلسطينى، ولا يستطيع أحد أن يوقفها، بل صار المستعمرون المستوطنون قوة احتلال وإرهاب جديدة لما تبقى من التجمعات السكانية الفلسطينية. ولذلك، فإن الإجراءات الأوروبية والوعود العربية بعرقلة هذا الاستيطان في شكل غير مباشر لن تجدي فتيلاً، وبالطبع فإن حصار غزة هو إحدى الأدوات العربية – الصهيونية لإخضاعها للسلطة حتى تكون ضمن عملية التصفية، وإلا ما معنى السكوت العربي على الحصار وأن مصر لا تدرك أن سقوط غزة يضرب البنية التحتية لأمنها القومي، بخاصة في ظل أوضاع سمحت لأصوات تعلو كنعيق البوم لكي تؤكد أن الإخوان وحماس أخطر على مصر من إسرائيل.

المشكلة ليست في خواء الجعبة العربية من أوراق القوة لمصلحة الفلسطينيين، وإنما في شعور العرب بأن مواقفهم الشكلية بالمساندة تكفي. والحق أن العرب لم يصرّوا على مجرد ترديد مصطلحات مثل مبادرة السلام العربية، ومثل أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، بل إن التيارات الإسلامية وهي تحارب بعضها بعضاً في معركتها الأخيرة، لم تعد استعادة القدس هي وجهتها.

أما أوراق القوة في يد إسرائيل فهي أدوات الضغط المباشرة اقتصادياً ومالياً ونفسياً وعسكرياً. وأوصلت إسرائيل الطرفين الفلسطيني والعربي إلى نقطة مثالية تسمح لها بالضغط نحو التصفية، مع إيهامهما بأن ذلك كله يتم في إطار عملية السلام، أي السلام الإسرائيلي.

وإذا كانت إسرائيل استأنست بالنظم العربية واعتمدت على قمع هذه النظم لشعوبها وفشل الموجة الأولى من ثورة هذه الشعوب بسبب إصرار هذه النظم على مخططها وعجز الشعوب عن إدراك أبعاد المخطط، فإنني أحذر من أن استمرار هذا الاحتباس والتماهي بل والتساهل في ضياع فلسطين وبقية الأوطان العربية، سيؤدي إلى انفجار ثورات دموية تشبه الثورة الإيرانية أو الى إطار فوضوي لن تخسر هذه الشعوب فيه سوى قيودها ومرضها وفقرها وانسحاق كرامتها والمؤامرة عليها.

إذا أرادت إسرائيل أن تطيل مدة بقائها في المنطقة، فلا بد من أن تتحلى بالذكاء فلا تبالغ في الاعتماد على قهر حلفائها لشعوبهم، وأن تقدم شيئاً للفلسطينيين وأن تتخلى عن الفكرة الساذجة بأن اليهود يستردون أرض الأجداد، لأن جشع إسرائيل وحلفائها ستواجهه أوضاع كتله بشرية تزيد على 400 مليون عربي في المنطقة تغلي وهي مهيأة لانفجار قد لا يدركه جيلنا.

* كاتب مصري