خبر النار لا تطفأ بصب الزيت عليها ..علي عقلة عرسان

الساعة 01:24 م|29 ابريل 2014

تتقلب سورية على جمر نارين عظيميتن، نار الصراعات الدولية في أرضها أو عليها، لا سيما ما يتعلق منها باستراتيجيات حيوية كالطاقة والسلاح والنفوذ والمتغيرات الدولية المتصلة بولادة أقطاب سياسية أو قطبين روسي وأميركي بدا أنهما دخلا معركة الاستقطاب والمواجهة الباردة.، وما يتعلق بتلك الاستراتيجيات أو يؤسس لها ويستدعيها من منافذ جغرو ـ سياسية لأسواق الغاز والسلاح ومواقع صواريخ وقوى في جبهات وعلى حدود.. وجمر نار الصراعات العربية - الإسلامية ذات البعد المذهبي والوجه السياسي وابعد الصهيو ـ أميركي الذي نجح في جعل بعض العرب يتبنون مخاوفه وأهدافه ووجهات نظره وصراعاته إلى درجة أصبح معها يلعب في فضائهم الداخلي ويلتقي معهم في تحالف ضد عرب ومسلمين، وينفون عنه صفة العداء ويقربونه في الحلفاء، ويرون في أخوة لهم في العرب والمسلمين بسببه وبناء على تسميمه الاستخباراتي والإعلامي والسياسي ألدَّ الأعداء؟!..

ويذهب معظم السوريين في حرائق النارين العظيمتين ووقوداً لحرائق أخرى في بؤر أخرى تشتعل هنا وهناك باحتكاك وتفاعل ورسيس أمراض اجتماعية وجهل معرفي وعصاب طائفي، يغذيهما حقد وظلم وغطرسة وتسلط وعجرفة وممارسات لا صلة لها بالوطني والقومي والإنساني أحدثت أوراماً في الأنفس، ويأتي على رأس ما يغذي نار الحرائق: مال.. ومال.. ومال..!! والسورييون لهم في هذا كله رؤوس هي أتباع لسياسات وساسة وأجهزة استخبارات وحكومات وأنظمة وشخصيات سياسية مأزومة أن لم تكن متورمة، وتلك "الرؤوس السورية" لا تملك من أمرها شيئاً بل تنفذ ما تؤمر به، وتقاتل بالوكالة لتبقى الواجهة سورية والمضامين والمحركات والأهداف ليست كذلك، ولتلك الرؤوس أتباع في ذلك الصراع الذي تغذي نيرانه المشتعلة أطراف عدة، ويتاجر بها ساسة وتجار مبادئ وعملاء وخونة يعملون على المكشوف، ولا تخلوا تلك الصفوف من أشخاص مخلصين يندفعون إلى المواجهات الدامية بدوافع مشروعة ولكنهم يذهبون ضحايا لتجار السياسة وأصحاب المخططات والمصالح.. إنهم يندفعون بدوافع وطنيتهم أو حريتهم أو فهمهم للدين على هذا النحو أو ذاك أو تخلصاً من ظلم مقيم وتمييز مزمن فرضه ومارسه فاسدون مفسدون من ضعاف النفوس وقصار النظر وممن لا رصيد لهم من حيث الدين والوطن والمعرفة والخلق، أناس يبيعون ويشترون بشعبهم ووطنهم إلى أن أفسدوا مناخ الحياة والكثير من الأنفس بين أبناء الشعب وفي بنى الوطن.. ، ويذهب فريق ممن تأكلهم النيران ضحية اقتناعه بضرورة الدفاع عن نفس وحق وحرية وكرامة وعقيدة، ويروح فريق آخر " فرق عملة" كما يقولون في الشام، بسبب البحث عن عمل أو لسذاجة في الفهم والتعامل مع أشخاص وقوى وقضايا وحقوق ومطالب عادلة وجديرة بأن يناضل المرء من أجلها وأن يستشهد في سبيلها على على مذبح طاهر.. ولكن ذلك النوع من الضحايا لا يعرف أنه يساق إلى الموت لتوهب لعدوه ولمن يتاجر به الحياة.؟!..

وخلف دخان النيران المشتعلة في سورية يرتب العدو الصهيوني العنصري المحتل لأرض فلسطين والجولان ولبعضٍ من أرض لبنان، ولأراض عربية بالاستئجار والاضطرار، والمسيطر على القرار السياسي لبعض العرب، يرتب أوضاعه ويلعب أوراقه ويضع خططه ويعزز قواه وقدراته، وينفذ على الأرض ما يمكن أن نعده استعداداً استراتيجياً لإبقاء سورية قيد التآكل السياسي والصراع الداخلي والفوضى السياسية والأمنية لسنوات قادمات، بعد أن أخفق في جعلها تستسلم وتنفذ ما يريده منها عبر حلفائه وأعوانه وعملائه والموالين له خوفاً من شعوبهم ومن أمتهم، وبعد إخفاق مخططاته ومخططات حلفائه وعلى رأسهم الحليف الأميركي البغيض في السيطرة على سورية أو تغيير نظامها وتوجهاتها وخياراتها السياسية وثوابتها القومية، أو في تقسيمها جغرافياً، وبعد اكتشافه لحقيقة أن الحرب المدمرة التي تشن على سورية منذ ثلاث سنوات ونيّف لم تنهها ولم تفتت جيشها وأنها ربما زادته قوة في بعض الجوانب العسكرية والتكتيكية والتقنية.؟!

وفي إطار الترتيب الصهيوني المشار إليه آنفاً، يأتي مشروعٌ بالغ الخطورة كنا تكلمنا حوله منذ أشهر في هذا المنبر الحر ولفتنا النظر إلى ما يرتب له، أعني سعي العدو الصهيوني لإقامة ما يسمى "الجدار الطيب والبحث عن أنطوان لحد سوري يقود جيشاً يحارب سورية بالسوريين والعرب والمسلمين دفاعاً عن إسرائيل أو بالإنابة عنها، كما فعل أنطوان لحد ومن خلفه من ضباط مأجورين في جنوب لبنان"!!.. ويبدو أن المسعى الصهيوني في هذا الاتجاه أخذ يحقق تقدماً ولا نقول نجاحاً، لأنه لا يجوز الحكم القطعي على ما لم ينته بعد. إن فتح المنطقة العازلة في الجولان للمسلحين لتكون منطقة تحرك لهم فيها حظر جوي بحكم الواقع، بعد أن كانت مفتوحة لجرحاهم، وكذلك إقامة مشافي ميدانية فيها واستقبال مصابين من المسلحين في نهاريا وصفد وسمخ وغيرها من المناطق والمدن الفلسطينية المحتلة، ومد المسلحين عبر المنطقة العازلة بأنواع المساعدات أو السماح للمساعدات العسكرية وغير العسكرية بالوصول إليهم عبرها، والسماح الصهيوني عسكرياً بامتداد خط سيطرة المسلحين في هذه المنطقة المنزوعة السلاح من صيدا الجولان القريبة من وادي اليرموك جنوباً إلى الرفيد نحو الشمال الغربي على مقربة من قريتي " فزارة والجويزّة" المحتلتين الواقعتين على مسافة من القنيطرة في الجولان السوري المحتل، والسيطرة على التلال الاستراتيجية بما فيها تل الفرس وتل الجابية، بما يجعل سيطرة المسلحين تصل إلى ما يقرب من 80% من المنطقة العازلة بين الجيش العربي السوري وقوة الاحتلال، وهي منطقة محذور دخولها ودخول السلاح إليها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم بعد حرب تشرين/ أكتوبر1973 وحرب الاستنزاف التي خاضتها سورية وحدها ضد الاحتلال الصهيوني عام 1974 وحررت فيها القنيطرة عاصمة الجولان.. إن كل ذلك يؤسس لما بعده من أحداث ووقائع وصراعات ولما لا يمكن أن يقوم أو يدوم إلا بتبني الكيان الصهيوني له ودعمه وإدخاله ضمن استراتيجيته، لا نقول إن ذلك سيمكن العدو بالضرورة من نجاحات على الجبهة السورية يتلافى في سبيل الوصول إليها ما حصل له من إخفاقات في جنوب لبنان يوم انهزم جيش لحد على يد المقاومة وانسحب هو بعد ذلك من الجنوب ليتركه محرراً، ولكن ذلك سيمكنه من انهاك سورية لمدة أطول، ومن التأسيس لمراحل جديدة من الصراعات العربية ـ العربية، والعربية ـ الإسلامية، والإسلامية ـ الإسلامية تصرف الاهتمام عن احتلاله وتهويده للقدس وفلسطين وتعزيزه لوجوده ونفوذه.

وإذا كانت المعارك في بعض المناطق السورية تدور سجالاً، أو يسجل فيها الجيش العربي السوري تقدماً ملحوظاً كما في " القمة 45 وتشالما والسمرا في منطقة كسب"، وفي مناطق من حمص وريف دمشق وحلب.. وما تقوم به الحكومة والأطراف الأخرى المعنية من مصالحات واتفاقات تكون لها انعكاسات ايجابية على المواطنين في بعض المناطق من سورية.. فإن ما يجري على هذه الجبهة، أعني الجولان، له أبعاد استراتيجية أخرى ينبغي التنبه لمخاطرها المستقبلية على سورية والسوريين، وعلى الأبعاد الفلسطينية والعربية لقضية فلسطين، القضية المركزية في نضال العرب الحديث. 

إن الخطاب حول هذا الموضوع المهم ليس موجهاً لسوري دون آخر ممن يحملون هوية الوطن بشرف، وألم الشعب بصدق وينتمون إليه بوعي، ويدافعون عنه بإخلاص، وهو خطاب ليس الغرض منه أن يسترعي الانتباه الرسمي له دون انتباه المعارض السوري الواعي الشريف الذي لم يبع نفسه للشيطان.. لأن التعامل مع الكيان الصهيوني والتحالف معه والعمل تحت مظلته بأي حال من الأحوال هو عار مطلق ونقض لشرف السوري ولوطنيته ولعروبته ودينه وقيمه كافة، مسلماً كان أم مسيحياً، وفيه إزراء بكل حزب وكل عشيرة وكل أيديولوجيا وكل توجه يقبله أو يُقبل عليه.. لأن ذلك نقض للعادل والإنساني والحقاني أصلاً.. ولا نتكلم هنا قطعاً في هذا مع/ أو نتوجه إلى.. مَن اختاروا العدو الصهيوني المحتل: "تعاملاً أو تطبيعاً أو تحالفاً سياسياً أو تعاوناً عسكرياً أو.. أو.. فهؤلاء اختاروا العدو وخياراته وخرجوا من الخيارت الوطنية ومن الانتماء القومي ليدخلوا في دوائر معروفة مواصفاتها والأحكام عليها.. وهي تمتد من العمالة إلى الخيانة.. سواء أكان الذين يقومون بها ممن يعملون عسكرياً تحت غطاء الكيان الصهيوني في الجولان اليوم، أو ممن يبشرون بالاعتراف به ويقدمون مبادرات لإعطائه السلم والجولان وفلسطين ويعيشوا في كنفه " مدللين ملمَّعين" كاشفين الغطاء عن حقيقة أنفسهم وارتباطاتهم وعن ظهورهم زيفاً بمظهر المناضلين لمدة من الزمن على حساب الوطنية والأخلاق والدين والشعب والأمة والشهداء الذين قضوا على طريق تحرير فلسطين ومقاومة العنصرية الصهيونية والاستعمار الاستيطاني والاستعمار الغربي الحديث، والذين سقطوا في سورية من الأبرياء ومن المدافعين عنها وعن خياراتها بوصفها الوطن تحت كل الشعارات الصحيحة؟!.. وقد تفيد الإشارة هنا إلى أن من دعوا قبل سنوات وسنوات إلى الاعتراف بالعدو الصهيوني، وقاموا بخطوات على طريق التطبيع معه، سواء منهم فريق غرناطة ومن ناصره، أو تحالف كوبنهاغن، أو من مشوا في موكبي كامب ديفيد ووادي عربة وهللوا لهما، أو من قاموا بالزيارات الشخصية لفلسطين المحتلة، وطباعة الكتب هناك والدعوة إلى ما أسميه " الواقعية الإنهزامية" الآخذة بفرض الأمر الواقع بالقوة على الأمة العربية وأجيالها في الآتي من الزمن متجاهلين الحقيقة ومفاعيل الزمن.. وكذلك من اتهم العربَ المنادين بحقهم في فلسطين وبعروبتها وبحق شعبها في العودة وتقرير المصير فوق أرضه التاريخية.. من اتهمهم كتابة وقولاً بأنهم " الصهاينة العرب" بنذالة ومراهقة سياسية يسارية ممجوجة فرُفع من فريق المطبلين والساسة الجهلة مناضلاً ضد العنصرية، ومنح جوائز أو وعد بها، وتحول من لص نصوص إلى مبدع بتلميع الصهاينة ومن يواليهم والجهلة والمتنطعين للمعرفة والأدب والقضايا الوطنية؟!.. كل أولئك ارتكب الخطيئة بحق بلده وأمته، وبحق شعب فلسطين وقضيتها العادلة، وبحق الإنسانية ذات القيم السامية، لأنه ناصر العنصرية الصهيونية القذرة والاحتلال والعدوان والإمبريالية التي يزعم أنه يحاربها، ووقف مع الاضطهاد والممارسات الوحشية ضد أشرف المناضلين من الفلسطينيين والعرب، وارتكب أفدح الأخطاء بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين قضى بعضهم في سجون الاحتلال أكثر من ثلاثين سنة، وخرج بعضهم بعد ثلاثين سنة قضاها في السجن العنصري الصهيوني، خرج من السجن إلى المقبرة حيث مات في ظلمات سجون اليهود الذين يحتفي العالم اليوم "بعذاباتهم" التي امتدت في أطول مددها لسنتين على يد النازيين وليس على يد العرب والمسلمين؟!..

إن هؤلاء الذين ناصروا العدو وأضعفوا حق الأمة وحق الإنسان ينبغي أن يعرَفوا ويفضحوا لا أن يسترهم الإعلام الصهيوني ومن يعمل في ركابه ويدعي أنه ضده، وترفعهم السياسة الغبية المنحازة مرَضياً والمخترقة بأشكال عدة أعلاماً، وينبغي أن تعرف تلك النماذج بما هي عليه من خلال الواقع والوقائع لا أن تغطى ويضطهد الوطنيوين الأصلاء وتشوه صورهم ومواقفهم أو يعتم عليهم لأنهم كشفوها، بينما تشهر تلك النماذج المتواطئة على الأمة وحقوقها مناضلين، ويصبح لصوصها حكماء وقضاة.؟!

إن المفاهيم الصحيحة والمواقف السليمة والمصطلحات الدقيقة.. كل ذلك إذا فحص ودقق بمنهجية وعلم وموضوعية، واتخذت بشأنه الإجراءات التي تجعله مرعي الاحترام والتنفيذ سيفقد قيمته وينقلب رأساً على عقب ما دام الحُكم الأعلى هو للانتماءات المريضة، والاعتبارات السياسية التي تزري بالحقيقة وبكل المعايير التي تبني القيم والمجتمعات، وللإعلام الموبوء بأشكال الأمراض.

اليوم نحن على محارق وطن، وأمام نيران تلتهم بشراً ولا توفر حجراً.. ومع ذلك مازلنا نحكِّم الفاسد من المعايير ونعلي شأن الضلال والضالين والمتواطئين لصخبهم، ونفعل ذلك على حساب الحقيقة والشعب والأخلاق وعلى حساب أشخاص.. فكيف يمكن أن نطفئ النار التي أحرقت الوطن بالفساد والجهل والمذهبية الضيقة والممارسات المريضة وبرفع المعادي للوطن والأمة وطنياً، وتصنيف العميل مناضلاً ومدافعاً عن حقوق الإنسان وحرية الأوطان.. كيف يمكن أن نطفئ تلك النار بصب مزيد من الزيت عليها، والنار لا تطفأ بصب الزيت عليها.؟!

دمشق في 29/4/2014

علي عقلة عرسان