خبر بدهتسور الرُبّان- هآرتس

الساعة 08:46 ص|17 ابريل 2014

بدهتسور الرُبّان- هآرتس

بقلم: جدعون ليفي

(المضمون: كان المحلل العسكري رؤوبين بدهتسور فذا بين رفاقه لأنه الوحيد الذي تجرأ على انتقاد كل خلل في مجال الأمن بخلاف زملائه من المراسلين والمحللين العسكريين - المصدر).

 

التقينا قبل بضعة ايام بالصدفة في ساعة متأخرة من الليل بالقرب من بيت تمار ورؤوبين بدهتسور في نفيه تصيدق، اللذين كانا قد عادا من السينما، حيث شاهدا فيلما عن زوجين بريطانيين يتذكران مرور ثلاثين سنة زواج في "لي فيكاند" في باريس. وقالت تمار إن الفيلم ترك فيها أثرا قويا لأنه ليس من السهل الحفاظ على الحياة الزوجية هذه المدة الطويلة من السنين؛ فقد استمرت العلاقة بينها وبين رؤوبين عشرين سنة تقريبا. ولم يُخمن أحد منا آنذاك بالطبع أنها ستنتهي بعد بضعة ايام على نحو جد مأساوي، على الشارع. وفي غد موت بدهتسور بحادثة دراجة نارية، مضينا أول أمس نحن ايضا لمشاهدة فيلم كان كما يبدو آخر فيلم شاهده، وكان ذلك بادرة وداع خاص لزميل محبوب مُقدر.

 

لكن العرض السينمائي الاخير لبدهتسور ليس متصلا بالطبع بالعمل المهني المدهش الذي حمله على عاتقه: فقد أسمع الربان بدهتسور مدة سنين صوتا شاذا وانتقاديا وتأليبيا، في جوق المحللين والمراسلين العسكريين، من مُتدحي الجيش الاسرائيلي والمجندين لخدمته طوعا. وفي المكان الذي يكون فيه الصحفيون مُرتلي نصوص واعلانات المتحدث العسكري وأوراق رسائل يُمليها جهاز الامن عليه، أدى بدهتسور دورا مختلفا، وفي المكان الذي تطمس فيه الحدود بين المتحدث العسكري والمراسل عرف بدهتسور كيف يرسم الخط الفاصل. وفي المكان الذي نسي فيه دور الصحافة بين رابطة الامنيين، أدى بدهتسور دوره الانتقادي.

 

لا يوجد في اسرائيل مجال أبعد عن الصحافة الحقيقية من مجال التغطية العسكرية، وهي واحدة من أعظم الجهات تأثيرا في صوغ الرأي العام وغسل دماغه. وقد أخذت التغطية الشرطية فقط في السنوات الاخيرة تشبهها بفضل جوق مُطري الشرطة في التلفاز. وقد برزت شخصية

 

بدهتسور في المستنقع العفن الذي ينغمس فيه المراسلون والضباط معا، وقد يكون هو آخر المحللين العسكريين الشجعان.

 

وقد جاء هو ايضا "من هناك" – كان طيارا حربيا – مثل عدد من زملائه وأكل من الطعام نفسه. لكنه بصفته صحفيا استطاع أن يتحرر من تلك الذاكرة. وكان عنده هو ايضا معطف جلدي مدهش ككل المراسلين العسكريين لكنه لم يكن جزءً منه. وهو لم يحرض على الحروب مثلهم ولم يهتف بها في بدايتها. وانتقد بدهتسور بشدة مجالات تغطيته الصحفية وكسر المواضعات. وكانت ميزانية الامن وصناعة السلاح والخيار الذري ومنظومات الصواريخ التي يسكتون عنها عندنا سكوتا متوترا، كانت بالنسبة اليه مواضيع لنقد لاذع تحمله بجدية وعلم وبحث أساسي كان يميزه مثيرا اسئلة لا يكاد أحد يثيرها.

 

من اجل ماذا "القبة الحديدية"؟ ولماذا "حيتس"؟ ولماذا "لافي" ولماذا الهجوم على ايران؟ وقد حاول أن يكشف عن جميع حيل وألاعيب ميزانية الامن بلا جدوى لأن أكثر زملائه لم يهتموا بذلك قط بل يكفيهم أن يقتبسوا اعلان متحدث الجيش الاسرائيلي بعملية التصفية الاخيرة حتى لو كان كاذبا أو دعائيا. وكانت كتابته موضوعية وجافة وغير حماسية. لم يكن يساريا متطرفا برغم أنه وجدت علامات على أنه كان قلقا من نشاط رفاقه الطيارين – القاصفين. وكان اسراف الجيش الاسرائيلي الفظيع في مقدمة اهتماماته وقد حاربه مثل دون كيشوت من غير سانشو بانزا، مع صحيفة هآرتس فقط التي كانت تقف وراءه.

 

أدار بدهتسور حربا مقدسة لابقار مقدسة ربما كانت أقسى المعارك. فليس من السهل أن تثور على قطيع منطلق الى الأمام ولا سيما حينما يكون الحديث عن عبادة الأمن. ولم يحجم بدهتسور حتى حينما حاول الجهاز أن يتهمه بـ "تجسس خطير". وقد علم حفيد رئيس أول بلدية يهودي لصفد وابن شقيق آخر محرر لـ "مرحاف" أنه لا اعلام من غير نقد. وحاول في السنوات الاخيرة أن يورث طلابه ذلك لكن بغير جدوى ايضا – فقد اشتكى بدهتسور من جهلهم وعدم اهتمامهم.

 

وصدرت مقالته الاخيرة معترضة على حبيب ماما القومي الجديد وهو رئيس الاركان بني غانتس، وكان عنوانها "سكوت غانتس" – هآرتس 13/4. إن "الخوف من اليمين المتطرف يملي عليه سلوكه"، كتب فيه بدهتسور في وقت أنشد فيه زملاؤه له قصيدة مدح اخرى حول الموقد في المقابلات الصحفية بمناسبة العيد.