خبر الخط الفاصل بين الثورة والحرب الأهلية في سوريا ..بقلم د . وليد

الساعة 07:32 ص|03 ابريل 2014

لم يكن يخطر بخيال الرئيس السوري بشار الأسد أن حادثة اعتقال خمسة عشر طالباً في مدينة درعا على أثر كتابتهم لشعارات تنادي بالحرية على جدران مدرستهم بتاريخ 26 فبراير 2011م , وما تبعها من إهانة الأمن السوري لأهاليهم ووجهاء مدينتهم , أنها ستفجر ثورة عارمة تزلزل أركان حكمه , وتستمر أكثر من ثلاث سنوات – حتى الآن – وقد تستمر لسنوات أخرى لا يعلمها إلاّ الله تعالى . وكيف يخطر على خياله ذلك هو القائل قبل أسابيع من حادثة درعا ( إن سوريا تحميها المقاومة ) رداً على سؤال من أحد الصحفيين عن إمكانية امتداد ثورات ( الربيع العربي ) إلى سوريا , مستبعداً امتدادها إلى سوريا , وكأن المقاومة أو دعمها والانتماء إلى محورها صك غفران يعُفيه من استحقاقات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان , أو كأنما قيل له أفعل ما شئت فقد غفر الله لك بعد أن ورثت الرئاسة كابراً عن كابر وعشت صغيراً في بيت الرئاسة حتى وجدت نفسك رئيساً من دون الناس .

 

    وهذه الإجابة تدل بشكل واضح على أن الرئيس السوري لم يستخلص العبر من أحداث الثورات التي اندلعت في البلدان العربية التي سبقت سوريا في الثورة , ولم يستنبط الدروس من تجارب الماضي القريب والبعيد , وانتظر حتى تصل النار إلى بيته , ولم يجتهد لمنع وصولها إليه , لأنه لم يدرك أن نظام حكمه لا يختلف جوهرياً عن الأنظمة العربية الأخرى إلاّ في موضوع المقاومة والممانعة والتمرد على بيت الطاعة الأمريكي , لان ما يجمعها من عناصر مشتركة كالاستبداد والفساد واحتكار السلطة وتراكم الظلم الاجتماعي كفيل بأن يفجّر الثورات التي تقوم بها الغالبية المسحوقة والمستضعفة والمظلومة مهما بلغت سطوة النظام وجبروته . وحتى عندما أعلن الرئيس السوري عن إصلاحات في بداية الثورة بتاريخ 7 إبريل 2011 م كان الوقت متأخراً , وكان سقف الشعب السوري قد ارتفع إلى أكثر من إصلاحات جزئية إلى المطالبة بتغيير جذري في بنُية النظام لا تسمح ببقاء المنظومة المستبدة والفاسدة في بنيته , وتسمح من ناحية أخرى بالمشاركة الفعلية للفئات المهمشة – هي الغالبية – في مختلف مستويات القرار السلطوي للنظام , وتنهي احتكار حزب الشعب والقوى المتحالفة معه من السياسيين ورجال الأعمال والمثقفين للسلطة وامتيازاتها لصالح الغالبية المهمشة .

 

وبعد أن وقعت الفأس في الرأس , وانتشرت الثورة في سوريا انتشار النار في الهشيم , وفشل النظام في تفاديها أو استيعابها أو القضاء عليها , اتخذت الثورة مناحي اُخرى مع مرور الوقت , وابتعدت تدريجياً عن طبيعة الثورات , وانزاحت تدريجياً إلى طبيعة الحروب الأهلية , حتى ابتلعت الحرب الأهلية في سوريا الثورة في جوفها , ولم يعُد أحد يقول أن ما يحدث في سوريا ثورة أو شبه ثورة – باستثناء أصحاب نظرية عنزة ولو طارت - , وبات واضحاً أن ما يجري في سوريا هو حرب أهلية بامتياز , لا تختلف عن حروب أهلية عديدة سبقتها في التاريخ كالحروب الأهلية في لبنان والجزائر وأسبانيا وفيتنام وأمريكا وغيرها . وهذه الرؤية تدعمها طبيعة الأحداث في سوريا من أوجه عديدة .

 

    فالصراع في سوريا لم يعُد بين نظام مستبد له أدوات قمع مختلفة كالجيش وقوى الأمن , وبين الشعب السوري أو غالبيته . بل بين طرفين مسلحين لكل منهم قسم لا بأس به من الشعب السوري يدعمه , وبينهما قسم ثالث على الحياد ولا يدعم النظام أو معارضيه وينتظر انتهاء الصراع ليعود إلى حياته الطبيعية . وكل طرف في الصراع له قوى إقليمية تدعمه بل وتشاركه بشكل أو بآخر في المعركة , فالنظام مدعوم إقليمياً من محور المقاومة التي لها مصلحة في وجود النظام واستمراره , كما أن الطرف الآخر المعارض للنظام له داعميه الإقليميين الذين لهم أهداف مختلفة ولكنهم متفقون على إسقاط النظام . وكل طرف أيضاً مدعوم دولياً في إطار الصراع على النفوذ في المنطقة بين داعمي النظام والمعارضة – روسيا وأمريكا – إضافة إلى علاقة الصراع بالكيان الصهيوني الذي من مصلحته تدمير الجيش السوري أو استنزافه وإنهاكه على الأقل , وإخراج سوريا من محور المقاومة والممانعة لقطع الاتصال بين إيران وحزب الله والتأثير سلبياً على المقاومة الفلسطينية . فلم يعُد الصراع في سوريا محلياً , بل له أبعاد إقليمية ودولية لا علاقة لها بأهداف الثورة التي نادت بالحرية وحقوق الإنسان , فما علاقة النظام السعودي والنظام القطري – أكبر داعمي المعارضة – بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ؟ وما علاقة عشرات الآف المتوّحشين القادمين من شتى أقطار الأرض بإقامة نظام ديمقراطي تعددي في سوريا ؟ .

    ومن المفترض أن ثورة تنادي بالديمقراطية والحرية والكرامة والنزاهة وقبول الآخر واحترام حقوق الإنسان أن تقدم نموذجاً بديلاً أفضل من النموذج الذي يقدّمه النظام الذي ثارت عليه , ولكن الواقع يشير إلى عكس ذلك , فالنموذج الذي قدمته المعارضة سواء المحلية أو المستوردة هو نموذج أسوأ ليس فقط في عدم احترام قيم الديمقراطية والحرية والكرامة والنزاهة وقبول الآخر وحقوق الإنسان , بل في عدم احترام حياة الإنسان نفسها فكيف بحقوقه ؟ , إضافة لانتهاك أعراض الناس , وتدمير دور العبادة تحت مبررات دينية ومذهبية , وتخريب الآثار وقبور الصحابة والصالحين التي حافظ عليها المسلمون في مختلف مراحل عصورهم تحت مبررات دينية واهية مستمدة من فقه التخلف وفكر التردي وثقافة الصحراء القاحلة . أما عدم إيمانهم بالتعددية السياسية والدينية والمذهبية فحدث ولا حرج , فهم لا يتقبلون بعضهم البعض , فكيف سيتقبلون الآخر المختلف معهم ,  وحروب داعش والخبراء خير دليل على ذلك  , أما عن فساد الطبقة السياسية للمعارضة خاصة الخارجية منها فقد ذاع صيتها وأصبحت هي ورموز النظام كفرسي رهان يسبقونه مرة ويسبقهم مرة , فهذا النموذج السيئ لا يشكل بديلاً للنظام السوري وبالتالي لا يمكن اعتباره مشروع ثوري حضاري , بل هم طرف في حرب أهلية شرسة يهدف كل طرف فيها إلى تحقيق أهدافه المتعلقة بالحفاظ على السلطة أو امتلاكها .

 

والخلاصة التي نصل إليها أن الخط الفاصل بين الثورة والحرب الأهلية في سوريا قد ذاب لصالح الحرب الأهلية التي ابتلعت الثورة وهضمتها , وفي الحروب الأهلية أما أن ينتصر الطرف الأقوى أخلاقياً أو الأقوى على الأرض أو تنتهي بالمصالحة الوطنية بعد أن يتعب المحاربون , ويمل الداعمون , وينفّض من حولها اللاعبون الإقليميون والدوليون ,  ولكن متى سيتحقق ذلك ؟ نأمل أن لا يأتي هذا اليوم وقد اُستكمل مشروع تدمير سوريا الدولة والجيش والمجتمع لصالح مشروعين يلتقيان على هدف واحد هو تدمير المقاومة ومحورها وداعميها هما المشروع الصهيوني والأعراب أصحاب مشروع الفتنة المذهبية بين جناحي الأمة.