خبر شيء نخر في مملكة اردوغان .. اسرائيل اليوم

الساعة 09:01 ص|28 مارس 2014

بقلمبوعز بسموت 

          (المضمونلا شك في ان اردوغان لم تعد له القوة التي كانت له قبل ذلك لاسباب كثيرة منها قضايا الفساد التي انتشرت واعلنت واستغلها معارضوه المصدر). 

          تركيا اليوم في مفترق طرق. فانتخابات المجالس البلدية التي ستجرى في بداية الاسبوع القادم شديدة الاهمية لمستقبل هذه الدولة من دول الشرق الاوسط. وسيكون للانتخابات وزن ثقيل في تحديد هوية الافرقة التي ستدير بلديات اسطنبول وانقرة وازمير. 

          يتجه رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان الى الانتخابات القريبة اضعف مما كان من قبل. فقد سببت ازمة الفساد الكبيرة التي شارك فيها مسؤولون كبار في حكومته منهم حتى ابنه، والاضطرابات في العام الماضي في متنزه غازي في اسطنبول، سببت حدوث صدوع كبيرة في مملكة اردوغان. ما زال يوجد في تركيا من يحلمون باستعادة ايام الدولة العثمانية، لكن ليس من المؤكد انهم يرشحون اردوغان لمنصب السلطان. 

          تغيرت امور كثيرة في تركيا في الاشهر الاخيرة ولها تاثير مباشر في علاقات الدولة الخارجية وفي ثقة الادارة التركية بنفسها ايضا. فليس من العجب ان افادت صحيفة "هوريت" التركية يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع ان نائب رئيس وزراء تركيا مولنت ايرنتش اعلن بأن اتفاق المصالحة بين تركيا واسرائيل سيوقع عليه حتى نهاية الاسبوع القادم بعد انتخابات المجالس البلدية. وامكن ذلك بحسب ما نشر بعد ان نقلت اسرائيل الى الاتراك الصيغة النهائية لتسوية تعويضات ضحايا "مرمرة". 

          لكن اسرائيل سارعت الى تفتير الحماسة فقد قالت جهات سياسية في القدس انه لم يتم تلقي الى الآن الضمانات المطلوبة لذلك وانه ينبغي قطع مسافة اخرى حتى يدخل الاتفاق حيز التنفيذ. 

       لا يوجد حب بل مصالح فقط 

          اليوم وقد اصبح وضع اردوغان السياسي مضعضعا فان كل قضية تصبح مهمة عنده. فقد اصبحت اسرائيل مثلا مقياسا بالنسبة اليه فحينما يكون ناجحا مطمئنا يستعمل توجها اهوج نحو اسرائيل (كما يفعل على الدوام منذ عرضه الرهيب في دافوس في 2009)، والآن وهو يستقبل في الشارع التركي بصفير الاحتقار، يختار اردوغان توجه المصالحة مع اسرائيل الى ما بعد الانتخابات على الاقل كي يجذب ناخبين؛ فلا يوجد حب هنا بل مصالح فقط. 

          لا يريد اردوغان ان يفكر البتة في نتيجة سوى الفوز. فمنذ ان فاز في الانتخابات مع حزب العدالة والمساواة في 2002، لم يخسر حزبه في اية معركة انتخابية. "اذا لم يفز حزبي بالمكان الاول في انتخابات المجالس البلدية فانني مستعد لأن اترك السياسة"، قال اردوغان في بداية هذا الشهر للصحفيين في انقرة. ويزعم اردوغان ايضا ان حزبه ذا الصبغة الاسلامية لن تضر به قضية الفساد الكبيرة التي انفجرت في شهر كانون الاول. 

          بيد ان استطلاعات الرأي تدل على خلاف ذلك. فالحزب الحاكم في الحقيقة لم يخسر في أية معركة انتخابية منذ تولى الحكم قبل 12 سنة، لكن استطلاعات الرأي الاخيرة تمنح الحزب 40 بالمئة من التاييد وذلك اقل بـ 10 بالمئة من نسبة التأييد التي فاز بها الحزب في انتخابات البرلمان في 2011. وتشير كل الدلائل الى انخفاض قوة اردوغان السياسية. 

          ما الذي يتركب منه ضعف قوة اردوغان اذا؟ ليس من الداحض ان نخمن ان لعشرات التحقيقات الجنائية التي بدأت في شهر كانون الاول مع عشرات المديرين ورجال الاعمال والساسة والموظفين الكبار المقربين من الحزب الحاكم بشبهة اعمال فساد مختلفة – ان لها صلة بذلك. وقد زعم اردوغان من جهته ردا على ذلك ان الحديث عن مؤامرة دبرها فتح الله غولان وهو مفكر اسلامي ذو تأثير كبير في تركيا يسكن في الولايات المتحدة. 

          تحول غولان الذي كان حليف اردوغان في الماضي الى خصم كما قلنا بعد ان بدأ اردوغان الواثق بنفسه تنفيذ اصلاحات في جهاز التربية العزيز على قلب غولان. 

          ان اردوغان على يقين من ان غولان يطمح الى التاثير في نتائج الانتخابات البلدية وفي الانتخابات الاولى للرئاسة التي ستجري في شهر آب القريب. "انشأ رجال غولان دولة في داخل الدولة"، قال هذا الاسبوع متهما. وما احسن ان اردوغان له عدو جديد يمكنه ان يتهمه بالشرور في دولته وليس هو اسرائيليا ذا رتبة ما. 

          ويسأل الان السؤال التالي: الى أين تتجه تركيا والى أين يتجه اردوغان؟ لا شك انه يمكن اليوم ان نشبه تركيا بطائرة دفعت الى جيب هوائي فلم يعد ربان الطائرة يتحكم بطائرته كما كان يفعل من قبل. وان احاديثه مع ابنه التي كشف عنها في وسائل الاعلام في الشهر الماضي تكشف عن مبلغ كون جذور الفساد موجودة في القيادة العليا للادارة. وقد زعم اردوغان في الدفاع عنه ان حديثه مع ابنه مختلق اصلا لكن من الصعب عليه قليلا ان يقنع معارضيه بذلك. 

          لا شك في ان وجه تركيا تغير جدا منذ بدأ القرن الواحد والعشرون. ففوز الحزب الحاكم في المعارك الانتخابية الثلاث الاخيرة وانضمامه الى اللعبة السياسية مع التاثير في المكانة الاجتماعية الاقتصادية لاكثر مواطني الاناضول قد غير صورة تركيا جدا فلم يكن صوتهم يسمع حتى ذلك الحين. 

          وينبغي ان نذكر ايضا انجازات اردوغان الاقتصادية فقد حفز اردوغان اقتصاد بلده الذي احرز درجات نمو مدهشة في حين صعب على اقتصادات غرب اوروبا أن تعلو. وانهت تركيا اردوغان في سنة 2013 دفع ديونها الى صندوق النقد الدولي وهي ديون كانت ترى اذلالا في تركيا. وحصلت كذلك من المؤسسات الاقتصادية على درجات عالية جدا وهو ما افضى الى نمو الاستثمارات الاجنبية التي تدفقت على تركيا. 

          ان انجازات اردوغان الاقتصادية اذا منحته الفوز في الانتخابات الاخيرة وشعبية كبيرة في الشارع ايضا بيد ان الشهوة تاتي مع الطعام. ان اردوغان نفخ في شباب اسطنبول أملا كبيرا ومن المتناقض منطقيا ان دفع اولئك الشباب قدما – وهو شيء شديد الايجابية – افضى في مرحلة متاخرة الى قطيعة بينهم وبين اردوغان فلم تعد طرقه الشمولية تلائم توقعات الشباب الذين يريدون نجاحا ماليا مقرونا بالديمقراطية وهنا بالضبط دفع اردوغان الى فخ. ولا شك في ان الاحداث في متنزه غازي التي حضرتها في ربيع 2013 كانت تشهد على القطيعة الكبيرة التي نشأت بين الشباب الاتراك وحكومة تركيا وزادت في العداوة للجهاز السياسي بعامة. احتج شباب تركيا في الحقيقة في الاساس على سياسة اردوغان لكنهم غضبوا على المعارضة ايضا التي لم تنجح في انشاء بديل حاكم. 

          واجه سكان تركيا الاختيار بين حزب العدالة والمساواة وبين الحركة الروحية لفتح الله غولان في حين يجري المعسكرات حربا لا هوادة فيها بينهما. والحديث عن تيارين اسلاميين لا يلائم طابعهما توقعات نصف سكان تركيا الذين يوجد منهم ناس كثيرون زاروا متنزه غازي. 

          قلنا آنفا ان الضغط الذي يتعرض له اردوغان اليوم كبير جدا حتى انه يتخذ قرارات تزيد فقط في القطيعة بين تركيا المحافظة وتركيا الحديثة مثل قراره على اغلاق استعمال تويتر في تركيا. "يستطيع المجتمع الدولي ان يقول ما شاء فذاك لا يهمني، سنظهر للعالم مبلغ قوة الجمهورية التركية"، قال. 

          بين ان سبب الاغلاق تلك الروابط التي نشرت في تويتر واشتملت على اشرطة مسجلة من قضية عن الفساد التي شارك فيها كبار مسؤولي النظام. وكل ذلك من وجهة نظر اردوغان مؤامرة ترمي الى زعزعة استقرار تركيا. 

          ان مشكلة اردوغان الكبرى هي ان عدد التغريدات قد تضاعف منذ كان الاغلاق، فقد وجد الشباب الاتراك طريقة للالتفاف على الحظر واسوأ من ذلك انه حتى نائبه وخصمه الاكبر عبد الله غول – لم يكفوا عن التغريد. واذا لم يكن كل ذلك كافيا فان المجتمع الدولي انتقد بشدة قرار اردوغان الذي لا يلائم كما يقول روح العصر. 

          كان حظر تويتر جزء فقط من صراع اردوغان مع الشبكات الاجتماعية فقبل شهر فقط اجاز قانون الانترنت الذي يمنح الحكومة سلطة واسعة لاغلاق مواقع. وقال اردوغان المصاب بوسواس المطاردة: "ان تويتر ويو تيوب وفيس بوك – كلها لها قدرة على تناول كل شيء تقريبا ومن ذلك الاختلاق". 

          وتطرق الرئيس غول الى القانون فقال ان "الحديث بالطبع عن وضع جد غير طيب لان تركيا لاعبة اقليمية ذات وزن كبير ولها صلات بالاتحاد الاوروبي". فكيف يتفق ذلك واغلاق الشبكات الاجتماعية؟ وهذا سؤال جيد. 

       بين المحافظة والديمقراطية 

          لا شك في ان عداوة غول تضغط اردوغان. ثمة العداوة اصلا مع العلمانيين واحزاب اليسار ومع شباب متنزه غازي ومع غولان، لكن أعداوة ايضا مع الرئيس غول صديقه وشريكه في النهج وفي الحزب؟ ان الاختلاف بين الرئيس ورئيس الوزراء لا يدور فقط حول قرار اغلاق تويتر، فالرئيس غول لا يستحسن حقيقة ان اردوغان اتهم غولان والولايات المتحدة بتدبير قضايا الفساد. "لست مستعدا لان اقبل الدعاوى التي تربط بين الشبهات وقوى اجنبية. وانا لا اعتقد انها صادقة"، قال غول. "لا اعتقد ان الحديث عن مؤامرة تطمح الى تدمير تركيا"، اضاف. واذا كان الامر كذلك فان الخلاف بين هذين الشخصين ما زال موجودا. 

          ودفع اردوغان الى مشكلة في السياسة الخارجية ايضا فقد راهن اولا على قوة الزعماء العرب الذين سقطوا واحدا بعد آخر في ربيع الشعوب العربي. وتحول بعد ذلك الى تاييد الشعوب لكن المسيرة الديمقراطية هنا ايضا توقفت ومعها اردوغان. 

          وليس الوضع مثاليا مع الاتحاد الاوروبي ايضا لان فرنسا والمانيا لا تبادران الى ضم تركيا الى الاتحاد الاوروبي. ويحاول اردوغان في الحقيقة ان يحسن علاقاته بباريس بعد ان لم يعد خصمه نيكولا ساركوزي في الصورة، لكن ما زال من الصعب الحديث في هذه المرحلة عن شهر عسل فرنسي تركي. 

          ولا ينتهي الامر هنا: فقد دفع اردوغان الى مشكلة غير صغيرة مع واشنطن ايضا. تعد انقرة والبيت الابيض شريكين منذ مدة طويلة. ووقف اردوغان في الازمة السورية الى جانب براك اوباما. بيد ان الادارة الامريكية برغم التعاون الضروري بين الدولتين وجدت نفسها تهاجم انقرة فيما يتعلق بحقوق الانسان والمس بالحرية والديمقراطية. واصبح اردوغان في ضغط فهو يشعر ان الاتراك لاول مرة منذ 2002 اصبحوا يدركون انهم يمكن ان يوجدوا من غيره. ووجد نفسه هو الذي كان يطمح الى ان يرث مصطفى كمال اتاتورك وان يحدث ثورة حقيقية تخالف نهج اتاتورك، وجد نفسه يلقى تماثل والد الجمهورية العلمانية التركية. 

          ان اولئك الذين يخرجون الى الشوارع يريدون ان يقولوا للعالم ان تركيا لا تعرض خيارين فقط وهما حزب العدالة والمساواة او جمهورية اسلامية كايران بل تعرض طريقا ثالثا علمانيا. وفي حين استطاعت الدولة العثمانية دائما ان تؤلف بين التراث والانفتاح لا يستطيع أي حزب في المعارضة اليوم ان يقترح هذا التاليف البسيط جدا والمعقد جدا في نفس الوقت. وربما جاء من هنا الانتقال الى الاحتجاج في الشوارع. 

          ان المعسكر التركي الحديث المنقسم بين الجمهوريين (الكماليين) والعلمانيين يتبنى في القرن الواحد والعشرين نهجا جديدا فلم تعد ثم مجموعة نخبوية تدير الدولة وتستعمل الجيش وتخرج الاسلاميين من اللعبة بل حركة علمانية تتحرر من القومية وتبحث عن طريق جديد. فلا عجب ان يكون اردوغان قلقا. ان مليون تركي حجوا في 10 تشرين الثاني الى متحف اتاتورك كانوا مصباح تحذير لاردوغان فهم لم يحضروا هناك باعتبارهم اعداء الاسلام كما في الماضي بل باعتبارهم مسلمين علمانيين. ان سنة 2014 هي سنة مصيرية لتركيا واكثر من ذلك لاردوغان. وتنتظره ثلاث معارك انتخابية على الاقل فاذا نجح فانه يستطيع ان يحقق حلما وان يستمر على التمسك بالسلطة واذا فشل فسيعيد مقاليد الحكم ويظل تمثال اتاتورك يطارده.