خبر الوضع السياسي والأمني لحزب الله- نظرة عليا

الساعة 09:43 ص|27 مارس 2014

بقلم: بنديتا بارتي ويورام شفايتسر

منذ اندلاع الحرب الاهلية المدرجة بالدماء في سوريا، أصبح المحيط السياسي والامني لحزب الله أكثر تعقيدا. فرغم أن حزب الله بقي المنظمة العسكرية الاقوى في لبنان، فان تدخل المنظمة اللبنانية -  الشيعية بشكل عميق في حرب اهلية مستمرة وغنية الاثار الاقليمية، يحدث تآكلا  تدريجيا في مكانتها داخل لبنان ويمس بحرية عملها وقدرتها على بث القوة تجاه خصومها.

ويتعين على حزب الله في نفس الوقت أن يتصدى لتحديات من الخارج ومن الداخل. ففي لبنان، المنقسم اكثر من أي وقت مضى بين مؤيدي بشار الاسد ومعارضيه، يتصدى حزب  الله لعدم استقرار مستمر. فالمواجهة المستمرة في سوريا تلقي بعبء اضافي على لبنان ينبع من وصول لاجئين سوريين الى أراضيه، وصل عددهم صحيح حتى نهاية 2014 الى نحو مليون نسمة – اكثر من 20 في المئة من عموم السكان  في لبنان – ومن المتوقع أن يرتفع الى مليون ونصف حتى نهاية 2014.

 

          في ضوء الوضع غير المستقر، كان لحزب الله مصلحة واضحة في ملء الفراغ السلطوي في لبنان والذي استمر 11 شهرا عندما  كانت الدولة في اثنائها دون حكومة فاعلة. وانتهى هذا الوضع في منتصف شباط 2014، عندما نجح رئيس الوزراء المرشح، تمام سلام في كسر المأزق السياسي والاعلان عن تشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم على اساس اتفاق ائتلافي موضع خلاف حسب صيغة 8-8-8. وحسب هذه الصيغة فان الحركتين المركزيتين – معسكر 14 اذار برئاسة سعد الحريري ومعسكر 8 اذار بقيادة حزب الله – أن يحظيا بثماني مناصب وزارة لكل منهما، ومع رئيس الوزراء والرئيس سليمان يعينان المناصب الثمانية المتبقية. واستوجب الاتفاق من كل الاطراف تقديم تنازلات، واضطر حزب الله الى الموافقة على أن تودع وزارات كبرى كوزارة الدفاع، العدل والداخلية، في ايدي معسكر 14 اذار. ومع ذلك، لم يخاطر حزب الله مخاطرة كبيرة في دخوله الحكومة الجديدة، وذلك لان للحركتين حق الفيتو على قرارات الحكومة. ولما كانت الحكومة ستتكفل في الاشهر القادمة باتخاذ سلسلة قرارات حاسمة – تنفيذ الاصلاح في قانون الانتخابات كجزء من الاستعدادات للانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني 2014 وللرئاسة؛ التصدي للعنف الداخلي المتصاعد واستمرار تدخل حزب الله في الحرب الاهلية في سوريا، وكذا الحاجة الى التعاون مع المحكمة الخاصة في الامم المتحدة لقضايا لبنان في المحكمة ضد المتهمين بقتل رفيق الحريري والتي بدأت في 16 كانون الثاني 2014 – فان حق الفيتو للمنظمة يضمن الا يتخذ أي قرار وطني هام دون موافقتها. وفضلا عن ذلك، فبالنسبة للحكم الذاتي للمنظمة في حمل السلاح والانسحاب من تدخلها في الساحة السورية، فقد أعلن حزب الله منذ المداولات البرلمانية الاولية للحكومة الجديدة في لبنان بأن ليس في نيته التنازل عنهما. وهكذا ففي مفاوضات صلبة مع خصومها السياسيين، نجحت المنظمة في التأكد من ان يتم ادخال بند يؤيد "المقاومة" في برنامج الحكومة. ومع ذلك، فقد اضطرت المنظمة للتنازل عن بند يتعاطى بشكل صريح مع الصيغة الثلاثية التي وحدت في الماضي الجيش، الشعب والمقاومة، والاكتفاء بصيغة اكثر غموضا تعترف بحق كل مواطن لبناني في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي. واضافة الى ذلك، فقد انتقد حزب الله دعوة الرئيس سليمان  الى احترام اعلان بعبدا – الوثيقة التي استهدفت الابقاء على لبنان حياديا بالنسبة للمواجهات الاقليمية المستمرة بشكل عام، وبالنسبة للحرب الاهلية في سوريا بشكل خاص.

 

          تمنح الحكومة الجديدة حزب الله فرصة جديدة لدفع خصومه السياسيين الى التعاون في الصراع مع ما تسميه المنظمة "التحدي التكفيري" – صعود المنظمات السلفية الجهادية، العاملة من داخل لبنان. وأعلن الامين العام لحزب الله حسن نصرالله عن ذلك في اثناء خطاب طويل له القاه في يوم الشهداء، الذي يحيي في موت عدد من الشخصيات البارزة في المنظمة. وفي خطابه تناول الخطر الذي تشكله المنظمات التكفيرية العاملة في سوريا ولبنان وحذر من أن هذه المنظمات تستغل من اسرائيل ومن "داعمين عرب" آخرين (والمقصود السعودية) لزرع الانقسام والخلاف. مشاكل حزب الله مع الفصائل السلفية الجهادية المحلية ليست سياسية فقط: ففي السنة الاخيرة طرأ ارتفاع مستمر في الهجمات ضد حزب الله، بما في ذلك الاغتيالات التي نفذت ضد المسؤول في المنظمة حسن اللقيس، وعمليات ضد أهداف تتماثل مع حزب الله مثل العمليات الانتحارية في السفارة الايرانية وضد اهداف مدنية في بيروت والبقاع.

 

          لا ريب أن حزب الله من ناحية عسكرية منظم، مسلح وراسخ افضل بكثير من خصومه في الجهاد السني، ولكن الارتفاع في أعمال العنف الموجهة ضده وضد جمهور ناخبيه الشيعة، هو مؤشر يدل على التآكل في مكانته السياسية وسمعته بصفته "لا يقهر" ويتأثر بمشاركته في الحرب الاهلية في سوريا. فالتهديدات الداخلية، تجبر حزب الله على زيادة الرقابة والاشراف على المعاقل التي توجد تحت رعايته وبالتوازي تستدعي منه تكريس جهود اكبر لاظهار التدخل والتواجد في التجمعات السكانية الشيعية في لبنان. ويستهدف الامر الحفاظ على مكانة الحزب ومصداقيته بين الجمهور الشيعي، ومن أجل اقناع مؤيديه التقليديين بان في وسعه الدفاع عنهم وتقليص الضرر الذي يلحق بهم كنتيجة مباشرة لسياسته في سوريا. شكل آخر للتصدي للهجمات ضده اتخذه الحزب هو التعاون مع القطاع الامني في لبنان. وتعد مثل هذه المساعدة أمرا شديد المغزى من ناحية عملياتية وسياسية، وذلك لانه من المهم لحزب الله أن يضمن ان تعتبر وتعالج الهجمات ضده وضد جمهور ناخبيه كتهديدات ارهابية ذات طابع وطني وليس كهجمات موجهة بشكل خاص ضده ولهذا فانها تشكل مشكلة حصرية ينبغي ان يحلها بقواه الذاتية.

 

          تغدو التحديات اللبنانية الداخلية لحزب الله أكثر تعقيدا عقب تدخله العميق في سوريا. فمشاركة الحزب في أعمال الدفاع والهجوم في نفس الوقت جعلته مضاعف قوة هام لنظام الاسد. وبتعبير آخر فان حزب الله في هذه اللحظة "غارق كله" في سوريا، ويبدو من غير المعقول أن يتغير الامر في المستقبل القريب القادم. وتساهم هذه الاعتبارات الاستراتيجية في الفهم لماذا تعد مصلحة عليا للحزب الحفاظ على هدوء أساسي في ساحته الداخلية في لبنان، وبالتوازي منع، أو تأخير على الاقل، التصعيد في التوتر الحالي مع عدوه التاريخي – اسرائيل.

 

          في هذا السياق، فانه في الاسابيع الثلاثة الاخيرة نفذ ما لا يقل عن أربع عمليات مختلفة من نار الصواريخ وزرع العبوات الجانبية على حدود اسرائيل في هضبة الجولان وفي منطقة هار دوف، اخطرها وقع يوم الثلاثاء، 18 اذار 2014. وفي كل الحالات كان حزب الله يعتبر المنفذ المحتمل الذي من جهة يحاول اعادة تأكيد سمعته كزعيم للمقاومة الوطنية اللبنانية وحاميها ضد الاعتداءات الاسرائيلية ومن جهة اخرى يحاول منع تصعيد عسكري مع اسرائيل. ومن خلال التركيز على الاعمال ضد اسرائيل عبر الجولان، يمكن للحزب أن يؤشر لاسرائيل بانه قادر على اثارة المشاكل في حدود اسرائيل عبر سوريا دون توسيع ميدان القتال في لبنان. أما المصلحة الاسرائيلية فهي عدم الانجرار الى الحرب الاهلية في سوريا والى عدم الاستقرار في لبنان. تحسن اسرائيل صنعا اذا ما حاولت منع التصعيد من خلال الحفاظ على ردود عسكرية مركزة وموزونة.