خبر خيارات « حماس » لفتح معبر رفح ..!.. أكرم عطا الله

الساعة 06:32 ص|24 مارس 2014

قيادة الشعوب ليست عملية سهلة ولا هي عبارة عن مجموعة مجازفات ولا مجال فيها للتجربة والخطأ وتقاس فيها المواقف بميزان بائع الذهب وتجري فيها الحسابات تماما كما المعادلات الكيميائية في المختبرات بقياس مجموع العناصر المتفاعلة والمتداخلة، وأي خطأ في حساب عنصر واحد قد يحدث انفجارا يؤدي إلى خسائر كبيرة، وهكذا تجري حسابات السياسة بهدوء وبعقل بارد بعيدا عن العواطف لتحقيق مصالح المجموع ومن يتقدم لقيادة الشعوب يتخذ المواقف لتحقيق مصالحها ولجعل حياتها أفضل لا أن يذهب بمواقف متسرعة تدفع الشعوب ثمنها فيصبح هو ومواقفه عبئا على شعبه.

يمكن القول أن حركة حماس أخطأت في موقفها برفض التغيرات الأخيرة في مصر وتلك شأن مصري داخلي ليس من حق أي فلسطيني أن يتنطح ليقرر في شكل الأنظمة السياسية في الدول العربية، وهذا الموقف له تداعيات لا يستطيع الشعب الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة تحمل تكاليفه، وها نحن نرى النتيجة، موقف صعب تتخذه مصر من حركة حماس يؤدي إلى إغلاق معبر رفح واعتقال مليوني فلسطيني في هذا الجزء الفقير والصغير من الوطن بما يحمله ذلك من معاناة وتعطيل لمصالح مئات الآلاف من الطلبة والمرضى والتجار والعائلات المشتتة التي حرمت من التواصل مع امتداداتها فتعطلت الحياة ودخل قطاع غزة في حالة موت سريري يزداد وضعه سوءا مع كل يوم بما يصاحبه من ألم لم يعد محتملا.

أخطأت "حماس" في حسابات السياسة هذه المرة حيث اتخذت موقفا من حقها أن تتخذه كحزب سياسي ولكن ليس من حقها أن تتخذه كنظام سياسي، وهناك فرق هائل بين الاثنين لم تدركه الحركة التي غلبت الأيدولوجيا على السياسة ومصلحة الحزب والحركة على مصلحة الشعب، فالحزب السياسي يدفع وحده ثمن مواقفه لكن حين يكون هذا الحزب هو النظام السياسي فالمسألة بحاجة إلى حسابات أكثر رصينة لأن الثمن يدفعه الشعب وعلى النظام السياسي أن يقدم تنازلات وأن يدفع الحزب ثمن من أجل الدولة والشعب وحين يحدث العكس تصبح المسألة بحاجة إلى مراجعة اكبر وإلى حل أشمل.

قد يكون في تجربة الراحل ياسر عرفات ما يستدعي التوقف أمامه من قبل السياسيين فقد روى لي الصديق الصحافي حسن الكاشف عندما قام ياسر عرفات بعد حرب 82 والذي كان قد تحول على اثرها إلى رمز للكفاح بزيارة اتحاد الكتاب والصحافيين وما أن دخل مقر الاتحاد حتى فاجأه رسام الكاريكاتير الكبير ناجي العلي بلومه بحدة على شكل معانقته للزعماء العرب قائلا له، "أنت زعيم وفدائي وأطهر منهم جميعا وهم متآمرون لماذا تقوم بتقبيل رؤوسهم فالفدائي لا ينحني للمتخاذل" فوضع ياسر عرفات يده على كتف ناجي بابتسامة هادئة امتصت غضبه وقال أمام الحضور بمن فيهم ناقل الرواية ومحمود درويش، "يا ناجي طالما أن شعبي يعيش عندهم ويتحرك من معابرهم، فأنا مستعد لأن أقبل أقدامهم من أجله".

في موضوع مصر كان على "حماس" أن تكون أكثر اتزانا لأن استبداد الجغرافيا أعمق كثيرا من استسهال المواقف لأن الحقائق التي تفرضها الجغرافيا رغما عن الدول تصبح جزءا أساسيا في اتخاذ القرار هذا أولا وثانيا الشعب الفلسطيني ليس مسؤولا عن إعادة الحكم للإخوان المسلمين أو إعادة الإخوان للحكم ولسنا معنيين بذلك ولا يهمنا هذا الأمر وفقط ما يهمنا هو مصالح شعبنا ولسنا مستعدين للمعاناة من أجل حركة الإخوان.
وأمام هذا الوضع الصعب لا أجد أمام حركة حماس من خيارات سوى ثلاثة أولها أن تعلن تأييدها للخيار المصري باعتبار أن ذلك شأن مصري تمهيدا للمصالحة مع مصر، فما اتخذه وزير الدفاع المصري لا يتساوى مع ما فعله أمير قطر السابق ضد والده لأن الوزير المصري كان يحظى بتأييد تظاهرات كبيرة ومع ذلك تغاضت "حماس" عن سلوك الأمير القطري باعتبار الأمر شأنا قطريا داخليا عندما رأت أن في التغاضي خدمة لمصالح شعبنا.
هذا خيار صعب لأن للمسألة بعدا أيدولوجيا وحين تكون هذه حكما في المواقف تصبح مسألة التراجع مستحيلة لأن الأيدولوجيا تنطلق من حقائق جامدة وليست كالسياسة التي تعرف المرونة والمناورات ولأن للمسألة أيضا بعدا تنظيميا داخليا ولأن في الأمر استهدافا لحركة الإخوان وهي جزء عضوي من هذه الحركة ولا تستطيع التخلي عنها ويشبه الأمر تخلي الابن عن أمه وهذا لا يجوز حتى في ظل كل مرونات السياسة.

الخيار الثاني هو أن تندفع باتجاه المصالحة مع خصمها في الساحة الفلسطينية وتستجيب لشروط حركة فتح التي تنامت بعد التغيرات في مصر وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتمكن من فتح معبر رفح أما الخيار الثالث وهو أن تتخلى حركة حماس عن حكم قطاع غزة لأن في استمرار حكمها بهذا الشكل أزمة إنسانية متزايدة وعبئا على الحركة نفسها وعلى سكان القطاع.

هذه الخيارات الصعبة على حركة حماس هي أشبه بعملية جراحية لا تعرض بهدف حشرها في الزاوية وضبطها متلبسة بالعجز بل لأنه ليس هناك خيار رابع سوى الانتظار، والانتظار هو حالة من الفراغ والسياسة لا تعرف الفراغ وكلما ازداد الانتظار ازداد الأمر سوءا ولا يجوز تركنا كل هذه السنوات نعيش المأساة والمعاناة التي تتفاقم ولا أفق قريبا للخروج من عنق الزجاجة فقد هرمنا بانتظار الكهرباء وهرمنا بانتظار المعبر، ثماني سنوات بلا كهرباء وبلا معبر جعلت الحياة أكثر قسوة ومن حقنا أن نقول كفى .. أن نرفع صوتنا عاليا ليس بهدف التربص بحركة حماس بل للخروج من هذا المأزق الذي وضعت الحركة نفسها فيه وضعتنا معها .. علينا أن نفكر بشكل جماعي بكيفية الخروج مهما كانت صعوبة الحل وليس أمام "حماس" سوى الخيارات الثلاثة إما تعديل موقفها والتصالح مع النظام الجديد في مصر وإما الذهاب نحو أبو مازن وإما أن تترك الحكم.

وإذا ما تخلت عن حكم غزة فلن تحتله إسرائيل وهذه خرجت لأنها لا تريد البقاء في غزة فقد عبر مستشار الأمن القومي السابق غيورا ايلاند بوضوح عن سياسة إسرائيل تجاه القطاع وهي حصيلة مجموع الفكر الإسرائيلي ومراكز الدراسات "فك ارتباط للأبد" لأن غزة تشكل مشكلة إنسانية وديمغرافية ومشكلة إستراتيجية "حسب مؤتمر هرتسيليا التاسع" وأزمة أمن قومي وهي عبء كبير كانت تنتظر اللحظة للتخلص منها بدءا من أوسلو الذي قام على التخلص من القطاع مرورا بالانسحاب انتهاء بما قاله ايلاند بوجوب الاعتراف بدولة غزة .. الأمر بدا مستحيلا بالتعايش في ظل هذه الظروف وعلى "حماس" التي قررت الانفراد بحكم القطاع أن تبحث عن حل فلا يمكن الاستمرار هكذا .. وعليها أن تقدم تنازلات من أجلنا، وإذا كان لديها خيار جديد فلتتفضل .. هذا طبعا لا يبرر لمصر تلك القسوة في التعامل مع قطاع غزة وخاصة بمسألة المعبر لكنه في سياق الممكن فلسطينيا والممكن لدى "حماس" وعليها أن تقدم تنازلات من أجلنا...!