خبر في ساحة غابي.. هآرتس

الساعة 11:32 ص|21 مارس 2014

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: ما يجري في الشمال يشبه جدا الصورة على طول الحدود مع غزة. في ظل غياب حكم مركزي قوي وملزم للدولة، فان اسرائيل تجد صعوبة في تثبيت ميزان ردع يضمن الحدود لزمن طويل - المصدر).

قبل اسبوع فقط كان قطاع غزة في رأس سلم مصادر القلق الأمنية الفورية. فقد أطلقت عشرات الصواريخ نحو النقب، وفي الحكومة هددوا باعادة احتلال القطاع وفي البلدات على حدود غزة استعد لاحتمال الاحتفال بعيد البوريم المساخر في ظل صليات القسام. ولكن التوتر في الجنوب تبدد بذات السرعة التي برز فيها. فقد أدت مساعي الوساطة المصرية الى العودة الى صيغة وقف النار؛ بشكل مؤقت، بالطبع، حتى الانفجار التالي.

ومر هذا الاسبوع في ظل خطر التصعيد في الشمال. فمحاولة العملية الاولى، التي تعزوها اسرائيل لحزب الله، وقعت مساء يوم الجمعة لدى انفجار عبوة ناسفة الى جانب سيارة جيب عسكرية بجوار الحدود مع لبنان في هار دوف. ويوم الثلاثاء اصيب أربعة مظليين أحدهم بجراح خطيرة جراء انفجار عبوة على الحدود السورية في هضبة الجولان.

وتوصل ضباط الجيش الاسرائيلي الذين فحصوا بقايا العبوات الى الاستنتاج بان هذا كان عملا قام به مهنيون. فجودة العبوات، مثل المقاطع التي وقعت فيها العمليات (التي لا تزال توجد تحت سيطرة بشار الاسد وحزب الله) عززت الاستنتاج الذي اشارت اليه المكتشفات الاستخبارية. وكانت العمليات خطوة منسقة من نظام الاسد، بمساعدة حزب الله وربما ميليشيات اخرى.

ان ما يجري في الشمال يشبه جدا الصورة على طول الحدود مع غزة. في ظل غياب حكم مركزي قوي وملزم للدولة (عمليا، نظام حماس بالذات في قطاع غزة يقترب اليوم أكثر من هذا التعريف من حكم الاسد في سوريا)، فان اسرائيل تجد صعوبة في تثبيت ميزان ردع يضمن الحدود لزمن طويل. وفي الجانب الاخر يعمل لاعبون فرعيون كثيرون، مع مصالح متضاربة، يتقاسمون فيما بينهم قاسما مشتركا واحدا – العداء لاسرائيل. ومع أن اللاعب الرئيس (سوريا في الجولان، حزب الله في جنوب لبنان، حماس في غزة) ليس معنيا بصدام شديد القوة مع الجيش الاسرائيلي في جبهته، فثمة ظروف يشخص فيها ربحا محتملا يمكنه أن يجنيه من ادارة مناوشات على نار هادئة أو من غض نظر عن مبادرات للاعبين اصغر.

المشكلة هي انه في الشمال، مثلما في غزة، يمكن للامور ان تخرج بسهولة كبيرة عن نطاق السيطرة. تكفي سلسلة ضربات غير محسوبة لجر الحدود الى الغليان. وفي نظرة الى الوراء يتبين بان ما استفز الجهاد الاسلامي في غزة كان حقيقة ان بين ثلاثة قتلاه في غارة سلاح الجو في 11 اذار كان قائدا محليا، بمستوى موازٍ لقائد سرية. وكان الرجل ايضا شقيق قائد كتيبة في حماس ولهذا فان قادة الذراع العسكري للمنظمة ابدوا تفهما اكبر لرغبة رفاقهم من الجهاد في الثأر. ولكن عندما ترسب الغبار، فضلت القيادات السياسية في المنظمتين مراعاة الضغط المصري الشديد والعودة الى التهدئة.

في الشمال، سوريا وحزب الله قلقان من سلسلة الغارات الجوية المنسوبة لاسرائيل ضد قوافل السلاح في الحدود السورية – اللبنانية. فالقصف الاخير، في 24 شباط، اصاب لاول مرة داخل الاراضي اللبنانية وانتزع من حسن نصرالله، الامين العام لحزب الله، تهديدا بالرد. ومنذئذ سجلت ثلاث هجمات على الاراضي الاسرائيلية من الحدود السورية وواحدة من الحدود اللبنانية. وتحاول سوريا وحزب الله تثبيت شارة ثمن عالية تدفع اسرائيل الى التردد قبل أن تقرر الغارة مرة اخرى على قافلة (رسميا اسرائيل لا تعترف بالغارات، وكل التقديرات في هذا الشأن تقوم على اساس تقارير وسائل الاعلام الاجنبية). أما اسرائيل، من جهتها، فتخشى فتح حرب استنزاف على الحدود، مثلما في عهد الحزام الامني في لبنان ستتضمن عبوات، عمليات قنص، هاون، بل وحتى عمليات اختطاف. هي أيضا من جهتها، تحاول أن تردع الخصم من مغبة استمرار العمليات. وفي هذه المرحلة لم يدخل بعد الى الصورة عنصر آخر موجود منذ الان في الجنوب – نار الصواريخ على الجبهة الداخلية الاسرائيلية. ولكن مفهوم أن هذه الوسائل توجد أيضا لدى نظام الاسد وحزب الله.

مثلما في غزة، كانت الردود الاسرائيلية في سوريا مضبوطة. بداية نار المدفعية، وبعدها غارة جوية موضعية على المعسكرات التابعة للواء في الجيش السوري، المنتشر على طول الحدود. ومن جهة اخرى، لم توفر اسرائيل في التصريحات. فكل بضع ساعات نشر تهديد جديد على سوريا وحزب الله. الردع هو موضوع نظري اكثر منه علم دقيق. فخطوات الطرف الاخر صعبة على التوقع، وبالتأكيد اذا كان يوجد فيها عنصر نفسي. ولكن احيانا يبدو هذا وكأن الجيران يأخذون الانطباع بان اسرائيل تتصرف مؤخرا على الحدود بشكل معاكس للمشورة المعروفة للرئيس الامريكي ثيودور روزفيلت. فهي تتحدث بحزم شديد وتحمل عصا صغيرة جدا.

لقد سبق أن كتب بان الجيش الاسرائيلي استعد جيشا مسبقا لامكانية فتح جبهة جديدة على الحدود السورية. وقد تمت الاستعدادات اساسا تمهيدا للهجمات من جهة المعسكر السني: منظمات الجهاد العالمي، العاملة على اسقاط نظام الاسد. ولكن العمليات جاءت في النهاية بالذات من معسكر الخصم، المحور الشيعي – العلوي المحيط بالاسد. وفي الاصل وصف هذا المعسكر نفسه بانه محور المقاومة، بالطبع المقاومة لاسرائيل. العلم اياه، الذي لم ينسى يرفع الان مرة اخرى في الشمال.

يحتمل أن تكون الجسارة في سلسلة العمليات الاخيرة تعكس احساسا بالقوة المتزايدة لدى معسكر الاسد، في ضوء نجاح جهوده في صد تقدم الثوار في سوريا. كما أن الظهر الواسع الذي توفره روسيا فلاديمير بوتين للاسد لا بد يمنحه الثقة. كل هذا يجري على خلفية الانسحاب البطيء لامريكا من المنطقة، تلك الظاهرة التي يصر وزير الدفاع موشيه بوغي يعلون على تحليلها وتفسيرها على مسمع من منتديات متنوعة وهكذا يورط نفسه مع واشنطن مرة كل فترة.