خبر عودة الخرقة الصفراء -هآرتس

الساعة 11:03 ص|16 مارس 2014

بقلم: جدعون ليفي

(المضمون: اسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الغرب التي تتجرأ على تعريف نفسها بحسب معايير عِرقية ودينية - المصدر).

 

إن هذا الخطاب يمكن أن يوجد في الغرب في الاماكن المظلمة فقط: في أقبية شرب الجعة، ومظاهرات هامشية عنيفة وفي مقرات عمل المنظمات غير الشرعية. واليمين المتطرف وحده والفاشي والقومي والنازي الجديد الكاره للاجانب واليهود هو الذي يتجرأ على التحدث به. ولا يتجرأ سوى حليقي الرؤوس ومُغريهم على الحديث عن طهارة العرق وعن تعريف دولتهم على حسب معايير العرق والدين والدم والعنصر والشعب. ولا يتجرأ أحد على أن يقول بصوت جهير: فرنسا للفرنسيين، وامريكا امريكية، والمانيا دولة المانية، أو ايطاليا كاثوليكية. والذي يتجرأ على فعل ذلك يعتبر غير ذي شرعية. فهذه الدول ديمقراطيات لكل مواطنيها وحُددت طبيعتها بحسب عناصر سكانها. ويعيش فيها جميعا أقليات أخذت تكبر في عصر العولمة والهجرة ولم يعد أحد يتحدث عن دولة قومية أو عن دين أو عن دم.

 

لكن هذا الخطاب هو الابرز في اسرائيل، وهو ذو شرعية بل إنه صهيوني وأعني الدولة اليهودية. ففي اسرائيل فقط تُعرف الحقوق وطبيعة الدولة بحسب الأصل بأن تكون الجدة الكبرى يهودية مثلا، وليذهب أبناء الأقليات الى الجحيم الذين هم في أكثرهم في اسرائيل من أبناء هذه البلاد. وأصبح هذا الخطاب الآن ايضا شرطا أساسيا للتقدم في التفاوض السياسي. وليس هو بطبيعة الامر أكثر من ذريعة رخيصة ودفع آخر لعصا في العجلات كي لا تتقدم لا سمح الله نحو التسوية السلمية، لكن أعراض المرض داخلية وخبيثة وهي مركوزة عميقا في الـ دي.إن.إي الاسرائيلي.

 

 

إن اسرائيل تعود الى الغيتو. وهي تبني في هذه المرة لنفسها وبيديها محبسها الجديد. فاهلا وسهلا الى غيتو اسرائيل: وقد انشأت الجدران والاسوار التي تحيط به من كل صوب منذ زمن؛ وأصبحت الاسوار النفسية والثقافية آتية في الطريق. وما أحدثوه باليهود في حقب متطاولة أصبح اليهود يُحدثونه لأنفسهم الآن. فهم يفحصون عن كل انسان بحسب أصل آبائه ويجتمعون في داخل غيتو – دولة تحدد طبيعتها بحسب مقدار طهارتها.

 

إن اسرائيل لا غير اليهود هي التي تشتاق هذه المرة الى العيش في غيتو. وهذا وسواس جديد قديم وأصبح التاريخ يضحك ضحكه المُر، فاليهود الجدد الاسرائيليون يتبنون طرق عمل

 

الالمان النازيين محا الله اسمهم وذكرهم ومعايير احكامهم. وهم يفحصون عن أصل الدم ثم يُدخلونهم في الغيتو. ولا يعوزنا سوى الخرقة الصفراء التي قد تعود هي ايضا لأنه كيف سنعلم من هو اليهودي في الدولة اليهودية؟ ألا يُحتاج الى علامة تعريف للتعرف على اليهودي (أو غير اليهودي في الأساس) – وأبرز علامة تعريف هي نجمة داود الصفراء القديمة السيئة في طرف الثوب.

 

هذا هو الزمان الاصفر الجديد الذي يجتمع فيه يهود اسرائيل عائدين الى محبسهم. واسرائيل تقوم بكل ما تستطيع كي لا تُقبل في المنطقة حولها، فهي فيلا في الغابة – وليس هذا الجهد سياسيا أو عسكريا فقط. فلا دخول ايضا لثقافة الشرق الاوسط وللفن والتاريخ العربيين ولطلاب اللجوء الافارقة ولكل من ليس يهوديا. وأصبح كل اسرائيلي يعرف يقول: دولة يهودية؛ ونشك في أن يكون هذا الانسان يعرف ما القصد من ذلك. أهي دولة شريعة يهودية؟ أهي دولة حكم ديني؟ من غير زواج مدني ونقل عام يوم السبت ومع صلاة المزوزة في كل باب تقريبا – إنها دولة يهودية، فهل تكون غير يهودية دون كل ذلك؟ أتكون مع 50 ألف طالب لجوء (غير يهودي) وتصبح "يهودية" من غيرهم؟ لم نقرر بعد هل اليهودية دين أم قومية، بل لم نقرر الى الآن من هو اليهودي. فالشيء الأساسي أننا نريد دولة يهودية، دولة يعترف بها محمود عباس الى أبد الآبدين.

 

لكن طبيعة دولة اسرائيل ستحدد بطرق اخرى، فليس الدم الجاري في عروق سكانها هو الذي سيحددها بل نظام حكمها وثقافتها ومجتمعها. إن العربي من الطيبة اسرائيلي بقدر لا يقل عن "إبن سبط منشه" من حدود بورما جيء به الى كريات اربع. وابن اللاجئين الافارقة الذي ولد هنا وترعرع وتربى في اسرائيل، وأصبحت اللغة العبرية لغته وإيال غولان مطربه وبوعيل تل ابيب (أو المكابي) فريقه – هو اسرائيل بقدر لا يقل عن والد صغير السن في "عطيرت كوهنيم". فاذا كنتم تريدون خرقة صفراء فلتكن خرقة للجميع، لجميع الاسرائيليين.