خبر استبداد الأنظمة و تطرف القاعدة وجهان لارهاب واحد.. بقلم: د.وليد القططي

الساعة 07:06 م|14 مارس 2014

 

عندما اندلعت الثورات العربية المعاصرة المسماة بثورات الربيع العربي ضد الأنظمة العربية الحاكمة المستبدة , لم يكن من المتوقع أن تصطدم هذه الثورات بتيارات التطرف الديني التي تحمل فكرا تكفيريا إقصائياً لكل من يخالفها أو يختلف معها , فأصبحت هذه الثورات كالهارب من الرمضاء إلى الجمر , أو كالفار من النمر ليجد أمامه الأسد , فالاستبداد السياسي الذي تمارسه الأنظمة , والتطرف الديني الذي تمارسه القاعدة وأخواتها وجهان لإرهاب واحد جوهره يتمثل في استخدام العنف أو التهديد باستخدامه , وإيجاد حالة من الخوف والرعب وعدم الأمن في المجتمع , واستغلال العنف والتهديد به والخوف وعدم الأمن لتحقيق أهداف سياسية واجتماعية وغيرها. وهذا الإرهاب الممارس من الطرفين يأخذ أشكالاً متعددة كالقتل والسجن والتعذيب والتدمير والتخريب والتكفير والتفجير وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي والإرهاب الفكري وغيرها من الأشكال..

 

فالإرهاب هو ثمرة لكل من الاستبداد السياسي للأنظمة والتطرف الديني للقاعدة لأنهما يستقيان من معين واحد ماؤه ملوث , ويشربان من نفس الكأس المسمومة , وتحكمهما منهجية واحدة في التفكير , تستند إلى احتكار الصواب من دون الناس , وامتلاك الحقيقة المطلقة , ورفض الآخر المختلف وإقصائه عن الشهود والوجود. وهما يمارسان الإرهاب بحجة محاربة أحدهما للآخر , فالأنظمة الحاكمة تستبد وتمارس الإرهاب تحت مبرر محاربة التطرف الديني ومحاربة القاعدة , والقاعدة ومن يسير في فلكها تتطرف وتمارس الإرهاب تحت مبرر محاربة الاستبداد السياسي ومحاربة الأنظمة , وتحت غطاء شرعي يزعم إقامة شرع الله في الأرض , وهذا يقودنا إلى البحث عمن يسبق الآخر: الاستبداد أم التطرف؟ مما يعود بنا إلى السؤال المحيّر من الذي يسبق الآخر: الدجاجة أم البيضة؟ فالإجابة على هذه الأسئلة غير ممكنة فضلاً عن أنه لا فائدة منها , ولكن من الواضح أن كليهما يستفيد من وجود الآخر , ويستخدم الآخر كفزّاعة لإخافة الناس من الطرف الآخر..

 

ورغم أن الاستبداد السياسي والتطرف الديني يتبادلان المسئولية في نشأة كليهما إلا أن تفسير نشأة الاستبداد السياسي ليس لمجرد ردود الفعل على التطرف الديني والعنف الذي تمارسه بعض جماعات وحركات الإسلام السياسي كما هو الحال في القاعدة وتيارها الفكري السلفي التكفيري , بل هو نشأ نشأة أصيلة ناتجة عن فهم منحرف للسلطة وممارستها واحتكار السلطة وامتيازاتها المادية والمعنوية , وعدم قبول مبادئ الشراكة السياسية وتداول السلطة والرقابة الشعبية على السلطة وحرية الرأي , وناشئ أيضاً من تراث ثقيل متخلف مليء  بتألية  الحاكم وجعله ظل الله في الأرض , وتكريس طاعة أولى الأمر حتى لو كانوا فاسقين ومخطئين كما أن التطرف الديني لم ينشأ فقط بسبب الظروف الخارجية كالاستبداد والفقر والبطالة والتخلف والظلم , بل هو أيضاً أصيل في التراث الإسلامي ناتج عن فهم ديني منحرف وطريقة تفكير لا تقبل الاجتهاد ولا تحتمل الاختلاف , ويستند إلى نصوص أسيء تفسيرها أو فسُرت بطريقة اُحادية حرفية بدون إعمال العقل فيها , ويؤمن بعقيدة الفرقة الناجية وباقي الفرق هالكة في النار , ويؤمن بفكرة شعب الله المختار مع حصر الشعب المختار على جماعته أو مذهبه. وهذا التطرف إضافة إلى أنه أصيل فهو أيضاً قديم قدم ظهور الخوارج وإشهارهم السيف في وجه المجتمع الإسلامي وقتلهم الخليفة الراشد الرابع بعد أن كفرّوه فكرّسوا متلازمة التكفير والتفجير فذهبت سنة مجرمة إلى يومنا هذا..

 

فالاستبداد السياسي للأنظمة العربية الحاكمة , والتطرف الديني للقاعدة وأخواتها المتحالفة أو المتقاتلة هما وجهان لإرهاب واحد , وهما صنوان يشربان من نفس البئر الذي يروّى شجرة الاستبداد والتطرف , فأثمرت ثماراً خبيثة بطعم الحقد والكراهية والعدائية والتعصب والتصلب , وجذور هذه الشجرة التي أنتجت كلاً من الاستبداد والتطرف تستقي من نفس الأرضية الفكرية التي لها منهج تفكير واحد يعتمد على اُحادية الرؤية ( رؤية العالم وتفسير الأحداث وتقييم الناس من خلال زاوية فكرية واحدة تملك الصواب والحق المطلق ) , والثنائية القطعية ( تصنيف الناس إلى نوعين: فمن يؤيد فيعُتبر مع الحق ومخلصاً ومؤمناً وصديقاً , ومن يعُارض فيعُتبر ضد الحق وخائناً وكافراً وعدواً , ولا وسط بينهما ) , والرؤية الإقصائية ( رفض واستبعاد الآخر المختلف – دينياً ومذهبياً وفكرياً وسياسياً وعرقياً... – تصل إلى القتل لاستبعاده من الوجود ) , والتعصب ( التعصب مع جماعته وضد الجماعات الأخرى ) , والحزبية المتطرفة ( التي تمنعه من رؤية الخطأ في حزبه وجماعته , وكذلك تمنعه من رؤية الصواب في الأحزاب والجماعات الأخرى ) , والتصلب الفكري ( الثبات , والجمود والحرفية في التمسك بالنصوص ) , ورفض الآخر المختلف ( عدم الإيمان بمبدأ التعايش السلمي وفكرة التعددية في المجتمع ) , والنزعة التسلطية ( نشر الأفكار بالقوة والعنف ) , والتفكير الشمولي المركزي ( تعظيم دور الدولة والسلطة على حساب الفرد وشخصيته وإنسانيته ) , والإيمان حكم النخبة المميزة والسلطة المطلقة ( الإيمان بوجود شخص أو نخبة تمثل الحق المطلق وقيادة ملهمة خارقة للطبيعة بدون ضوابط معينة).

 

وفي الختام فقد أرهقت الأمة بين الاستبداد السياسي والتطرف الديني , ولا بد من طريق ثالث يخلصها من هذين التطرفيين والاستبداديين , طريق يجمع بين نقيضيهما: الديمقراطية والتسامح , الديمقراطية في الفكر السياسي والممارسة السياسية والاجتماعية من أعلى قمة الهرم السياسي إلى كافة المؤسسات السياسية والاجتماعية , والتسامح في الفكر الديني والممارسة الدينية والاجتماعية , التسامح الذي يمتلك رؤية وسطية للإسلام , تؤمن بالتعايش السلمي والتعددية , وتحترم حقوق الإنسان وكرامته وعقله , وتستوعب البعدين: القومي والوطني ولا تتناقض معهما , رؤية تجمّع ولا تفرق , وتوّحد ولا تفسّخ رؤية تستوعب التراث الصحيح وتتجاوزه بما ينسجم مع الثوابت الدينية وتثرى واقعنا المعاصر وتفيدنا في حياتنا العملية. رؤية تستطيع أن تميّز بين العدو والصديق فلا تحرّف البوصلة عن وجهتها وتفتعل صراعات داخلية لترُيح العدو المركزي للأمة..