خبر لحظة الحقيقة عشية زيارة الرئيس عباس المرتقبة لواشنطن..بقلم: عصام يونس

الساعة 06:08 م|09 مارس 2014
أ.عصام يونس
في السابع عشر من هذا الشهر يتوجه الرئيس أبو مازن إلى البيت الأبيض فيما يبدو أنه تتويج لمفاوضات رعاها وزير الخارجية الأمريكية لحوالي تسعة أشهر. هذا التتويج هو أحد خطوتين قام بالأولى منها، بنيامين نتنياهو بزيارته للبيت الأبيض منذ يومين، والثانية بعد تسعة أيام، ننتظرها جميعا بحذر وقلق شديدين.
حملت زيارة نتنياهو دلالات عديدة،أهمها تأكيدها على أن لا تغيير في الموقف الاسرائيلي، وبأن هامش المناورة والاختلاف بين الإدارة الأمريكية والحكومة الاسرائيلية يضيق بحيث يكاد لا يذكر.وفقا لما نشرتهوسائل الإعلام إخبارا وتحليلا، فإن الحكومة الإسرائيلية لا زالت على مواقفها حيث لم ينتظر نتنياهو وفريقه كثير وقت بعد انتهاء اجتماع القمة في البيت الأبيض ليجتر نفس الخطاب العدائي والعنصري السابق على اللقاء، والرافض للحد الأدني لما يمكن أن يقبله أي فلسطيني. ويبدو مؤكدا أن زيارة الرئيس عباس، ستكون بدورها فرصة للإدارة الأمريكية لتعظيم الضغوط عليه والتي لما تتوقف منذ تسعة أشهر لثنيه عن مواقفه برفض ما هو معروض عليهسيما المتعلق منهابيهودية الدولة ومدينة القدس.
جرت المفاوضات، ولازالت، في ظل اختلال عميق للقوة بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال حيث تواصل عدوانها على الشعب الفلسطيني وتباعد بينهم وبين تحقيق مشروعهم الوطني أكثر من أي وقت مضى، بتفتيت وحدة أراضيهم وتكثيف مصادرتها وتوسيع الاستيطان اليهودي في قلب الديموغرافيا الفلسطينية،وهو ما يدفع الكثيرين للخلوص إلى الحقيقة الفاجرة بأن الدولتين كحل لتسوية الصراع، يكاد يكون جزءا من خطاب الماضي أو أقرب إلى شعار اعتراضي لا يقصد به أن يتحقق يوما.كما وتجري المفاوضات في نسختها الأحدث في ظل انقسام خطير يطال بتأثيراته الكارثية مختلف مناحي حياة الفلسطينيين بما يهدد وحدة هويتهم الوطنية الجامعة على نحو غير مسبوق في تاريخهم.
تجري المفاوضات في ظل حالة من تغييب العقل وإلى قدريةأقرب إلى المؤامرة، من التشظية والتفتيت في دول الإقليم، حيث تصارع بعضها على وحدة أراضيها وأخرى على وجودها، فالاقليم في حالة من الانكفاء على الذات لم يشهدها في تاريخه،بما يعني أنه لا يشكل، على الأقل حاليا، تهديدا فعليا لدولة الاحتلال، ما قد يستمر لفترة من الزمن قبل أنيهدأالتسوناميالذي ضرب المنطقة وهو ما لا يستطيع أحد التنبؤ بمالآته. هي فرصة أقرب إلى الحلم بالنسبة إلى دولة الاحتلال، حيث الانسحاب نحو الداخل الوطني لدول الاقليم، وموضوعيا بمحاولة تنحية المؤامرة جانبا، ترك ظهر الفلسطينيين عاريا في حالة من الانكشاف غير مسبوقةسابقا على هذا النحو.
كل عوامل الضعف تلك تجعل من دولة الاحتلال والإدارة الأمريكية تدركان بأنهما أماملحظة تاريخة فارقة يجب التقاطها لتمرير تسوية تحسم القضايا الكبرى في الصراع، وتنزع عن الفلسطينيين أي ممكنات لتحقيق مشروعهم الوطني ولإلحاق الهزيمة بهم من الناحية التاريخية، والمفارقة بأنها تعمل ما استطاعت إلى ذلك سبيلا لأن تكون هزيمتهم بموافقتهم وأمام التاريخ. على الرغم من كل ذلك الاختلال وعناصر الضعف الفاضحة، فإن الفلسطينيين لا يزالون يحوزون "كثيرا" من عناصر القوة أهمها،عدالة قضيتهم والشرعية التي تستحوذها، وكما كان يقول شارل الحلويوما "بأن قوة لبنان في ضعفه" فإن قوة الفلسطينيينعلى ضعفهم ومظلوميتهم، تكمن في القوة الأخلاقية لقضيتهم ونضالهم كشعب تحت الاحتلال تعرض لأقسى أشكال العدوان والتذويب. ومصدر القوة الآخر، ذو الدلالة الفائقة، هو أنجزءمهم منهم، يعد بالملايين موجود على أرضه متشبث بها، وفي حالة من التزايد السكاني المضطرد ما يسبب كابوسا لدولة الاحتلال ومن نقاط ضعفهالمؤكدة. قد ينظر للفلسطينيين بأنهم تحت ضغط عامل الزمن حيث يجري قضم أراضيهم وتهويدها في عملية منظمة، لم يتمكنوا من وقفها في ظل نفاق دولي واضح، ولكن بالمقابل أيضا، فهمبدورهم، يضعون دولة الاحتلال تحت ضغط عامل الزمن مترافقا مع حقيقة وجودهم على أراضيهم بعد ما يزيد على ستين عاما من الطرد والتشريد واللجوء، فإسرائيل تنظر للديموغرافيا ولعامل الزمن المرتبط به، بلا شك نظرة عنصرية ولا أخلاقية، كخطر حقيقي ووجودي.
ومصدر القوة الآخر أن قضية فلسطين هي دولية بامتياز، وفي أحدى تجلياتها ترتبط بالحقيقة المؤكدة أنها في نهاية الأمر صنعتها جماعة الأمم بقرار منها في الأمم المتحدة حيث رسمت دولة للكيان بقرار تقسيمها لفلسطين وبعجزها عن حل قضية لاجئيها وفقا لما شرعته من قرارات.
ونقطة القوة المركبة الأخرى هي (الجغرافيا والتاريخ) عندما يتعلق الأمر بأوروبا،ومهما بدا انها تنخرط في نفاق سياسي في الصراع، فإن الجوار الأوربي يشكل عنصر قوة للفلسطينيين بعلاقتهم بتلك العجوز، مقارنة بهؤلاء الموجودن فيماوراء الاطلنطي، ففلسطين هي جزء من الحديقة الخلفية لأوربا، لاتستطيع غض الطرف عما يحدث فيه ومن حوله، وهو ما يفرض عليها نظاما غير متحقق بعد من توازن المصالح، أما في التاريخ، فإن تاريخ أوربا الاستعماري فرض حلا للمسالة اليهودية المؤرقة أوربيا، على حساب شعب فلسطين وأرضه ومقدراته، وهي الان تدرك أنه لابد من يكون هناك توازنا ما، فيما يمكن أن يشكل أساسا مقبولا في التسوية، ومن هنا ياتي التأكيد على عدم قانونية المستوطنات وتجميد تمويلها والتلويح بالمقاطعة ومواصلتها دعم حل الدوليتن. هي نقطة قوة حتى وإن كان هدف ذلك في نهاية الأمر كما يبدو هو إنقاذ اسرائيل من نفسها وليس ضمانات العدالة. إن تاريخ اوربا في الصراع وما ارتكبته من خطايا كبرى بحق الفلسطينيين يدفعون ثمنه عذابا وتشريدا يؤكد أخلاقيا، بأنه، حقا، هناك بعد الكفر ذنب.
ونقطة الضعف الحقيقية التي حذر الجميع منها، وأظن الرئيس عباس نفسه بدوره قد أدركها وناشد العالم بالوقوف معه دفاعا عنها في خطابه المؤثر في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من العام 2012 عندما طالب بعضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، وهي أن لا مفاوضات في ظل الاستيطان وأنه لابد من تغيير مرجعيات التفاوض في إطار زمني صارم ينهي الاحتلال ويعيد للفلسطينيين حقوقهم. ذهب الرئيس ابو مازن للمفاوضات، طوعا أو كرها، دون تلبية تلك الشروط، في ظل حالة إنكشاف خطيرة، متعرضا إلى ضغوط هائلة، فالولايات المتحدة التي قررت دس أنفها مرة أخرى، بلعب دور الوسيط، في عملية السلام البائسة التي لم تنتج ألا وهما وسلطة من كرتون، مستغلة أزمات السلطة المالية وحقيقة اعتمادها الهائل على ما سواها ماليا وسياسيا لتجبرها على الدخول لحظيرة التفاوض، وإذا لم يكن من المفاوضات بد فمن العار ألا تفاوض دون إسناد شعبي وتوافق وطني وتظهير للموقف الوطني من كل القضايا التي يجري التفاوض حولها. وانطلقت المفاوضات ولا يعلم أحد ما يدور بها، وهو ما يعكس جزءا من أزمة النظام السياسي في إدارة شأنه العام، فقضية المفاوضات التي تعالج القضية الوطنية بمشروعيتها وتفاصيلها، لايعقل أن يبقى ما يدور فيها خلف الأبواب المغلقة، يتلمسه الفلسطينيون بعضا من اشاعات أو معلومات من صحافة المحتل. إن لحظة الحقيقة تقترب، مع زيارة أبو مازن لواشنطن، وهو ما يذكرنا بزيارة الزعيم الخالد ياسر عرفات عندما عاد من كامب ديفيد رافضا التوقيع على وثيقة استسلام شعبه. فالزيارة تستوجب الآن توفير كل أسباب النجاح لها فلسطينيا، أي الوقوف مع الرئيس في مواجهة ما يتعرض له من ضغوط في رفضه التنازل عن الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني. لقد آن الآوان لتجاوز مربع القبيلة والاستقطاب السياسي الحاد، لشعب لازال تحت الاحتلال، حتى لا ندفع جميعا ثمن ما قد ينتج عنها.
وتبقى نقطة الضعف التي لا تقل خطورة عن كل ذلك، هو عدم استعداد الفلسطينيين إلى سيناريو اليوم التالي لفشل المفاوضات، فالرئيس أبو مازن وطاقم التفاوض، يبدو أنهم قد وضعوا البيض كله في سلة واحدة، يذهبون للتفاوض ليس فقط دو توافق وطني وربما حتى فتحاوي، بل دون خيارات حقيقية، وهي بالضرورة ما يجب ان تكون جاهزة قبل الشروع في المفاوضات ذاتها وبديلا عنها وهي مصدر قوة للمفاوضات وليست عامل ضعف، بأننا نمتلك المبادرة ولسنا تحت ضغط طاولة التفاوض أو انسداد أفق العملية نفسها مصحوبا بضغوط حقائق الواقع الوقحة. 
بالمقارنة مع ما قامت وتقوم به دولة الاحتلال، فهي تذهب للمفاوضات وفي جعبتها كثير من الخيارات ليس أقلها تكرار مشهد الفصل الأحادي مرة أخرى ولكن في الضفة الغربية هذه المرة، وضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية إليها. 
ويبقى ما لدى فلسطين الرسمية، خيار التوجه للأمم المتحدة بأجسامها المختلفة ولمحكمة الجنايات الدولية، وعلى أهمية ذلك، وهو ما أجد فيه صعوبة لاعتباره خيارا من حيث الأساس، وهو أقرب لأن يكون جزئية تخدم أحد الخيارات، وليس خيارا بذاته أبدا. ويبقى السؤال، كيف سيكون اليوم التالي لفشل المفاوضات؟
في ظل هذا الواقع شديد الالتباس والتعقيد،تم تحديد زيارة الرئيس محمود عباس إلى واشنطن، هي رحلة القضية الوطنية الفلسطينية، لا رحلة الرئيس، هو طريق الآلام الذي سوف تسير به إلى الجلجلة حيث ينتظر بيلاطس النبطي صلبها، لا يكفي عندها، "شعب اورشليم" الولولة والندب. إنها لحظة الحقيقة التي تستوجب اعمال العقل فيما هو تهديد وجودي، بفعل ما هو قائم من ضغوط هائلةوما يقدم للفلسطينين من عدو ومن وسيط لاهو بنزيه ولا بعادل.
تعرض الرئيس ولازال إلى جملة من الضغوط الهائلة وهو في انتظار المزيد منها في السابع عشر من هذا الشهر، هو يدرك ذلك وجميعنا ندركه أيضا، فتحنا وحماسنا وما بينهما. وفقا لما تشي به المعلومات،  فإن الرئيس حتى هذه اللحظة لازال رافضا لما يعرض عليه، وسيرفضه إذا بقي على حاله لا يستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني الوطنية وحقوقه المشروعه ورفضه بالقطعة او بالجملة ليهودية الدولة التي تعني هزيمة كبرى للفلسطينيين وانقلابا على التاريخ وعلى المسوغ الأخلاقي لحقهم في وطنهم ونزع المشروعية الأخلاقية والتاريخية عن حقيقة وجودهم ونضالهم وكفاحهم. وستكون المرة الأولى التي يقبل بها المظلوم رواية الظالم وينزع الشرعية عن نفسه في احتقار للذات وللتاريخ بماضيه وحاضره ومستقبله، وللرواية السردية الفلسطينية ولاجيال عاشت في فلسطين ولازالت. إن الشعب الفلسطيني وقواه ومكوناته المختلفة وبعيدا عن ترف التحليل وبؤس الخطاب، المؤامرتي في غالبه، وتراجيديا الانقسام، مطلوب منه أن يعيد الاعتبار لنفسه بالانتصار لقضيته في مقاومة الضغوط التي يتعرض لها وفي إعادة تظهير الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. ليذهب الرئيس إلى واشنطن طوعا أو كرها متسلحا بإرادة شعبه وقواه الحية في معركته التي يخوضها أو التي أجبر على أن يخوضها نيابة عن الفلسطينيين. إنني وإذ اعيد التأكيد على موقفي الرافض للمفاوضات لأسباب كثيرة ذكرتها في أكثر من مقال، فإن القضية فيوضعها الراهن يجب أن لا ترتهن بالموقف الرافض أو المؤيد للمفاوضات على أهميتة، بل بالخطر الحقيقيالمتمثل بالتهديد الحقيقيللفلسطينيين وقضيتهم العادلة وكفاحهم المشروع والتي تسعى دولة الاحتلال وفي وجود وسيط يكاد يتماهى مع الظالم في مواقفه، نظرية وممارسة، إلى حسم القضايا الكبرى في الصراع وهو ما لن يكون إذا ما أدرك الجميع أننا نخوض معركتنا للحفاظ على حقوقنا مهما كانت التكلفة والتي علينا عندها أن ندفعها جميعا ومعا، تتملكنا لحظة من لحظات الكبرياء الوطني والثقة في عودة الرئيس من زيارته رافضا لكل الضغوط للانتقاص من الحقوق الوطنية لشعبه في لحظة فارقة سوف يتذكرها التاريخ له بأحرف من نور، تنهي الانقسام الذي ادمى قلوبهم وتعيد الاعتبار لمشروعهم الوطني وكفاحهم المشروع وقضيتهم العادلة.