خبر الواقـع العربـي البائـس وأثره على القضيـة الفلسطينيــة.. بقلم د. وليد القططي

الساعة 07:16 ص|06 مارس 2014

* لعل أهم المتغيرات السياسية في الثلاث سنوات الأخيرة في الواقع العربي هي الثورات العربية التي اُطلق عليها ثورات الربيع العربي , فكانت الآمال المعلّقة عليها كبيرة بأن تحرك المياه الراكدة في محيط الركود العربي ليلحق العرب بركب الحضارة بعد أن تجاوزهم , وقطار الديمقراطية الذي فاتهم , ورغم أن الوقت لا زال مبكرا لإصدار تقييم نهائي لمسار هذه الثورات إلا أن الجانب المتعلق بالقضية الفلسطينية يمكن رصده بوضوح في الوقت الراهن مع وجود احتمالات مفتوحة على المستقبل قد تتضمن نتائج مختلفة عن الارتدادات الحالية .

* وقبل استخلاص هذه الارتدادات على القضية الفلسطينية لا بد من تشخيص الواقع العربي الراهن البائس الذي يمكن تحديد أهم معالمه بالآتي :

أولا : بالنسبة لثورات الربيع العربي , فهي ثورات حقيقية – وليست مؤامرات خارجية – تفجّرت بسبب تراكم الظلم والاستغلال والفساد والاستبداد على امتداد عشرات السنين , قامت بها شعوب مظلومة فقيرة ضد أقلية ظالمة مستبدة تحتكر السلطة وامتيازاتها المادية والمعنوية . كما أن هذه الثورات قام بها الشباب الذي فقد مستقبله في ظل أنظمة الاستبداد والفساد , ولم تقم بها الأحزاب التقليدية المعارضة كاليسار والإخوان وغيرهم الذين لحقوا بالثورات وبعضهم استفاد منها والبعض الآخر استغلها بطريقة نفعية . وهذه الثورات في مجملها سلبية النتائج – حتى الآن على الأقل – وتراوحت نتائجها بين حرب أهلية مدعومة من أطراف إقليمية ودولية (سوريا ) , وتفكك الدولة وتحّولها إلى دولة فاشلة ( ليبيا ) , وقيام ثورة مضادة بتحالف العسكر والنظام السابق والخصوم السياسيين ( مصر) , وقيام نظام هجين من المعارضة والنظام السابق ( اليمن ) ,  والعمل تحت ظل النظام القديم ووفقا للسقف الذي يحدده          ( المغرب ) وتحويل الثورة إلى صراع بين المذاهب – الشيعة والسنة – حيث المعارضة التي تمثل الغالبية المحكومة الشيعية ضد الأقلية الحاكمة السنية ( البحرين ) وفي بعض الدول تمت رشوة الفئات المهمشة المرشحة للقيام بالثورة قبل اندلاعها ( السعودية ) . كما أن هذه الثورات وقعت بين فكي كماشة . فمن جهة استبداد الأنظمة وقمعها وعنفها , ومن جهة أخرى تطرف الحركات الناطقة باسم الإسلام كالقاعدة وأخواتها . التي ركبت الثورة وحرفت مسارها في اتجاهات لا علاقة بالثورة بها . ومن الملاحظ أيضا أن هذه الثورات ليس لديها قضايا كبرى كالوحدة العربية والتخلص من التبعية الاستعمارية والقضية الفلسطينية .

ثانيا : من أهم ملامح الواقع العربي الراهن البائس هو انهيار النظام السياسي العربي الرسمي الممثل في جامعة الدول العربية , التي كانت تمثل بالحد الأدنى إطارا سياسياً جامعا للعرب يحفظ وحدتهم بالحد الأدنى , وهذا ترتب عليه أيضا عدم وجود دولة عربية قائدة لها مشروع قومي عربي يمكن أن يلتف حوله العرب بالترغيب أو الترهيب , كما كان عليه الحال في مصر الناصرية , وفرعي حزب البعث العربي الاشتراكي في كل من العراق وسوريا , والدولة العربية الوحيدة التي لها مشروع سياسي يمتد خارج أراضيها هي المملكة العربية السعودية ولكنه ليس مشروعا قوميا ولا مشروعا إسلاميا , بل مشروعا مذهبيا يدور في فلك المشروع الأمريكي ويخدمه , ويتقاطع مع الكيان الصهيوني في أهدافه العامة  كما هو حاصل اليوم خاصة في إيران وسوريا ومصر .

ثالثا : وكذلك فإن الواقع العربي يشير إلى أن القوى الإقليمية المؤثرة في المنطقة جميعها ليست عربية , وجميعها لها مشاريع خاصة بها وهي : الكيان الصهيوني وتركيا وإيران , فالكيان الصهيوني يمتلك مشروع إسرائيل الكبرى في المنطقة الذي يعتبر جزءا من المشروع الغربي في المنطقة وركيزته الأساسية .  وتركيا أردوغان لها مشروع إحياء الإمبراطورية العثمانية في المنطقة , وإيران تتحرك وفقا لمشروع كبير يتفق مع إيديولوجية الثورة الإسلامية التي فجرّها الإمام الخميني قبل أكثر من ثلاثين عاما . هذا إضافة للمشاريع الدولية للدول الكبرى , فأصبحت الساحة العربية مرتعا لمن يريد اللعب وساحة فارغة تنتظر من يملؤها , وأصبح العرب مفعولا بهم وليسوا فاعلين .

وهذا الواقع العربي البائس انعكس بدوره بطريقة سلبية على القضية الفلسطينية وأهم هذه الآثار هي :

* أن الربيع العربي قد همّش القضية الفلسطينية , وانتزعها من صدارة المشهد العربي لتتراجع إلى الصفوف الخلفية في سلم أولويات المواطن العربي . كما لم يعٌد هناك عمق عربي داعم للقضية الفلسطينية بعدما تراجعت القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي العربي وعلى المستوى الرسمي , وذلك نتيجة لعدة عوامل هي : الانكفاء إلى القطرية بعدما تفاقمت المشكلات القطرية لكل دولة , وانتشار فكر التيار السلفي الذي حرّف البوصلة عن القدس وفلسطين وأجج الصراع الداخلي في كل منطقة ينتشر فيها , والانقسام الفلسطيني الذي دنّس سمعة الثورة الفلسطينية وأصاب طهارة البندقية في مقتل . كما أن الربيع العربي ضرب محور المقاومة بعد اندلاع الأحداث في سوريا , والارتباك الذي حدث لدى حركة حماس في علاقتها بهذا المحور نتيجة لارتباطها بمحور آخر بعيدا عن المقاومة سرعان ما تبيّن هشاشته بعدما سقط حكم الإخوان في مصر , وتراجع الدور القطري في المنطقة , وانكفاء تركيا اردوغان على نفسها . وبعد تحّول الجيش المصري إلى القيام بأعمال شرطية في الداخل المصري , واستنزاف الجيش السوري في حرب استنزاف طويلة , وقبل ذلك تدمير الجيش العراقي في حرب لا ناقة فيها للأمة ولا جمل لم يعد هناك  أي جيش عربي يمكن أن يهدد الكيان الصهيوني خاصة في دول الطوق , ونشأ وضع جديد وهو أن المقاومة في فلسطين ولبنان أصبحت وحيدة أمام ترسانة الجيش الإسرائيلي – رغم أن هذه الجيوش خرجت عمليا من الصراع منذ عشرات السنين – إلا أنها قد تشّكل في المستقبل تهديدا للكيان الصهيوني إذا حدث تغير في بنُية هذه الأنظمة الحاكمة . ومن آثار الواقع العربي البائس على القضية الفلسطينية أنه لا توجد قوة عربية ضاغطة – ولو بالحد الأدنى – على الدول الغربية المساندة لإسرائيل , بعدما أنهار النظام السياسي العربي , وبعدما أصبح البترول سلاحا بيد الغرب وليس سلاحا ضدهم . وآخر هذه الآثار هو عدم وجود غطاء سياسي لطرفي الانقسام بعدما اختفى نظام مبارك الغطاء السياسي لسلطة رام الله , ونظام مرسي الغطاء السياسي لسلطة غزة , فأصبحت كل من السلطتين يتيمة أمام العدو الصهيوني سواء بالمفاوضات أو المقاومة .

وأخيرا فإن هذا الواقع العربي البائس وأثره السلبي على القضية الفلسطينية محكوم بالمعطيات الحالية للواقع العربي القابلة للتغير والتحول لصالح المسلمين والعرب وفلسطين إن عاجلاً أو أجلاً بمنطق القرآن وسنن التاريخ التي تشير إلى أن المستقبل للشعوب وحتمية زوال الاستعمار .