خبر رحل « أبو عرب » .. يا زهر القصيدة ...سنغطيك بلوزها

الساعة 05:58 م|03 مارس 2014

د.بسام رجا - اعلامي فلسطيني

أن تستفيق فلسطين على بحة صوت " أبو عرب " القادم من غربة طالت" هدي يا بحر هدي"  فهذه  كانت له حين زارها قبل أعوام بدعوة من اللجنة الوطنية الفلسطينية للثقافة والعلوم- ومسد شعر الحقول المجزوز في قريته الشجرة التي انتزع منها وهو في ال17 من عمره- في رحلة قاسية أوصلته وعائلته إلى بنت جبيل ليستقروا بعدها في سورية.

في "الشجرة" الجليل الأعلى  قرية شاعر الثورة ومطربها  إبراهيم محمد صالح  كانت أولى الذكريات..,التي سترافقه في سنوات عمره ال 83 ..,ففيها  علق أول موال على كوفية أخفت بياض الشعر من هول ما رأى في تآمر على فلسطين ومذابح وسكاكين غُرزت في قرى وبلدات دافعت عن نفسها وانتمائها لوطنها.

من واقع الغربة ووطأتها على فقدان الوطن تفتحت في صوته المعتق  كل ذكريات  الطفولة وعذاب الفراق .., فاشتعلت حنجرته بماء التوق لبئر القرية العطشى ليد حانية تمسح الغبار عن حبل غسيل لم يزل ينتظر..وفاضت صور الحنين تلف أيامه – حنين القرية- حنين العرس – حنين الدحية..فأطلق أشجار مواله في العام 1966 بعد إنطلاق الثورة الفلسطينية بعام..,ليلتحم بالمقاتلين .لكنه قبل ذلك كان ميجانا العرس والسهرات والبكاء في ليل طويل ينتظر مراكب العودة مع عيون أدماها الفراق.

مبكراً التقى مع كتاب  ومثقفين وشعراء وقادة...عرفهم عن قرب وعرفوا فيه ذاك الصوت الشجراوي المحمل بكل نداءات العودة _ من الشهيد ياسر عرفات الى غسان كنفاني-- ناجي العلي- ماجد أبو شرار-أبو اياد- مظفر النواب- جمال عبد الناصر- الابنودي- يوسف الخطيب- أحمد فؤاد نجم ..وأسماء كثيرة.

وتبدأ رحلة الشاعر" أبو عرب" مع ياظريف الطول إلى أغنية" شيلو شهيد الوطن" لتوزيع أغاني التراث الفلسطينية ..ليفرد شاعر الثورة كوفية الميجانا في سماء الوطن العربي ...حين أصبح رمزا للغناء الشعبي الفلسطيني في إذاعة الثورة الفلسطينية في العام 1978بتسجيلة مئات الأغاني التراثية التي صدحت بقوة تعابيرها وصوته الحنون المعانق شغاف القلب.

حمل في أغانيه التي أثرت في أجيال الحنين للوطن – الأمكنة- العرس- العيد- ليعيد بناء المكان ويؤثثه في ميجانا الروح والاوف التي تبني خمائل العودة والتشبث بالارض,وكأنه يريد أن يختصر الوقت وقت العودة ويحرض عليها – عودة الأرض بقوة الحياة بقوة الجهاد..وهو الذي قدم ولده لأجل فلسطين.

لم يكن " أبو عرب" مجرد مطرب أوشاعر يسعى للشهرة أو المكانة أو ليحتل صور الأغلفة- فزيه الفلسطيني كان جواز سفره وصوته المتوجع والحالم بالعودة سر الانتماء – بل آمن بأن إعادة إنتاج التراث وتأصيله والعمل على ايصاله لكل بيت فلسطين مهمة لاتقل عن الرصاصة في وقعها..وكان ذلك للفتى الذي ظل أمينأ للتراث وارتباطه بالانتماء والهوية.

الفرقة التي شكلها" أبو عرب" بإمكانات ذاتية وسميت فرقة "فلسطين للتراث الشعبي" جالت أوروبا والوطن العربي...ذهبت الى حيث العربي والفلسطيني وغنت للإنسان للحياة .. للشهيد للمقاومة, للعودة ,للمكان...لتواجه كل من زَيف وسَرق ويسرق تراث وحضارة شعب لم يزل يقاوم.

في بيته امتداد مخيم حمص – كل شيء بداخله فلسطيني- ويستقبلك بالابتسامة- ويطربك بمواويله – ويسألك هل أعجبك؟ أتريد أيضاً.

تلك الشخصية الفريدة الوطنية الكبيرة – لم تكن مبهورة إلا بفلسطين ولم يغن إلا لفلسطين..وعلى فراش المرض غنى بكل قوة وكأنه يخبر البيارات أني عائد إليك ولو بموال أخير.

رحل شاعرنا ...ضميرنا...أجملنا...كبيرنا...رحل عاتباً أن فلسطين لم تزل تنتظرنا..وحالنا أمة العرب ليس بأفضل حال..رحل ولم ينكسر ولم يستسلم لألم المرض.

رحل منشداً لفلسطين في لحظاته الأخيرة ...فلروحك أيها الشجروي غناء الشجر وأنت من سقى كل نباتات الغربة بصوت فاض بماء الحنين بملايين المواويل ومئات الأغاني تلوح  لوطن لم تتعب ذاكرتك ولم تخونك في الغناء لحضوره .

"أبو عرب" مال الجسد فمالت فلسطين...يازهر القصيدة سنغطيك بلوزها.