خبر هل المقاومة أسطورة؟!.. علي عقلة عرسان

الساعة 06:07 م|28 فبراير 2014

تسمع في هذه الأيام الأغرب من الأغرب مما "يدخل" في باب الرأي والموقف ووجهة النظر، فتغصّ فيما تسمع كما يغصّ الآكل بلقمة من علقم، أو يشرق الشارب بما هو أمر من الصاب، ويزيد من عجبك ومن ألمك وتنكيدك أن بعض من يتكلمون هم من أصحاب البيت والجرح والقضية أو ممن يفترَض فيهم أن يكونوا كذلك، وممن يعنيهم أمر ما يتكلمون به مثلما يعني غيرهم وربما أكثر.. وقد استمعت وقرأت لأشخاص من بينهم لبنانيون جنوبيون وفلسطينيون تحت الاحتلال وعراقيون وسوريون ومصريون اكتووا أو اكتوى مواطنيهم بنار العدوان..إلخ، يكتبون ما مضمونه ".. آنه قد آن الأوان الكف عن الأخذ بخيار المقاومة"، وبعضهم يقول إنها أسطورة، والكلام فيها وعنها من الأساطير، " خياراً وتصديقاً واعتقاداً"؟!، وبين أولئك لبنانيون جنوبيون يدهشونني إذ يقولون إن المقاومة اللبنانية، من وجهة نظرهم طبعاً، هي أصلاً  أسطورة والكف عن الكلام فيها وعنها كف عن الحديث في الأساطير؟! وفلسطينيون يذهبون في بعض هذا مذاهب شاى.. ويأتي هذا منهم مع كل ذلك الحضور الذي للمقاومة، وما قامت به من مواجهات في لبنان مع الاحتلال الصهيوني، وما خاضته من معارك وما سجلته من وقائع منها تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني، وهزيمتها لجيش لحد وللكيان الصهيوني في عامي 2000 و2006 على الخصوص، وعلى الرغم من وجودها المادي والمعوي بأشكالهما الصلبة هناك؟! وذلك القول في المقاومة اللبنانية والفلسطينية " غزة وسواها من فلسطين" وفي غيرهما، وفي المقاومة اللبنانية على الخصوص.. هو قول مردود على أصحابه الموصوفين، وهو لا يعبر عن قصور في المعرفة، ولا عن انحياز لطرف لبناني أو فلسطيني فقط يقول بنزع سلاح المقاومة أو يراها " صبيانيات" تلهو بألعاب أطفال وتسبب بألعابها تلك ما تسببه من مصائب، ويعتبرها أو يصنفها "إرهابا" وفق موقفه ورؤاه؟!، ويحمِّلها مسؤوليات العدوان الإسرائيلي على لبنان والمخيمات الفلسطينية وغزة و.. إلخ، بل يذهب بأصحابه إلى دائرة أخرى فيها الاتهام وفيها ما هو أكثر من ذلك بكثير، لأنهم لم يذهبوا إلى حد القول بأن المقاومة أسطورة أو " إرهاباً" فقط، بل إلى تبني مواقف هدامة لصرح المقاومة وفتاكة في عضد المقاومين، وتحدثوا بكلام يجيء في إطار مطالبة الكيان الصهيوني بإدراج كل مقاومة له ولاحتلاله في لائحة الإرهاب والعداء للسامية، والمس بأمن إسرائيل، التي يضعونها "فوق القانون؟" وقيمة أخلاقية وفق عنصريتهم التي ترى إبادة الفلسطينيين حقاً مشروعاً ودفاعاً عن اليهود؟!.. وقد تبنى الأميركيون والكثير من الأوربيين المطالب والآراء والمواقف والأحكام الإسرائيلية، ومعهم عرب من العرب بينهم لبنانيون وفلسطينيون؟! ولكن بعض أولئك الذين يرفضون المقاومة من اللبنانيين خصوصاً يقولون بتحول الحزب المقاوِم ومقاومته إلى حزب سياسي، في أحسن التسهيلات السياسية وأفضل أشكال القبول المدني بوجوده على الساحة السياسية، من طرفهم، ولا يقولون بأسطورية المقاومة بالمعى السلبي، كما يقول بذلك قائل جنوبي المنشأ، أوربي الإقامة، صهيوني الهوى..!؟ أما من يرفضها من الفلسطينيين فيمضي في التنكر لدورها ويحمِّلها مسؤوليات العدوان الإسرائيلي والضعف والتمزق الفلسطينينيين، ويصنفها إرهاباً في حالات.. ويمضي في مفاوضات مع العدو الصهيوني يصفها بالعقم، ولا يتردد في المضي في طريقها محملاً مسؤولية ذلك المضي فيها إلى الوضع العربي ككل، من دون أن يحدد بديلاً يخترق به الأجواء العربية المكفهرة، ويخرج منها إلى فضاء مشمس بدلاً من عتمة سماء ملبدة بغيوم لا مطر يرجى منها.   

إن بعض تلك الآراء والمواقف والمطالب التي ترى في المقاومة عبئاً، أو إرهاباً، أو "أسطورة" وتقول بالخلاص منها، مطالب مزمنة من جهة وبدائلها إفلاس سياسي وتسليم للعدو بما يريد، وارتماء في أحضان المستعمرين والصهاينة، مع "غنج" المستحثة على الإقبال برفض يغري ولا يقصي!! وهي مطالب تدخل في باب اللغو الكريه من وجهة نظر الأحزاب المقاومة أو المقاومات الحزبية، ولا تستحق من أولئك تعاملاً جاداً معها، بل ترى أن ما تفعله تلك الجهات وما تقول به يملي عليها أن تمضي قدماً في الأخذ بالخيارين "العسكري والسياسي"، أي بالمقاومة المسلحة والعمل السياسي، وأن ذلك يتطلب منها امتلاك أسباب القوة لمواجهة قوة الاحتلال الصهيوني الغاشم وعدوانه المستمر، واكتساب مزيد من المناعة والممانعة للوقوف بوجه المثبِّطين، لكي تتمكن من الاستمرار في العمل على تحرير فلسطين وما تبقى من أرض لبنان تحت الاحتلال، والمساهمة في تحرير المقدسات الإسلامية المحتلة التي تهم المسلمين كافة، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك الذي تُنتهك حرمته باستمرار من جانب الاحتلال، وتتصاعد أشكال التهويد المحيطة به في مدينة القدس خاصة وفي فلسطين عامة.. وتقدم الدليل بعد الدليل على أهمية المقاومة وضرورتها لا سيما في فترات الضعف العربي العام، وتسوق في الحجج والبراهين والمسوِّغات ما يقوم العدو الصهيوني هذه الأيام بأعمال أكثر من استفزازية للفلسطينيين والعرب والمسلمين، حيث يذهب إلى أكثر من التهويد والعمل على تقسيم حرم المسجد الأفصى بين المسليمن واليهود، كما قسَّم مسجد مدينة الخليل ومقام إبراهيم هناك.. وهو يتخذ في هذه الأيام قرارات لا يمكن التصديق بأن عاقلاً يتخذها، مثل قرار الكنيست الإسرائيلية قبل أيام بأن تشراف دولة الاحتلال، التي أعلنت عن ضم القدس إليها سابقاً، على المسجد الأقصى:" أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين"، مستغلة الأوضاع العربية والإسلامية السيئة، والانقسامات الكبيرة الخطيرة في الصفوف، والاحتراب العربي العربي، والعربي الإسلامي، اللذين أهدرا كرامة الأمتين وحقوقهما في الخافقين، وأضعفا كل عربي ومسلم، وأهدرا دماً زكياً  في معارك خارجة على مفاهيم الدين " الإسلام" وقيمه وتعاليمه.. معارك تجري في سورية وفي العراق وفي أقطار عربية وإسلامية أخرى لا تخدم سوى أعداء العروبة والإسلام، وترفع من شأن الظَّلَمة والفاسدين المفسدين من الحكام وحواشيهم ومن أمراء الفتنة ومواليهم، وتعلي شأن تحالفاتهم مع أعداء الأمتين والدين على كل شأن وتواليهم، مما نهى الله عنه في تحذير واضح صارم قاطع، وذلك قوله تعالى في كتابه العزيز: ﭽ ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣﯤ  ﯥ   ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ     ﯮ  ﯯ  ﯰ   ﯱﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯵﯶ  ﯷ  ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﭼ آل عمران: ٢٨  

إن المقاومة خيار أوحد في الظروف العربية الحالية التي لم يبق فيها للواقعين تحت الاحتلال أمل في تحرك أقطار أو جيوش عربية لحمايتهم، بلْهَ نصرتهم وتحريرهم والخروج بهم مما هم فيه.. وذلك لكي يدافعوا عن أنفسهم ولا يذبحون ذبح النهاج، ولكي تبقى قضيتهم العادلة حية، وليرفعوا أمام الأجيال القادمة راية التحرير بمصداقية. والمقاومة تدخل في باب الدفاع عن النفس فضلاً عن كونها حقاً مشروعاً لكل شعب يتعرض للاحتلال، ولكل من يفترسه الظلم والقهر والتمييز العنصري بأشكاله وألوانه وظلال أشكاله والوانه.. أما قول من يقول اليوم بأسطورية المقاومة، بالمعنى السلبي للكلام والمفاهيم والخيارات، فهو ضالٌ مضلل فتاك كالداء العضال في جسم الأمة، وهو يخدم سياسات معادية لشعبه ووطنه الواقع تحت الاحتلال أو المستهَدين من قبله بكل أشكال التهديد والانتهاك.. وأولئك يتصدرون منابر ويصدرون عنها وهي منابر في خدمة أعداء الأمة ولا تقوم إلا بالتشهير والكيد والافتراء والتضليل، وتفتح أسواقاً فاسدة مفسدة لتجار الكلام والسياسة والنضال والمواقف والمبادئ.

تخطئ المقاومة، أي مقاومة، حين تضع سلاحها في غير مواضعه، وحين توجهه في اتجاه ليس هو الاتجاه الصحيح الذي يخدم أهدافها الرئيسة وثوابتها المبدئية، حيث يرمي العدو فيصميه ويصيب منه المقاتِل، وقد ترتكب مقاومة ما ما هو أكبر حين تؤجر بنادقها وتتلون بألوان وأغراض من يشترونها أو يزحلقها لتقع في هذا المطب أو ذاك، ومن ثم ينالون منها حتى من دون أن يخطط بعضهم لذلك، وترتكب المقاومة، أي مقامة، الخطأ الأكبر والأشد خطورة عليها من أي خطأ فادح حين توجه سلاحها إلى بعض حواضنها في احتراب سياسات واخلافات عابرات هشة الأغراض قياساً إلى أغراضها السامية " الدفاع عن النفس والتحرير"، تجر احتراباً وتؤدي إلى فتنٍ، أو حين  تشهر  ذلك السلاح بوجه تلك الحواضن أو المحتَمل منها.. فذاك أمر لا يساهم في تجفيف منابعها البشرية والمادية والمعنوية فقط، ولا ينشِّف ضروعاً يمكن أن تصب لبنها في إنائها وحسب، بل هو أمر يحوِّل فئات شعبية من كونها رصيداً لها أو في حساب أرصدتها المحتَملة إلى أعداء لها، سواء أكانوا  مكشوفين مجاهرين بذلك العداء أم سلبيين ينطوون على عداء دفين في الأنفس وطيات القلوب..  وهذا ليس في صالحها ولا هو في صالح القضايا التي تتبنها والخيارات التي تأخذ بها والشعب الذي تحمل راية حقه ومهمة الدفاع عنه والتعبير عن وجدانه.

وعليه فإن من يختار الكلام فيما اعوجَّ من طرق المقاومة وما انحرف عن مساراته وأهدافه الصحيحة من نهجها وممارساتها وسياساتها، عليه أن يلج إلى ذلك من موالج الوضوح ولا يدلج إليه في بُهمةٍ من ليل، وعليه أن يصدع برأيه وهو واضح الانتماء صحيح الرؤية سليم الموقف ما أمكن، شفيف المأل والمقال ب‘خلاص، ويحسُن به أن يلج إلى ما يريد  من أبواب الحكمة بالحسنى، مزوداً بالحجة والمعلومة الموثقة والعلم بالأمر والمعرفة بالبيئة والمناخ الذي يحكم الناس والأفعال، وعليه أن يبدي الرأي بصراحة ويسدي النصح بصدق ومودة، وأن يدافع عن الموقف الحق بجرأة من وجهة نظر تحرص على ألا تزيغ أو يُزاغ بها، وأن يفعل ذلك بما أوتي من صريح الانتماء للشعب وقضاياه والحرص على الحق والعدل وكل ما يبينهما وينصرهما.. فبذلك ومن أجله يصوِّب ويقارب ويرمي ويجتهد فيصيب أو يخطئ، أما إذا كان ما يفعله وما يصدر عنه ويرمي إليه على الضد أو النقيض من ذلك، فهو إما جاهل بالمسالك مضيع للفرص، وإما مسكون بسوء طوية تؤدي إلى سوء لفظ ومعنى ومبنى، أو بمعاداة من يسدي إليهم النصح حيث يصدر عن خبث ولؤم وسوء نية وخبث طوية، لأنه موالٍ لأعدائهم أو مستأجَر من قبل أولئك الأعداء ليقول ويفعل ما يريدون وما يخدم أهدافهم وخططهم، سواء ألبس إلى ذلك لبوسهم، أو تزيا بزي من يأخذ عليهم المآخذ ليضلهم بذريعة "الشفقة منه عليهم أو التعالي بالمعرفة؟!",, وأسوأ هذه الأصناف جميعاً ذلك الذي يصدِر الأحكام على قومه وأهله أو على أناس يراهم من بعيد بعين أعدائهم أو كما يصورهم الأعداء الذين يقيم بينهم وهو بعيد عن الأهل والبيئة والمناخ والمعاناة والهدف، لا يعيش ظروف من لا يكتوي بنارهم..

المقاومة من أجل تحرير الأرض والشعب، ومن أجل الدفاع عن النفس والأهل والمال والعرض والحق والمقدسات، ولرفع الظلم وإحقاق الحق وإقامة العدل.. ليست إرهاباً ولا جنوحاً ولا ضلالاً ولا أساطير ولا هي مآخذ على من يقومون بها بشرف ويضحون على مذابحها بالغالي النفيس، حتى لو كانت في أدنى درجاتها من القوة حيال من يملك قوة أكبر من قوتها ومن قدرتها على التحمّل.. فمعارك التحرير، والدفاع عن الحق والعدل والحرية، وعن الوطن والدولة، وعن المواطن وحقوقه وحرياته ومقومات عيشه وأمنه، وعن هوية الشعب بكل قيمها ومقوماتها وإرثها وتراثها.. لم تكن في يوم من الأيام مدانة، ولا تنطلق من هعادل القوى والموازين الاستراتيجية المتساوية أو حتى المتقاربة، فهي معارك ضرورة تتصل بالدفاع عن النفس وعن البقاء بتمايز مشروع، والقيام بذلك واجب وطني وقومي وإنساني، بل هو أكثر من واجب وشبه فرض عين، والمسالك إلى ذلك مسالك تُختار بواقعية وعقلانية ومهارة، حيث تجنب أهلها والسالكين فيها المهالك، وتتقدم بهم ولو خطوة على طريق إنجاز هدف من الأهداف أو الاقتراب خطوة نحو إنجازه. ومن يقوم بفعل من شأنه أن يشكك بذلك أو يضعف التوجه نحوه أو يفتَّ في عضد القائمين به أو القائمين عليه، هو شخص إما ضعيف بجبن، أو أمَّعة لا يمكن أن يملك إرادة حرة ورأياً مستقلاً، أو ضالاً مضللاً لجهل فيه أو لعمالة تستخدمه ويخدمها، أو هو متهرء الظاهر والباطن في ذاته وعميق صفاته لا ينفع معه الرتق ولا الرقع.. هذا إذا كان الشخص المعني ممن يُعدّون من أفراد بيت المقاومة الواسع بألوانه وأطيافه أو ممن يشكلون حواضنه وبعض طينته، ومن المستنقَذين بفعل المقاومة عندما تحقيق أهدافها جزئياً أو كلياً.. أما إذا كان من خارج القوم والملة والطينة والوطن فهو العدو أو من في حكمه، لا سيما حين يفعل ذلك الفعل الهادف إلى النيل من مقاومة  مشروعة عادلة.. وعند ذلك فهو المشهَر سيفاً على الأمة والمعروف بالعدواة نحوها.. وله في هذه الأحوال حكمه المعروف بين الأمم والشعوب عبر التاريخ وجغرافية الأوطان.

دمشق في 28/2/2014