خبر الشمال المتوحش.. معاريف

الساعة 04:51 م|28 فبراير 2014

بقلم: عمير ربابورت

 

          (المضمون: نصرالله يغير قوانين اللعب بوعده الرد على الهجوم على ارسالية السلاح والذي نسب لاسرائيل - المصدر).

 

          لو أن كل شيء كان يجري حسب الكتاب، ما كان حزب الله ليتطرق بشكل رسمي للهجوم المنسوب لسلاح الجو ليل يوم الاثنين؛ ولكن حسن نصرالله غير قواعد اللعب. الطقوس حتى الان كانت على النحو التالي: اسرائيل أعلنت بشكل رسمي عن سياسة في اطارها لن تسمح بنقل سلاح ذي مغزى استراتيجي من سوريا الى لبنان. وبين الحين والاخر، كما زعم في وسائل الاعلام الدولية، نفذت هذه السياسة من خلال هجوم كان دوما داخل الاراضي السورية. ولكن الهجوم المنسوب لسلاح الجو يوم الاثنين من هذا الاسبوع، نفذ، حسب بيان حزب الله، داخل الاراض اللبنانية؛ في البقاع الشمالي (على مسافة غير بعيدة من الحدود السورية).

 

          لقد تجاهلت سوريا وحزب الله في الماضي المنشورات عن الهجمات، واسرائيل هي الاخرى رفضت بحزم اخذ المسؤولية على ما نسب لها. وكانت الفرضية هي ان سوريا وحزب الله غارقان حتى الرقبة في الحرب الاهلية في سوريا، وليس لهما مصلحة في فتح جبهة حيال اسرائيل حتى في حالة الهجوم. اعتراف او بيان اسرائيلي سيشجع فقط على الرد. وهذه الفرضية لا تزال سارية المفعول، غير أن بيان حزب الله كفيل بان يؤدي بنصرالله الى أن يرد "في المكان والزمان المناسبين"، كما تعهد في بيانه. وهو يمكنه أن يفعل ذلك من خلال عملية تنسب في الاشهر القريبة القادمة "لمجنون لبناني" (مثل النار على استحكام راس الناقورة لسلاح البحرية قبل شهرين)؛ من خلال عملية في الخارج دون بصماته؛ او في محاولة اغتيال لمسؤول  اسرائيلي (الامكانية التي على اي حال تؤخذ بالحسبان منذ تصفية عماد مغنية في شباط 2008؛ حسب مغنية لا يزال مفتوحا من ناحية نصرالله).

 

          صحيح أن في اسرائيل يفضلون عدم المخاطرة، ولهذا فان التحفز في الاستحكامات التي على طول حدود لبنان رفع، والمزارعون تلقوا التعليمات بعدم الاقتراب من الحدود خشية نار القناصة. ومع ذلك فان التقدير هو ان احداث الاسبوع الاخير ليست احداثا ستغير الوضع في الشمال بل تشكل فقط  تعبيرا آخر على التغييرات الدراماتيكية التي وقعت في الساحة الشمالية في السنوات الثلاثة الاخيرة. كما ادت هذه التغييرات الى تغيير دراماتيكي في استعدادات الجيش الاسرائيلي.

 

          من روسيا مع الحب

 

          المشهد الشاعري في مثلث الحدود بين اسرائيل، سوريا والاردن، فوق نهر اليرموك، لا يكشف عما يحدث على الارض. ففي الجانب الاردني تعززت القوات جدا (ووصل غير قليل من العتاد الامريكي)، بينما في الجانب السوري، قرب درعا، استكمل مقاتلو الجهاد العالمي الملتحون وحالقو الرؤوس سيطرتهم على المنطقة. في باقي مناطق الحدود مع اسرائيل، على طول هضبة الجولان يسيطر اليوم رجال منظمات اخرى من الثوار، ذوو طابع علماني أكثر، باستثناء اربعة جيوب بقيت بسيطرة جيش الاسد.

 

          احد هذه الجيوب، في منطقة تل كدنا في وسط الهضبة، هو ساحة القتال الاساس في هضبة الجولان هذا الاسبوع. فقد حاول جيش الاسد رفع الحصار الذي فرضه الثوار على قواته الذين لا يزالون يحتفظون بالتل. غير أن ضعف الجيش السوري يكاد لا يدرك: في كل أرجاء سوريا تبقى له فقط 1.000 دبابة و 70 طائرة في وضع قابل للاستخدام، بينما السلاح الكيميائي في سياقات التفكيك المتقدمة في اعقاب الاتفاق مع الولايات المتحدة. وما يبقي اليوم نظام الاسد متماسكا هم مقاتلو حزب الله الخبراء وعلى ما يبدو ايضا قوات روسية (في الاشرطة التي ينشرها الثوار السوريون يظهر حتى رجال دبابات روس يشاركون في المعارك، وان كانت روسيا تدعي بانها لا ترسل الى الاسد الا مستشارين).

 

كما ان مساهمة ايران في بقاء الاسد حاسمة: بالسلاح، بالمستشارين وبالمقاتلين هنا وهناك. وفي هذه الاثناء فان القتال في سوريا ورط حزب الله جدا في الداخل ونقل المعارك، السيارات المتفجرة ونار الصواريخ الى قلب معقله ايضا في الضاحية الجنوبية في لبنان، بالذات في الفترة التي ثبتت فيها المنظمة مشاركتها في الحكومة اللبنانية الجديدة. وكقاعدة، فان هذه ليست ايام الازدهار من ناحية حسن نصرالله.

 

الجدار الذكي

 

          توقعت قيادة المنطقة الشمالية ووزارة الدفاع التغيير في الوضع وبدأت باقامة جدار فاصل جديد في هضبة الجولان قبل اكثر من ثلاث سنوات. ففي اسرائيل توصلوا الى الفهم بعد اقتحام الفلسطينيين الاراضي الاسرائيلية قرب مجدل شمس في ذكرى النكبة في 15 ايار 2011، في أنه في الجانب السوري من الحدود تنشأ فوضى.

 

          بعد ثلاث سنوات من بدء الاشغال انتهى جدار جديد ومماثل للجدار الفاصل على الحدود مع مصر (مشروع يسمى "ساعة الرمل"). على الجدار لا توجد وسائل جس الكترونية (هذه توجد في هذه اللحظة فقط على الجدار القديم الذي لم يفكك). بالمقابل، يوجد غير قليل من الكاميرات والرادارات الحديثة المربوطة بغرفة عمليات واحدة تعالج المعلومات في اطار مشروع تكنولوجي طموح يسمى"ميرس" (منظومة متعددة الجساسات). وهكذا بدلا من الدوريات التي لا تنتهي على طول الجدار الفاصل تهرع اليوم القوات بالاساس عندما تثور حاجة. وبدلا من عشرات نقاط المراقبة توجد في كل لحظة معطاة بضع نقاط فقط.

 

          ولكن التغيير الاكثر اهمية الذي طرأ هذا الاسبوع في هضبة الجولان، هو خروج وحدة "جاعش" (فرقة 36) من المنطقة والتي كانت مسؤولة عن هذه الساحة عشرات السنين. وقد اعادت الفرقة انتشارها جنوبا واصبحت فرقة متعددة الساحات للجيش الاسرائيلي، يمكنها أن تقاتل في ساحات قتالية اخرى مثل غزة، لبنان او حتى في الجنوب. وبدلا من "جاعش" او وحدات المدرعات التي فككت مؤخرا، ترابط في هضبة الجولان وحدة جديدة تحت اسم "بشان" (فرقة 210)، بقيادة العميد اوفيك بوخارس، رجال غولاني في الاصل. ويدور الحديث عن اغلاق دائرة تاريخية: وحدة "بشان" بقيادة دان لينر كانت في سياقات الانشاء عندما اندلعت حرب يوم الغفران. وبتأخير اكثر من 40 سنة تشكلت الوحدة بشكل رسمي ايضا. وتتحمل وحدة "بشان" من الان فصاعدا المسؤولية عن القتال الجاري في هضبة الجولان وهي تقوم على اساس قوات احتياط تنتمي اليها بشكل مباشر والى قوات نظامية مخصصة للمهام المختلفة بين الحين والاخر.

 

          من يعمل ايضا في الشمال الجديد؟ في لقاء مع مراسلين عسكريين كشف قادة في سلاح البحرية بان حجم النشاط العملياتي لغواصات سلاح البحرية في الشمال ازداد بعشرات في المئة.

 

          في اللاذقية نفذت احدى الهجمات التي نسبت لاسرائيل في العام 2013، وحسب المنشورات دمرت هناك مخازن شملت منظومات صواريخ شاطيء – بحر متطورة من انتاج روسيا، من طراز ياخنت. وكقاعدة يعتبر الياخنت اليوم السلاح الاكثر تهديدا على اسرائيل من ناحية تكنولوجية ومن شأنه ان ينتقل من سوريا الى حزب الله. ويدور الحديث عن صاروخ يمكنه ان يضرب بساعة أكبر بثلاثة اضعاف الصوت حتى بهدف نقطة في البحر، من مسافة حتى 300 كم. ومن شأن الصاروخ أن يضرب سفن سلاح البحرية ويشل نشاط سفن الشحن التي تصل الى مينائي حيفا واسدود او ضرب طوافات الغاز الاسرائيلية.

 

          بين التهديدات الاخرى التي حددتها اسرائيل كخط أحمر يمكن أن يحصي منظومات مضادات الطائرات من طراز اس 300، اس. ايه 17 او اس. ايه 125 (وهي اسلحة مضادة للطائرات متطورة اشترتها سوريا بعد الهجوم على مفاعلها النووي في ايلول 2007)، صواريخ ارض – ارض من طراز سكاد، وبالاساس صواريخ فاتح لمدى مئات الكيلومترات مع اجهزة توجيه تقوم على اساس جي.بي.اس.

 

          رئيس الاركان، الذي كان هو ايضا هذا الاسبوع في هضبة الجولان اشار الى أن "قسما من السلاح انتقل منذ الان الى حزب الله. وقد جرت زيارة غانتس قبل يوم من الهجوم المنسوب لسلاح الجو وان كانت هذه على ما يبدو مجرد صدفة.

 

          كما يبدو، لم يقصد رئيس الاركان صواريخ ياخنت او منظومات مضادات الطائرات التي يمكنها أن تضرب بشدة التفوق الجوي لسلاح الجو في سماء لبنان، بل صواريخ ارض – ارض متطورة توجد منذ الان في ايدي حزب الله. وقدرت محافل امنية اسرائيلية في السنة الاخيرة بان لدى حزب الله نحو 500 صاروخ يمكنها ان تصل الى كل نقطة في وسط البلاد، بما في ذلك وزارة الدفاع في تل أبيب، بدقة 50 متر. من ناحية هذه القدرات، فان حزب الله خطير اليوم بعدة اضعاف مقارنة بالقدرات التي كانت لديه في حرب لبنان الثانية في 2006.