خبر نتنياهو: الزعيم الأقوى شعبياً والأضعف حزبياً

الساعة 07:36 ص|27 فبراير 2014

أطلس للدراسات

أصبح نتنياهو يشكل لغزاً لدى الكثير من الاعلاميين الإسرائيليين، ليس فقط فيما يتعلق بالمفاوضات مع الفلسطينيين، بل وتحديداً بما يتعلق بالحياة الحزبية في إسرائيل، وذلك نتاج تراجع نفوذه وسيطرته داخل حزبه "الليكود" لصالح المجموعة الصقرية، التي باتت تخشى نتنياهو وتشك به حسبما يقول البعض وتتهيأ للتمرد عليه، وأيضاً نتاج رغبة مجموعة قوية من رجال الأعمال والاعلاميين والسياسيين التي تعمل على تحقيق نبوءة تبنيها منذ فترة، حيث من جهة تحتضن نتنياهو وتعتبره الزعيم الأقدر في إسرائيل على صنع السلام والمحافظة على أمن ورفاهية إسرائيل، ومن جهة أخرى ترى أن حزب "الليكود" المختطف والمسيطر عليه من قبل لوبي المستوطنين لن يمكن نتنياهو من السير قدماً في المسيرة السلمية، فتحثه لعدم الالتفات لمتطرفي "الليكود" والاعتماد على دعم الشعب وأحزاب الوسط، بل وتشجعه على استنساخ ما سبق وفعله شارون بالانفصال عن "الليكود" وتشكيل حزب بديل من قوى وأحزاب تيار يمين الوسط.

تصريح زعيم حزب العمل يتسحاق هرتسوغ عن تأييد حزبه لمطلب نتنياهو مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية الدولة، وهو موقف جديد لحزب "العمل" يتساوق مع توجهاته اليمينية في السنوات الأخيرة، فسر من قبل البعض على أنه تقصير لمسافات المواقف التي تباعد بين نتنياهو وهرتسوغ ولبيد وليفني، يجعل من خيار تشكيل كتلة جديده بزعامة نتنياهو أمراً ممكناً، وهو في نظر البعض الأمر الأكثر إلحاحية اليوم لتستطيع إسرائيل التصدي للتهديدات الأمنية والسياسية التي تواجهها، بحيث يمكنها ذلك من التحرر من إرهاب المتطرفين الصقور، ويجعلها قادرة على أخذ زمام المبادرة في القضايا الرئيسية، سواء الخارجية منها أو الداخلية.

ربما هذه التفسيرات هي التي دفعت نتنياهو ليصرح في اجتماع كتلة "الليكود" البرلمانية أنه لن يترك القبيلة، الأمر الذي فسر على أنه التزام منه بالبقاء في "الليكود" على الرغم مما يعانيه داخل حزبه، فهو منذ وقت لم يعد صاحب البيت الحقيقي والقائد ذي السطوة والصلاحيات، فهو يخسر في كل مواجهة ويفقد المواقع لصالح الصقور، لدرجة يقال فيها أنه بات يهمل الاهتمام بالنشاط الحزبي ولم تعد لديه الرغبة في الالتقاء بنشطاء الحزب، ولم يقم بزيارة مكتبه في مبنى الحزب منذ فترة طويلة.

نتنياهو على خلاف شارون لا يمتلك شخصية الأخير الكاريزمية، ولا حتى بعض تاريخه العسكري، ولا قدرته على تكوين رؤية استراتيجية يستطيع إقناع الآخرين بها ويسير بها حتى النهاية، فنتنياهو يوصف بأنه يضغط بسرعة ويرتبك بسهولة ويصاب برعشة الأقدام في اللحظة الحاسمة، مما يجعله متردداً يكثر من الالتفات يمينه وشماله وخلفه، يهتم بما يقال وينشر عنه أكثر من اهتمامه بجوهر القضايا، ولديه جبن مستدام إزاء الحسم في القضايا الكبرى إلا ان وجد خلفه وإلى جانبه من يدعمه من الشخصيات الأمنية القوية مثل ايهود باراك ومن لا يطمحون في خلافته، ويسعى دوماً أن يكون في الجانب المنتصر، حتى في القضايا الداخلية، صغيرة كانت أو كبيرة، فعندها سيستمتع بالحسم وبقص كوبون النصر.

اليوم لا يجد نتنياهو خلفه من يثق به، باستثناء تساحي هنغبي وليبرمان، الذي يقال انه تعهد بدعم نتنياهو وبعدم التنافس أمامه إذا ما تم دمج حزبيهما، وهذا ما يرغب به كليهما بشدة وترفضه غالبية أعضاء لجنة "الليكود" المركزية، أما بقية المتنفذين في "الليكود" يعلون، ساعر، شالوم، وكاتس، فلا يثق بهم ويرى بهم مناورين متربصين لخلافته.

أزمة زعامة نتنياهو "لليكود" تبدت بوضوح في مناورته، التي أطلقها مكتبه، الخاصة بتمديد ولاية بيرس لسنه واحدة على أن يتم خلالها تغيير قانون أساس انتخاب الرئيس ليكون انتخابه من الشعب مباشرة بدلاً من انتخابه من قبل الكنيست، وهو بذلك يناور بأن يمنح الرئيس المنتخب من الشعب قوة شعبية كبيرة، وهو أمر لا يفضله رؤساء الحكومات، وبأن يخسر "الليكود" موقع الرئيس لشخصية مدنية مستقلة أو لشخص من الأحزاب المنافسة، انتخاب الرئيس كان يشكل دوماً للحزب الحاكم مكسباً مهماً لكن خصومة نتنياهو مع المرشحين المحتملين من حزبه  لمقعد الرئيس تجعله يفضل الخسارة، ويقال انه يفضل رؤية العمالي بن العيزر في موقع الرئيس على خصمه الليكودي اللدود رؤوبين ريفلين أو سيلفان شالوم.

معضلة نتنياهو تكمن في أنه الشخص الأقوى والأكثر شعبية في أوساط الجمهور الاسرائيلي عامة، بحيث لا يوجد له تقريباً منافس على مقعد رئاسة الحكومة، لكنه الزعيم الأكثر ضعفاً في حزبه، فهو ان أراد الاعتماد على ثقة الجمهور يستطيع أن يقود باتجاه الحسم، وان اعتمد على حزبه فهو غير مفوض ومنزوع الصلاحيات، إلا باستثناء تلك التي تقود باتجاه التصعيد والتطرف والرفض، لكنه يخاف من الحسم ويخشى من دانون وحوطوبلي ولفين وفيغلين أكثر من خشيته من كيري وروحه السياسية تفيض بالصهيونية التوراتية، وهو سيفضل من بين كل السيناريوهات المطروحة أمامه (سيناريو التقدم في المسيرة السياسية أو سيناريو المبادرة باتجاه الانفصال المنسق أو استمرار الوضع القائم) سيفضل سيناريو استمرار الوضع القائم، فهو السيناريو المثالي بالنسبة لنتنياهو اذا كان مصحوباً ومغلفاً بتكتيك مد حبل المفاوضات والتلاعب بالكلمات وكسب الوقت وعلاقات عامة، فهو سيناريو يضمن له بقاؤه في مكتب رئاسة الحكومة وعلى رأس الليكود لسنوات قادمة طالما بقيت الحالة الفلسطينية والعربية والدولية على ما هي عليه اليوم.