خبر الاستخبارات الإسرائيلية و« التناحر الذاتي » العربي ..حلمي موسى

الساعة 10:18 ص|22 فبراير 2014

ـ السفير

عرض المعلّق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أليكس فيشمان تحت عنوان "نصف الكأس الملآن" خلاصة التقدير الجديد للاستخبارات الإسرائيلية بشأن ما يجري في المنطقة العربية. ويعتمد التقدير على التوصيف الذي دأب قادة الجيش الإسرائيلي على ترداده بعدما تاهت الانتفاضات العربية وانشغل العرب بـ"التناحر الذاتي" والمتلخص في "الفرص والمخاطر".

وهكذا يشير فيشمان إلى أنه برغم استمرار التقدير في شعبة الاستخبارات العسكرية بأن إيران لم تتخلَّ عن حلمها النووي إلا أن إيران نفسها تحت حكم الرئيس حسن روحاني غيرت أولوياتها ووضعت "رفاه المواطن" في المركز. ويدفع هذا التغيير إسرائيل إلى الاعتقاد بأن لذلك "آثاراً مباشرة على قوة المحور المتطرف لإيران وحزب الله وسوريا، فحصّة كبيرة من الموارد التي أُنفقت حتى الآن على نشر الثورة الإسلامية ودعم نظم حكم ومنظمات متطرفة توجه الآن الى داخل إيران".

ويشير التقدير إلى أن هذا التغيّر أفقد الحرس الثوري، الذي يقود المعركة ضد إسرائيل، شيئاً من ميزانيته وقوته، وهو ما انعكس أيضاً في نجاح روحاني في "إزاحة عدد من رجال حرس الثورة عن مناصب رئيسة رفيعة في الاقتصاد والجيش والاستخبارات والعلاقات الخارجية الإيرانية. وكان من نتيجة ذلك أن أخذ يقل الدعم الاقتصادي والعسكري الذي تعطيه إيران لسوريا وحزب الله".

ويعتبر أن هذه "بشارة خير" لإسرائيل خصوصاً "على خلفية تهديدات الجهاد العالمي والفوضى الإقليمية وعشرات آلاف الصواريخ الموجهة عليها والمشروع الذري الإيراني الذي لا يُصد. وهذه (فرصة تاريخية) كما عرّفها رئيس (أمان) اللواء أفيف كوخافي في محاضرة له في معهد دراسات الأمن القومي قبل أسبوعين".

ويرى التقدير الإسرائيلي أن الدعامتين الأخريين للمحور المتطرف في المنطقة، سوريا و"حزب الله"، تضعفان أيضاً، "فصورة الوضع في (الدعامة السورية) للجبهة المتطرفة هي صورة أزمة لا رجعة عنها، إذ انقسم الجيش السوري نصفين، فبقي من جيش كان فيه حوالي 400 ألف جندي بعد ثلاث سنوات من الحرب الاهلية، 200 ألف شخص فقط. والمعطى الأكثر حدة هو مقدار الخسائر التي أصابت الجيش السوري في هذا القتال، والتي بلغت 30 ألف قتيل و90 ألف جريح، وهو عدد اكثر من عدد كل المصابين الذين مني بهم في مواجهاته مع إسرائيل على مر السنين".

ويضيف التقدير أنه "برغم قصص النجاح في معارك محلية، فإن الأسد فقد السيطرة على 75 في المئة من مساحة سوريا. وتقلص عدد الصواريخ والقذائف التي يستطيع إطلاقها. فالروس ينقلون في كل أسبوع مقادير ضخمة من السلاح والذخائر عن طريق ميناء اللاذقية، ولكن هذا الإمداد لا يستطيع أن يجاري معدلات الإطلاق".

وعموماً، يخلص التقدير إلى أن الجيش السوري لم يعد يشكل خطراً فعلياً على إسرائيل، ليس لعدم امتلاكه قدرات نارية، وإنما لأن وجهته لم تعد إسرائيل. ومع ذلك يستدرك التقدير أن سوريا قد تتورط في حرب ضد إسرائيل إذا اقتضت مساعدة "حزب الله" ذلك.

ويبيّن فيشمان أنه وفق تقدير استخباري يوضع أمام رئيس الحكومة كل ثلاثة شهور، فإن مقياس الردع الإسرائيلي لا يزال جيداً. فأعداء إسرائيل في الشمال على يقين أنه إذا نشبت حرب بين إسرائيل و"حزب الله" مثلا، فإن بوسع الجيش الإسرائيلي أن يزرع دماراً أوسع من أي وقت مضى في لبنان. ويستفيد الردع الإسرائيلي من "الهجمات الغامضة" لسلاح الجو لأن "القدرات غير المفسرة ستقلق وتهم العدو دائماً. فإذا كان الإنجاز المطلوب من جيش هو ردع العدو أولا من دون حرب، فالصحيح حتى الآن أن الجيش الإسرائيلي يفي بذلك بحسب هذه التقارير على الأقل".

ويشدد التقدير على أن "الدعامة الثالثة للمحور المتطرف ـ والعدو المركزي للجيش الاسرائيلي ـ هو حزب الله". وبحسب هذا التقدير، فإن إسرائيل تعتقد أن "حزب الله يمر حالياً بواحدة من أقسى الفترات في تاريخه. وبرغم إنجازه الحالي بإدخاله ثمانية وزراء الى الحكومة الجديدة في لبنان، فإن مكانته في لبنان والعالم العربي أخذت تضعف. والذي يتابع موقع الشيخ (يوسف) القرضاوي في الشبكة، وهو أعظم الفقهاء المسلمين تأثيراً في العالم، يستطيع أن يشاهد هناك مطر الشتائم التي يمطر حزب الله بها".

ويعتبر التقدير أن "حزب الله لم يضعف لدى الرأي العام فقط بل ضعف أيضاً لأن الإيرانيين أصبحوا يحولون إليه قدراً أقل من المال ومن الوسائل القتالية. وإذا لم يكن ذلك كافياً فإن الأوروبيين انضموا إلى الأميركيين وأعلنوا أنه منظمة إرهابية وهو شيء لا يزيده قوة". وفضلا عن ذلك فإن "حزب الله متورط اليوم في جبهتين. فهو في حالة تأهب في جنوب لبنان لاحتمال مواجهة عسكرية مع إسرائيل ويدير معركة في جنوب بيروت وفي البقاع اللبناني أيضاً. وفي مقابل ذلك أرسل إلى سوريا إلى الآن بين 3 آلاف إلى 5 آلاف مقاتل يشكلون 20 في المئة من مرتدي البزات العسكرية في المنظمة". ويشير التقرير إلى "قتل بضع مئات من رجال حزب الله في العام ونصف العام اللذين شارك فيهما في القتال في سوريا. ويتحدث أحد التقديرات عن 400 مقاتل هم 10 في المئة من القوة التي أرسلتها المنظمة إلى المعركة".

وعلى الصعيد الفلسطيني، لا ترى إسرائيل أن فشل المفاوضات يقود بالضرورة إلى انتفاضة، وأنه كلما كان الوضع الاقتصادي معقولاً فإن احتمالات انفجار الوضع تكون أقل. ولهذا "توصي الاستخبارات بمد الحبل للفلسطينيين شيئاً ما في مجال التنقل وإعطاء رخص البناء وتطوير المناطق الصناعية وتوسيع صلاحيات ما للسلطة الفلسطينية في المنطقتين (ج) و(ب)".

كما يبين التقرير أن حركة حماس في غزة غدت حالياً على الأقل أكثر انشغالاً بالصراع على حكمها من السعي لمواجهة عسكرية مع إسرائيل. والباعث الرئيس عند الغزيين أيضا اقتصادي، فقد تركهم الإيرانيون وضعف الأتراك وأصبح المصريون يرون غزة عدواً.

وبالإضافة إلى كل ذلك، ترى إسرائيل أن "المحور العربي المعتدل" يتعزز، ويشيرون إلى أربعة قواسم مشتركة مع هذا المحور، خصوصاً مصر والسعودية وهي: محاربة الإخوان المسلمين، ومحاربة الجهاد العالمي، واستقرار الوضع في سوريا، وزعزعة أقدام "حزب الله".

ويضيف التقرير: "يبدو أن اتصالات تجري بين إسرائيل والسعودية وأن رسائل تنقل بواسطة جهات غير رسمية. ويشترط السعوديون شرطين لتنتقل الاتصالات إلى سبل أكثر رسمية، الأول أن تعلن إسرائيل أنها تقبل المبادرة السعودية في العام 2002، والثاني أن يحدث تقدم ما في التفاوض مع الفلسطينيين. وإذا لم يكن عند إسرائيل الكثير مما تفعله مع الفرصة الإستراتيجية التي يعرضها المحور المتطرف، فلا يجوز لها أن تبقى ساكنة في مواجهة الفرصة التي يعرضها عليها المحور المعتدل. فلا شك في أن العلاقات بين إسرائيل والسعودية مرساة إستراتيجية تستحق أن تُدفع مقابلها أثمان سياسية في ميادين أقل إحراجاً ـ مع الفلسطينيين مثلا. لكن المسافة ما زالت كبيرة بين هذه الأقوال والخواطر التي تُسمع في ديوان رئيس الوزراء أيضاً وبين العمل الفعلي".