خبر صالح النعامي يكتب : تحرير حماس من حكم غزة

الساعة 05:42 م|19 فبراير 2014

حماس مطالبة بالتخلص من هذا الحكم، لأن هذا ما تقتضيه أولاً وقبل كل شئ المصلحة الوطنية الفلسطينية. وقبل أن أعدد الأسباب التي تفرض على حماس البحث عن مخرج للتخلص من حكم القطاع، فأني معني أن أشير إلى أنه لا يوجد تهديد مادي جدي لحكم الحركة رغم التحولات الإقليمية والتهديدات التي تنطلق من هنا وهناك. 

 

فإسرائيل والأطراف الإقليمية التي تناصب حركة حماس العداء تعي إن تدخلاً لإنهاء حكم الحركة بالقوة سيؤدي حتماً إلى نتائج عكسية. ومع ذلك يتوجب على قيادة حماس المبادرة للتخلص من حكم غزة، لأن وصول الحركة للحكم ارتبط بتراجع القضية الوطنية الفلسطينية، وأفسح المجال للقيادة المتنفذة في منظمة التحرير مواصلة مسلسل التفريط في ظل أقل قدر من المعارضة الحقيقية، ناهيك عن توفير الظروف لإسرائيل مواصلة التهويد والاستيطان، بدون ممانعة ومقاومة تذكر.

 

لم يكن بوسع حماس المثقلة بهموم الحكم ومسؤولياته أن تتفرغ للتصدي لمسلسل التنازلات واستنفاذ الطاقة الكامنة في عمليات المقاومة، حيث كان من الواضح أن الحكم والمقاومة لا يمكن أن يلتقيا.

المهمة المستحيلة

لقد أثرى وجود حماس في "الحكم" بنك الأهداف الإسرائيلية بشكل كبير، وقلص الحاجة للمعلومات الاستخبارية الدقيقة، فغدت أية عملية تقوم بها حماس تتبع بسلسلة من الردود العسكرية الإسرائيلية غير المتناسبة.

فإسرائيل لم تكتف باغتيال قيادات ونشطاء الحركة العسكريين، بل وجدت الفرصة السانحة في قصف المؤسسات الإدارية والأمنية والخدماتية، لأن الحكومة التي تدير هذه المؤسسات تعود لحركة حماس.

لكن مأزق حماس لم يتوقف عند هذا الحد، فبصفتها الطرف، الذي يدير شؤون قطاع غزة، فقد أصبحت مسؤولة أمام إسرائيل عن العمليات التي تشنها الحركات الفلسطينية الأخرى.

وللأسف، نظراً لأن الحركات الفلسطينية الأخرى، إما أنها معنية بإحراج حركة حماس، أو بسبب ارتباطاتها الخارجية، فقد سارعت لشن عمليات استعراضية ضد إسرائيل، وهي تدرك أن جل الرد الإسرائيلي سيوجه ضد حماس. فعلى سبيل المثال، عندما يقوم تنظيم فلسطيني بإطلاق صاروخ ما على إسرائيل (تسقط في معظم الحالات في مناطق فارغة)، فأن إسرائيل تقوم بالرد بقصف أهداف لحركة حماس، حيث تجاهر إسرائيل بأن ضرب بعض هذه الأهداف سيقلص من قدرة الحركة للاستعداد للمواجهات القادمة.

خيارات ثلاثة

لقد كان الحكم بالنسبة لحركة حماس بمثابة "كوة نار" مجبرة على الإمساك بها، وإن كان الإمساك بها، مع العلم أن لظى هذه الكوة يتعاظم مع مرور الوقت. من هنا يتوجب على الحركة إعادة تقييم تفكيرها الإستراتيجي والبحث عن مخرج يمكنها من التفرغ للمقاومة التي ولدت من أجلها.

 

من خلال الجدل الدائر في الساحة الفلسطينية، تطرح هذه البدائل أمام حركة حماس:

 

أولاً: الصمود والصبر على أمل أن تحدث تحولات في الوضع الإقليمي تعزز مكانة الحركة وتوسع هامش المناورة أمامها من جديد. صحيح أن كل المؤشرات تؤكد أن هذه التحولات قادمة لامحالة، لكنها قد تأخذ الكثير من الوقت، وهو ما يعني استمرار الواقع الحالي لأمد بعيد.

ثانياً: توظيف المواجهات مع إسرائيل في الدفع نحو واقع تتمكن فيه الحركة من التخلص من تبعات الحكم، ولكن هذا السيناريو قد ينطوي على مخاطر كبيرة جداً في ظل الواقع الإقليمي الحالي.

 

ثالثاً: إبداء كل متطلبات المرونة التي تفضي للمصالحة الفلسطينية، على اعتبار أن انجازها سيؤدي إلى تخليص حماس من الحكم.

 

لماذا المصالحة؟

ان انجاز المصالحة يبقى الخيار الأكثر أماناً رغم المحاذير الكثيرة التي تكتنفه. صحيح أن هناك من يرى أن عباس يمكن أن يوظف المصالحة في تمرير تسوية سياسية مع إسرائيل تمس بثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني، بحيث يبدو الأمر وكأنه يتم بمباركة حماس.

علاوة على أن هناك من يرى إن الإقبال على المصالحة في الوقت الذي يعتقد فيه الطرف الآخر أنك تقدم عليها من موقع ضعف، يمكن أن يفرض عليك تقديم تنازلات.

أن بعض هذه المحاذير مبالغ فيه، في حين أنه بإمكان الحركة تحمل تبعات تحقق بعضها. ففيما يتعلق بالتسوية، فان فرص تحقيقها تبدو مستحيلة، لأن إسرائيل غير معنية بالتسوية ابتداءً.

وحتى لو تم الإعلان عن اتفاق إطار جراء تحركات وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، فأن هذا لن يمنع حماس من التعبير عن موقفها المبدأي مما يطرح، كما كانت عليه الأمور قبل وصولها للحكم.

وفيما يتعلق بالقضايا التي تطرح للنقاش عادة في جلسات الحوار، مثل إعادة بناء منظمة التحرير وغيرها، فأنها لم تعد ذات صلة، ولا تستحق من الحركة بذل الجهد والإصرار على إمضاء موقفها.

فعلى سبيل المثال، يتبين الآن أن طرح موضوع إعادة بناء منظمة التحرير غير ذي صلة، لأن النظام الرسمي العربي الحالي لن يسمح بذلك، في الوقت الحالي. وإذا اقتنعنا أن خروج حماس من الحكم مهم ومفيد، فلا مبرر لذبح الوقت في التوافق حول المحاصصة.

ان ما يتوجب على حماس الإصرار عليه في أي اتفاق مصالحة وعدم إبداء أي مرونة فيه هو احترام حق شعبنا في مقاومة الاحتلال بكافة السبل وعدم المس بالأذرع المسلحة للمقاومة، مع العلم أن المطلبين الأخيرين لا يمثلان مطالب حماس وحدها، بل هناك تجمع عليها معظم القوى الفلسطينية.

 

هذا لن يحرر حماس فقط من تبعات حكم غزة وتعقيداته ويعفي الحركة من الأثمان الباهظة التي تدفعها في سبيله، بل أنه سيسمح لها باستعادة زمام المبادرة والمناورة داخلياً وإقليمياً وعالمياً، ويمنحها الفرصة لبناء تحالف فلسطيني واسع يعيد القضية لبؤرة الاهتمام الوطني.