خبر السعودية وحصاد السم في سوريا.. بقلم د. وليد القططي

الساعة 07:00 ص|13 فبراير 2014

* يُعتبر القرار الذي أصدره الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز بتجريم السعوديين الذين يُقاتلون خارج المملكة نقطة تحّول في السياسة السعودية تجاه سوريا بعد ثلاث سنوات من اندلاع الأحداث في سوريا , ولذلك لا بد من البحث في خلفيات وأسباب ودلالات هذا القرار , وكذلك إن كان هذا القرار كافياً لنفض يد السعودية من المستنقع السوري أم لا , وما إذا حصدت السياسة السعودية العسل أم السم من تدخلها في سوريا بعد كل هذا الجهد الذي الذي أنفقت فيه المليارات وقُتل فيه المئات من السعوديين .

* بدأ هذا التحًول منذ أن أطلق الإعلامي السعودي ( داوود الشريان ) حملة ضد الدعاة الذي يروجون للقتال في سوريا ومنهم من ذكرهم بالاسم وهم : محمد العريفي , وسليمان العودة , ومحسن العواجي , والسوري المقيم في السعودية عدنان العرعور .. وما هي إلا أيام حتى انتشرت هذه الحملة في مختلف وسائل الإعلام السعودية كما تنتشر النار في الهشيم , ولاقت تأييداً شعبياً كبيراً في أوساط السعوديين خاصة من الذين فقدوا أبناءهم أو في طريقهم لفقدهم في القتال عديم الجدوى والمعنى في سوريا , وقد تُوجّت  هذه الحملة بالمرسوم الملكي السعودي الذي يجّرم من يُقاتل خارج المملكة بالحبس من ثلاث إلى عشرين سنة للمدنيين , ومن خمس إلى ثلاثين سنة للعسكريين , ويشمل هذا القرار المشاركة الفعلية في القتال , والتحريض على القتال , وتقديم العون المادي أو المعنوي للمقاتلين , والانتماء للجماعات المتطرفة المصنفّة إرهابية في القانون السعودي أو الدولي , ولقد دُعم هذا القرار من أعلى الرموز والهيئات الدينية في المملكة وهم : مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ , والرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور عبداللطيف آل الشيخ , ومن هيئة كبار العلماء التي حرّمت الجهاد بدون إذن ولي الأمر .

* والسؤال المطروح هو إذا كان إرسال الشباب السعوديين للقتال في الخارج خاصة في سوريا خطأ ومخالف للشرع فلماذا سمحت به الدولة السعودية طوال السنوات السابقة ؟ ولماذا سكتت هذه الرموز والهيئات الدينية العليا في المملكة عن هؤلاء الدعاة الذي يُلقون بالشباب في أتون المحرقة السورية ؟ ولماذا كان رئيس الاستخبارات السعودية ( بندر بن سلطان ) يقوم بإطلاق سراح المعتقلين السعوديين من تنظيم القاعدة بشرط ذهابهم للقتال في سوريا وذلك حسب بعض المصادر الإعلامية , وما دوره في التعاون مع المخابرات الأردنية لإرسال المقاتلين عبر الحدود الأردنية السورية للقتال في سوريا ؟ ... كل هذه الأسئلة وغيرها إجاباتها معروفة للقاصي والداني , فلقد كانت المملكة – كغيرها من الدول التي راهنت على سرعة سقوط النظام السوري – تأمل في تصفية الحساب الطويل مع النظام السوري وتحقيق أهداف متعددة ومختلفة من وراء ذلك .

* فهذا الحساب وتلك الأهداف تتمثل في التناقض الإيديولوجي التاريخي بين سوريا البعث ذات التوجه العلماني القومي العربي الاشتراكي وبين السعودية التي تحمل فكراً سلفياً وهابياً متشدداً . كما أن سوريا جزء من محور إقليمي يضم إيران وحزب الله تعتبره السعودية معادياً لها ويهدد مصالحها في المنطقة . وكذلك تُعتبر سوريا جزءاً من محور دولي رأسه الاتحاد السوفيتي سابقاً وروسيا اليوم والسعودية جزء من محور آخر على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك التناقض في المصالح في الساحة اللبنانية حيث تدعم كل دولة طرف مختلف . إضافة إلى التناقض في الموقف من القضية الفلسطينية حيث تقف سوريا إلى جانب المقاومة والممانعة بينما السعودية تدعم ما يُسمى بالاعتدال والتسوية في المنطقة ... فأرادت السعودية من وراء دعم المعارضة السورية إسقاط كل ما تمثله سوريا مما سبق ذكره , ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن حيث حدثت متغيرات عديدة أجبرت المملكة السعودية على تغيير سياستها في سوريا .

فهذه المتغيرات تتمثل في طول أمد الحرب في سوريا , وعدم وجود بوادر على حسم المعركة ضد النظام , بل العكس هو الصحيح حيث ان الكفة تُرجّح لصالح النظام على الأرض . واندلاع الصراع المسّلح داخل المعارضة بين الإخوة الأعداء من أنصار داعش والغبراء مما أصاب دعاة الجهاد في سوريا في مقتل بسبب عجزهم عن تبرير هذا الصراع لا سيما أن جميع المتقاتلين ينتمون لنفس المدرسة الفكرية السلفية  , فأصبح السعودي في داعش يُقتل أخاه السعودي في النصرة أو في الجبهة الإسلامية بدون مبرر شرعي . وكثرة شكاوى الأهالي الذين يُقتل أبناؤهم أو يُفقدوا في سوريا وتحميل الدعاة والسلطات مسؤوليتهم بينما يجلس ابناؤهم في رغد العيش في بيوتهم أو يذهبوا للدراسة في أفضل جامعات الغرب . وهناك من يقول أن هذا القرار الملكي السعودي جاء لقطع الطريق على العناصر المقاتلة كي لا تعود إلى السعودية تحت تهديد السجن  خشية قيامهم بدور يهدد أمن المملكة والنظام فيها , أو الخشية من دعوات قانونية تُرفع ضد المملكة في المحاكم الدولية بتهمة دعم الإرهاب خاصة بعد التقارب الإيراني الغربي . هذا إضافة إلى التغير الإقليمي والدولي من الصراع في سوريا لصالح النظام بعد هيمنة المعارضة المسلحة التكفيرية على الثورة السورية وتلاشى الجيش الحر من الساحة السورية إلى الحد الأدنى مقارنة بالمعارضة المسلحة المتطرفة . كما ان المشروع  السعودي تعّرض لضربة قوية بفعل التفاهم الأمريكي الروسي حول سوريا , وبفعل الاتفاق الإيراني الغربي حول المشروع النووي الإيراني .

* والخلاصة فلقد حصدت السعودية السم من تدخلها في سوريا ومن تحريض دعاتها الشباب السعوديين للقتال في سوريا تحت مُسّمى الجهاد , ومن مشاركة الآف السعوديين في القتال الفعلي في سوريا , ومن إنفاقها مليارات الدولارات على مشروع على وشك الهزيمة والانهيار , بل وقد ترتد آثاره السلبية عليها فتشرب من نفس السم الذي سقته للسوريين . وكان الأوّلى بها أن ترفق القرار الملكي الجديد بتجفيف منابع الفكر التكفيري في المجتمع السعودي , وإغلاق مصانع التكفير والتفجير , وإجراء مراجعة جادة لهذا الفكر التكفيري الذي حوّل الصراع بين الأمة وأعدائها إلى داخل الأمة الواحدة فأطلق غول الفتنة المذهبية من قمقمة وساهم في تخريب الثورة السورية وسرقتها لصالح المشروع التكفيري المتطرف وحرف البوصلة عن وجهتها الحقيقية إلا وهي فلسطين والقدس