تقرير نخب أكاديمية وعسكرية إسرائيلية تتبنى انفصالا منسقا

الساعة 08:09 ص|03 فبراير 2014

القدس المحتلة

في افتتاحه لمؤتمر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في دورته السنوية السابعة؛ قدم رئيس المعهد الجنرال عاموس يادلين أهم استخلاصات المعهد فيما يخص المفاوضات والصراع مع الفلسطينيين، حيث يتوقع فشل المفاوضات ووصولها الى طريق مسدود، محملاً مسؤولية ذلك للفلسطينيين والإسرائيليين، فالفلسطينيون من وجهة نظره لم يحسموا أمرهم تجاه ما أسماها بالتسوية الإقليمية، ويرفضون الاعتراف بيهودية الدولة، ويتمسكون بحق العودة، ولمح الى أن القيادة الإسرائيلية تتحمل مسؤولية دون أن يوضح جوانب مسؤوليتها عن فشل المفاوضات سوى الغمز تلميحاً للتمسك بالوجود العسكري على طول الحدود الشرقية.
وفي تناوله لمخاطر استمرار الوضع القائم؛ تبنى إلى حد كبير خطاب ليفني الذي يحذر من أن استمرار الوضع القائم، استمرار السيطرة والاحتلال وسياسة تشجيع الاستيطان؛ ستؤدي إلى القضاء على فرص حل الدولتين لصالح دولة أبرتهايد أو دولة واحدة تقضي على يهودية الدولة، علاوة على أن استمرار السيطرة على الفلسطينيين، كما يحذر يادلين وليفني، سيعمق عزلة إسرائيل ويزيد من حملة المقاطعة عليها ونزع شرعيتها.
ويستنتج أنه وبرغم اتفاقه مع نتنياهو على أن تسوية الصراع مع الفلسطينيين لن ينهي التهديدات الشرق أوسطية الأمنية والسياسية التي تواجهها إسرائيل؛ لكنه يعتقد أن التقدم على المسار الفلسطيني سيعزز إسرائيل ويساعدها في التقدم في مواجهة التحديات الأخرى، والتي يقف في مقدمتها التحدي الإيراني.


الدعوة للانفصال
يادلين الذي يشخص حالة الجمود والشلل في الموضوع الفلسطيني، ويحذر من مخاطر ذلك على مستقبل إسرائيل ومناعتها؛ يعتقد أنه وبناءً على دراسات معهده أن على إسرائيل أن تبادر إلى تبني خطه بديلة لفشل المفاوضات تنقذها من تلك المخاطر وتعزز موقفها ومكانتها الدولية، وفي نفس الوقت تحافظ على مصالحها الحيوية، وتبقي فرصة واقعية على الأرض مستقبلاً لحل الدولتين، خطة يادلين التي يدعو حكومة نتنياهو لتبنيها تقوم على الانفصال عن الفلسطينيين، حيث يعتقد أن على إسرائيل في إطار هذه الخطة أن تنسحب من قرابة 85 % من مساحة الضفة الفلسطينية، ولأنه يدرك حسبما يقول أن للانفصال سمعة سيئة لدى الجمهور الإسرائيلي (الانسحاب من لبنان ومن قطاع غزة) فهو يقترح أن يكون الانفصال منسقاً مع الفلسطينيين ومع دول ومؤسسات دولية، لتستطيع إسرائيل أن تجني أكبر الفوائد والانجازات من ذلك.


خطة قديمة جديدة
خطة يادلين للانفصال عن الفلسطينيين، والتي بدأت تلقى رواجاً بين بعض النخب السياسية والأكاديمية الإسرائيلية، وهي بمعنى آخر التخلص من الكثافة السكانية الفلسطينية بعد سرقة وضم أكبر قدر ممكن من الأرض؛ هي شكل من أشكال إعادة الاحتلال، ومصادرة الحقوق والحريات الفلسطينية ولكن بشكل يخلص إسرائيل من أعباء الاحتلال ومن ثمنه على مستوى الأمن والسمعة ويخفف التوتر والصدام، ويقطع الطريق عملياً على تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني في اقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة على كل الأراضي المحتلة سنة 67 وعاصمتها القدس، ويفتح ربما لاحقاً خيارات إقليمية أخرى.
التخلي عن السيطرة على مدن الضفة وضم المناطق الحيوية تضمنها مشروع الجنرال يادين الذي قدمه مباشرة بعد احتلال الضفة، ولاحقا اعتمدت علية خطة ابا ابان التي شكلت ولا زالت مرجعاً سياسياً وأمنياً للحكومات الإسرائيلية في القضية الفلسطينية، وكان شارون هو الزعيم الإسرائيلي الأول الذي يعلن رسميا تبنية لفكرة الانفصال عن الفلسطينيين في خطة الانطواء الاولى وخطة الانطواء الثانية التي يقال انه كان عازم على تطبيقها لو استمر في الحكم، وقد أسس شارون عملياً لذلك عبر اقامة جدار الفصل العنصري الذي لخص جملة وموقفاً عنصرياً (نحن هنا وهم هناك، نحن نقرر ونحدد ونأخذ ما نحتاج وليتدبروا أمورهم وفق ما نمنحهم ونبقي لهم)، ولاحقاً أولمرت وموفاز سارا نفس الطريق، حيث أعلن أولمرت نيته تطبيق خطة الانطواء (2) وموفاز أعلن تبنيه لمشروع الدولة المؤقتة، أي أن أفكار وخطة يادلين ليست سوى أفكار وخطط قديمة يصار إلى إعادة طرحها من جديد عندما يصر الفلسطينيون على التمسك ببعض حقوقهم وعندما تصل مسيرة السلام المزعومة إلى طريق مسدود بفعل التعنت الصهيوني، وهي تعبير عن إفلاس ما يسمى بمعسكر السلام الإسرائيلي، وعن استمرار سيطرة العقلية والثقافة والمنهج الاحتلالي العنصري الاستعلائي العنجهي ليس على الشارع الصهيوني فحسب، بل على ما يفترض أنها نخبة الأكاديمية، فضلاً عن السياسية.


فرص الانفصال معدومة
إن فرص تبني انفصال أحادي الجانب أو منسق كما يدعو يادلين تكاد تكون معدومة في ظل قيادة ائتلاف الحكومة من قبل متطرفي "الليكود" ولوبي الاستيطان، وهو أمر سيستمر على الأقل في المستقبل المنظور، طالما بقي الاحتلال معفى من دفع أي ثمن حقيقي لاستمرار احتلاله، سواء على المستوى الميداني أو على المستوى الدولي.
ينقسم الشارع الإسرائيلي ونخبه السياسية والعسكرية والأكاديمية في موقفهم من الانفصال؛ فغالبية كبيرة تنتمي لأحزاب "الليكود" و"إسرائيل بيتنا" و"البيت اليهودي" التي تتمسك بأيديولوجية أرض إسرائيل، وفرض الأمر الواقع الاستيطاني والاحتلالي ولا ترى مخاطر ذلك، وتستذكر نتائج الانفصال عن قطاع غزة، وترفض تقديم ما تسميه أي تنازل للفلسطينيين بدون مقابل فلسطيني، ترفض الانفصال بأي شكل كان، وبعضهم يعتبره خضوع واذعان للإرهاب وتنازل عما يسمونه بحق الشعب اليهودي في العيش على أرضه.
أما القسم الآخر الذي ينتمي لأحزاب لبيد وليفني و"العمل" فإنهم يجدون في الانفصال مخرجاً مريحاً لهم مستعدون لتبينه والترويج له، وهو ما عبر عنه لبيد برغبته بالطلاق من الفلسطينيين، وهو يعبر عن صهيونيي الطبقة الوسطى والنخب الاقتصادية والأكاديمية الذين يطمحون بالفوز بالجائزة الكبرى، ضم قدر كبير من الأرض وتخليص إسرائيل من أعباء الاحتلال المباشر وسمعته السيئة وضم "إخوانهم" المستوطنين إلى دولتهم الموسعة، والتخلص من خطر الديموغرافيا، وإبقاء فرصه لقيام "دولة فلسطينية حسب مواصفاتهم".
أفكار يادلين تعبير عن عمق الأزمة التي يواجهها المشروع الصهيوني، وتعبير عن استمرار التمسك بعقلية عنصرية احتلالية، ستبقى مجرد أفكار طالما بقي نتنياهو وممثلي الاستيطان يسيطرون على الحكم، لكنها مع ذلك ستبقى موجودة كخيار يطفو على السطح كلما اشتدت الأزمة وزاد التصعيد والاشتباك الميداني، وكلما تعمقت أزمة الاحتلال على المستوى الدولي.