خبر «أنصار بيت المقدس»: النشأة والتحوّلات..وسام متى

الساعة 07:47 ص|27 يناير 2014

السفير 27-1-2014

برز تنظيم «أنصار بيت المقدس» على ساحة العمل الجهادي في مصر بعد «ثورة 25 يناير»، حين ارتبط اسمه بمسلسل تفجير خط تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل والأردن.
وينشط هذا التنظيم في سيناء، ويعتقد أن عناصره يحتمون داخل كهوف في جبل الحلال الذي يقع في وسط شبه الجزيرة المصرية التي تحدد اتفاقية كامب ديفيد للسلام عدد قوات الجيش المصري وتسليحه فيها.
ويعتنق عناصر «أنصار بيت المقدس» أفكار تنظيم «القاعدة»، كما أنهم يستخدمون أسلوبه في العمليات الإرهابية أي تفجير السيارات عن بعد أو القيام بعمليات تفجير انتحارية، وهو ما يميّز تنظيمهم عن باقي التنظيمات الجهادية، مثل «جند الله»، الذي يستخدم أفراده البنادق الآلية وقذائف الـ«آر بي جي» في عملياتهم.
وبالنظر إلى تعقيدات الخريطة الجهادية في سيناء، والتداخل في العمل الجهادي بين شبه الجزيرة المصرية وقطاع غزة، فإن من الصعوبة بمكان تتبع المسار الذي سلكه التنظيم منذ نشأته، وصولاً إلى اقتحامه المشهد الامني في مصر بعد «ثورة 25 يناير»، وتحوّله إلى الرقم الصعب في «الحرب على الإرهاب» منذ سقوط نظام «الإخوان المسلمين» عقب «ثورة 30 يونيو».
وبرغم تلك التعقيدات، فإنّ ثمة عناصر يمكن البناء عليها لتحديد هوية هذا التنظيم، وارتباطاته الفعلية والمحتملة بالحركات الإسلامية الأخرى، سواء التنظيمات الجهادية أو جماعة «الإخوان المسلمين».
ويشير المتابعون للحركات الجهادية إلى أن «أنصار بيت المقدس» هو تنظيم فلسطيني في الأساس، وقد نشأ تحت مسمّى «مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس»، الذي حاربته حركة حماس لاعتبارات عدّة، من بينها عدم رغبة الحركة الإسلامية المسيطرة على قطاع غزة في خرق التهدئة المتفق عليها مع العدو الإسرائيلي منذ حرب العام 2008-2009، وخشيتها من بروز حركات مسلحة يصعب السيطرة عليها وقد تنتهي في نهاية المطاف إلى منازعتها مرجعيتها كـ«حركة مقاومة إسلامية».
وبعد الصدام بين «أنصار بيت المقدس» وحركة حماس، انتقل عناصر التنظيم إلى سيناء، عبر أنفاق التهريب المنتشرة على طول الحدود بين مصر وغزة، وكان عددهم يقدر وقتها بنحو 150 شخصاً، وقد عقدوا هناك تحالفاً مع التنظيمات الجهادية الناشطة، سواء الجماعات المعروفة تاريخياً، مثل تنظيم «التوحيد والجهاد» المسؤول عن تفجيرات طابا وشرم الشيخ في العامين 2004 و2005، أو المجموعات المحلية الصغيرة التي اعتنق أفرادها فكر «القاعدة» من خلال التواصل مع المنتديات الجهادية التابعة للتنظيم الجهادي العالمي، إلى أن أصبحوا التنظيم الأكثر قوة على الساحة السيناوية.
ويشير المتابعون للشأن الجهادي إلى أن «أنصار بيت المقدس» تأسس على يد هشام السعيدني، الملقب بـ«أبي الوليد المقدسي»، من مخيم البريج في غزة، وهو من مواليد القاهرة سنة 1969 من أب فلسطيني وأم مصرية، وقد اغتالته اسرائيل في غارة جوية يوم 13 تشرين الأول العام 2012.
ويعد السعيدني أحد قادة الجماعات السلفية الجهادية في غزة والمعروفة إعلاميا بـ«جماعة التوحيد والجهاد»، والتي خرج من لدنها تنظيم «مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس»، وهو اسم آخر لتنظيم «أنصار بيت المقدس»، بحسب ما يقول المتابعون لشؤون الحركات الجهادية.
يذكر أن اسم ابو الوليد المقدسي برز في ملف اغتيال المتضامن الإيطالي فيكتور اريغوني، حيث استعانت به أجهزة الامن التابعة لحركة حماس في محاولة لإقناع الخاطفين الذين ينتمون إلى «التوحيد والجهاد» بتسليم أنفسهم دون جدوى، علماً أن حكومة حماس أفرجت عنه قبل اربعة ايام من عملية سيناء التي راح ضحيتها 16 جندياً مصرياً.

«تحرير بيت المقدس»

كان الظهور الرسمي الأول لـ«أنصار بيت المقدس» في 25 تموز العام 2012، حين بث شريط فيديو على شبكة «يوتيوب» عن عمليات تفجير خط الغاز في سيناء، وقد ظهر في الشريط مسلحون ملثمون يرتدون ملابس عسكرية ويخططون لعملية التفجير.
أما الظهور الرسمي الثاني في 16 آب العام 2012، فحين تبنى التنظيم إطلاق صاروخين من طراز «غراد» على منتجع إيلات في جنوب فلسطين المحتلة، فيما كان الظهور الرسمي الثالث في شهر أيلول من العام 2012، حين تبنّى التنظيم قتل «أحد عملاء إسرائيل» انتقاماً من مشاركته فى عملية اغتيال الجهادى إبراهيم بريكات، وذلك عبر بيان استتبعه بآخر يؤكد مقتل «العميل الثاني» وفرار الثالث إلى إسرائيل.
وفي وقت لاحق من شهر ايلول، تبنّى «انصار بيت المقدس» مقتل ثمانية إسرائيليين رداً على فيلم «براءة المسلمين» المسيء للنبي محمد، وذلك في عملية حملت عنوان «غزوة التأديب لمن تطاول على النبي الحبيب».
وحتى ذلك الوقت، كان خطاب التنظيم وعملياته منصبّين على فكرة قتال العدو الصهيوني، بعيداً عن الصراع السياسي الذي نشأ في مصر بعد «ثورة 25 يناير».
وبرغم محاولات الجماعات السلفية الجهادية استعراض قوتها في سيناء بعد تظاهرات «جمعة الشريعة» في 19 تشرين الثاني من العام 2011 والمعروفة إعلامياً باسم «جمعة قندهار» إلا أن «أنصار بيت المقدس»فضّل ان ينأى بنفسه عن الصراع الدائر بين القوى الإسلامية والقوى المدنية، منطلقاً من عقيدته القائلة بأن كل الاطراف الموجودة على الساحة المصرية كافرة ارتضت بالعملية الديموقراطية واحتكمت الى الصناديق، أي الى غير شرع الله، وبأن الجهاد ينبغي أن يركز على «تحرير بيت المقدس».
كذلك، تجنب التنظيم تكفير المجتمع المصري، أو حتى أجهزة الدولة والأحزاب السياسية، حتى أن مفهومه للكفر ظل مقتصراً على «الكفر العام» وليس «الكفر الخاص»، ما جعله من الناحية الفقهية اقرب إلى السلفية الجهادية - التي تستمد عقيدتها من أفكار ابن تيمية وسيد قطب - منه إلى الجماعات التكفيرية الذائعة الصيت.
وفي هذا الإطار، لا بد من الحديث عن دور القيادي في جماعة «التوحيد والجهاد» أبو محمد المقدسي (أردني من أصل فلسطيني)، الذي ذاع صيته في قطاع غزة، بعد المواجهات التي خاضها مع حركة حماس، والتي فر على أثرها إلى الأردن، ليعتقل هناك.
ولعل الحديث عن ابو محمد المقدسي يبدو مفيداً لتقديم مقاربة جديدة لتطورات الأوضاع في سيناء، فالمنظّر السلفي ترك تأثيراً كبيراً على الخلايا الجهادية في شبه الجزيرة المصرية، وقد نجح في استقطاب الكثير منها ضمن إطار جماعته، حتى أن أبو الوليد المقدسي يعد واحداً من أبرز تلامذته.
وبعد اعتقاله في الأردن، أجرى أبو محمد المقدسي مراجعة فكرية، خلص فيها إلى ان المرحلة الحالية تتطلب التخلي عن تكفير السلطات المحلية، سواء في غزة أو في مصر، خصوصاً أن أولياء الأمر ينتمون إلى التيار الإسلامي. وشدد على ضرورة حصر الجهاد بقتال إسرائيل.
وقد أحدثت هذه المراجعة بلبلة في صفوف الجهاديين والتكفيريين ولكنها نجحت في تهدئة الوضع في سيناء منذ وصول الإسلاميين إلى حكم مصر، حيث اقتصرت العمليات بداية على إطلاق صواريخ باتجاه الاراضي المحتلة.

قتال «جيش الطواغيت»

لكن تحوّلاً دراماتيكياً طرأ على فكر «أنصار بيت المقدس» بعد حادثة مقتل الجنود المصريين الستة عشر في 15 آب العام 2012، فبيانات التبرؤ من دماء الجنود المصرييين المغدورين في شهر رمضان من قبل التيار السلفي الجهادي في سيناء لم يقنع القيادة العسكرية، ولم يهدئ من غضب جماهير الشعب المصري.
وتمثل الرد الطبيعي من جانب القوات المسلحة المصرية على حادثة رفح بإطلاق عملية «نسر» لتجفيف منابع الإرهاب في سيناء، ما فتح الباب أمام مواجهات ما زالت مستمرة مع الجماعات الجهادية في شبه الجزيرة المصرية.
وفي وقت أثارت عملية رفح تساؤلات حول جدوى استهداف الجماعات الجهادية للجنود المصريين، في ظل تبنيها مراجعات ابو محمد المقدسي حتى أن البعض تحدث عن دور خفي لطرف ثالث لتفجير الموقف فإن المواجهة اللاحقة مع القوات المسلحة أدت عملياً إلى تخلي الحركات الجهادية والتكفيرية عن تأييد تلك المراجعات، فعادت إلى «تكفير» الجيش المصري باعتباره «جيش طواغيت» يحمي «اليهود».
إلا أن نظام «الإخوان المسلمين» قد تمكّن سريعاً من احتواء الموقف في سيناء عبر صفقة سرية عقدها مع التنظيمات الجهادية هناك.
ويقول مصدر جهادي سابق إن الرئيس السابق محمد مرسي، وبإيعاز من نائب المرشد العام لـ«الإخوان» خيرت الشاطر، قد استخدم سلطاته كقائد أعلى للقوات المسلحة لوقف عملية «نسر»، في مقابل تعهد الجهاديين بعدم إحراجه مع الأميركيين، خصوصاً بعد التوصل إلى تفاهمات الهدنة في غزة، وهو ما أفضى الى هدوء على جبهة سيناء خلال الاشهر التي سبقت عزل مرسي في الثالث من تموز الماضي.
وبعد عزل مرسي، كان واضحاً أن تنظيم «أنصار بيت المقدس» قد أعلن الحرب صراحة على الدولة المصرية، وهو ما تبدّى في سلسلة العمليات التي تلت فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة بدءاً باستهداف موكب وزير الداخلية اللواء محمد ابراهيم واغتيال المقدّم في قطاع الامن الوطني محمد مبروك، مروراً بتفجير مديريتي الأمن في الاسماعيلية والمنصورة، وصولاً إلى استهداف مديرية الأمن في القاهرة في تفجيرات أمس.

العلاقة مع «الإخوان»

ولعل ذلك يفتح الحديث عن العلاقة بين تنظيم»أنصار بيت المقدس» وجماعة «الإخوان المسلمين». وإذا كان البعض قد شكك في بادئ الأمر في وجود تلك العلاقة أصلاً - مستنداً في ذلك إلى الاختلافات الأيديولوجية بين الفصيلين الإسلاميين فإن ما جرى بعد سقوط نظام «الإخوان»، وما تسرّب من معلومات خلال الأشهر الماضية، يبدد تدريجياً كل تلك الشكوك.
وتشير المعلومات إلى ان العلاقة بين «الإخوان» و«أنصار بيت المقدس» بدأت في الأيام الأولى لـ«ثورة 25 يناير»، حين ساهم القيادي الجهادي عبد الناصر أبو الفتوح في تهريب قيادات «الإخوان» من السجون.
وبحسب القيادي السابق في «تنظيم الجهاد» ناجح ابراهيم فإن ما جرى في سيناء قد تم عبر اتفاق بين محمد مرسي وزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، وهو ابن شقيقة رئيس ديوان رئاسة الجمهورية في عهد مرسي السفير رفاعة الطهطاوي، الذي بذل أيضاً جهوداً لإطلاق سراح ابن اخته الآخر محمد الظواهري، أخ زعيم «القاعدة». ويشير ابراهيم إلى أن الاتصال بين مرسي وأيمن الظواهري كان يتم عبر الطهطاوي، لافتاً إلى أن الثلاثة كادوا يلتقون في باكستان حين زارها مرسي، لولا وصول معلومات تفيد باحتمال أن تشن الاستخبارات الاميركية عملية لأسر زعيم «القاعدة».
هذه المعلومات يؤكدها أيضاً مؤسس «تنظيم الجهاد» في مصر نبيل نعيم، الذي قال في إحدى المقابلات التلفزيونية إن العلاقة بين «الإخوان المسلمين» و«أنصار بيت المقدس» كانت تتم عبر خيرت الشاطر ومحمد الظواهري. ويشير القيادي الجهادي السابق إلى ان الرجلين نجحا في توحيد المجموعات السيناوية الجهادية تحت بيعة أيمن الظواهري، وقد تم تمويلها بمبالغ طائلة وتزويدها بكميات أسلحة هائلة من غزة وليبيا وتركيا.
ويرى نعيم ان الهدف من كل ذلك هو تدمير الجيش المصري، على غرار ما جرى مع الجيشين العراقي والسوري، لافتاً إلى ان مؤتمر التنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين»، الذي عقد مؤخراً في لاهور رصد لهذه الغاية مبلغ مليار ونصف مليار دولار، تبرعت بها قطر، لتشكيل «جيش مصري حر» في محاكاة للتجربة السورية.
ولكن ما الذي سيكسبه «الإخوان» من مغامرة كهذه؟
في هذا الإطار، حدد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عمار علي حسن، خلال إحدى المقابلات التلفزيونية، ثلاثة مكاسب يمكن لـ«الإخوان» تحقيقها عبر تحالفهم مع الجماعات الجهادية والتكفيرية:
- إرباك المشهد السياسي المصري وإنهاك الدولة المصرية.
- الانتقام من الجيش المصري والثأر لكل ما جرى منذ العام 1952.
- إبقاء اليد الطولى في «الإخوان» للمجموعة القطبية، باعتبارها الجهة الوحيدة القادرة على التعامل مع المتشددين، حتى وهي في السجن.
وسواء كان ما يجمع «الإخوان» بـ«أنصار بيت المقدس» علاقة بنيوية جديدة أو مجرّد تقاطع مصالح، فإنّ اقتحام الجهاديين المشهد الأمني المصري، ينذر باحتمال تصدّرهم واجهة الأحداث، ليصبحوا الرقم الصعب في المعادلة المصرية خلال المرحلة المقبلة.
ولعلّ تلك المخاطر تزداد يوماً بعد يوم في ظل نجاح «أنصار بيت المقدس» في التسلل من سيناء الى وادي النيل والدلتا، عبر الصحراء الشرقية، واحتمال إيجادهم التربة الخصبة والحاضنة «الإخوانية» في مناطق مصرية عدّة، ما ينذر بعودة سيناريو التسعينيات... وما أدراك ما التسعينيات!