خبر عندما تنحرف البوصلة عن القدس وفلسطين.. د. وليد القططي

الساعة 04:06 م|23 يناير 2014

في ثمانينات القرن الماضي أقبل شباب المسلمين ينسلون من كل حدب وصوب للجهاد في أفغانستان متأثرين بالحملة الدعوية والإعلامية التي قام بها مئات الدعاةوالوعاظ والعلماء المسلمين الذين يتبعون خطاً فكرياً معيناً مرتبط بجهات سياسية مرتبطة بدورها ببعض الأنظمة العربية التي تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية.

 

لم يدرك هؤلاء الشباب إلا متأخرا – أو من بقى منهم على قيد الحياة – أنهم كانوا مجرد وقود في الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية – رغم سلامة نيتهم في الجهاد - , وأنهم كانوا مجرد أدوات يستخدمها أحد الأنظمة العربية لخدمة أولياء نعمته أو في أحسن تقدير أدوات يتم استخدامها لتبادل المصالح بين هذا النظام والقوة الكبرى الحليفة له , وأنهم كانوا مجرد حجارة شطرنج يحركها أمراء الحرب في أفغانستان الذين انقلبوا على بعض بعد النصر على الاتحاد السوفيتي حتى ظهرت حركة طالبان فهزمتهم جميعا ولم يعودوا إلا على ظهر الدبابات الأمريكية وعلى دوي قنابل طائرات حلف الناتو. ولم يكن ذلك هو أسوأ ما في الأمر.. فأسوأ ما في الأمر وأخطره أن هذه الحرب التي قضى فيها الآف الشباب المسلمين وغالبيتهم من العرب وأُنفق عليها المليارات من أموال المسلمين كانت في إطار الجهد المبذول من الطرف الممول للجهاد في أفغانستان والمحرض على الجهاد في أفغانستان لحرف البوصلة عن القدس وفلسطين , ولتوجيه أنظار المسلمين عن قضيتهم المركزية إلى قضايا أخرى تخدم مشاريع سياسية موجهة من أعداء الأمة... وبلغ الأمر في انحراف الأولويات أننا كنا نسمع في ذلك الوقت من الشباب الفلسطيني المسلم المتحمس للجهاد أنه كان يدعو للجهاد في أفغانستان , وعندما يُذكر الجهاد في فلسطين يعصر فكره ليستدعي ما يستطيع من مبررات واهية تصب جميعها في تأجيل الجهاد في فلسطين , بل ويخرج بعض الشباب الفلسطيني للجهاد في أفغانستان تاركين الجهاد في الأرض المقدسة والمباركة أولى القبلتين وثالث الحرمين ومنتهى الإسراء ومنطلق المعراج بل ويصبح أحد الفلسطينيين من قادة الجهاد الأفغاني بدلاً من أن يصبح أحد قادة الجهاد في فلسطين. واليوم يتكرر نفس المشهد القديم المتجدد , عندما تدعو نفس المدرسة الفكرية التي حشدت للجهاد في أفغانستان لتكرر نفس الخطأ مدفوعة بنفس الأسباب ومرتبطة بنفس الجهات السياسية عندما تدعو هذه المدرسة للجهاد في سوريا في انحراف واضح وخطير عن دعوة الشباب للجهاد في فلسطين وتمولهم وتنقلهم إلى سوريا لتلقي بهم في أتون الحرب السورية ليصبحوا وقوداً للمحرقة الكبرى هناك ليحترقوا في نارها المستعرة التي لا يعرف فيها القاتل من غريمه , ولا المقتول من قتله , ولا يعرف من أين ستأتيه الطلقة ان كانت من جيش النظام أم من الأخوة الأعداء أنصار داعش والغبراء الذين خربوا الثورة السورية قبل ان يخربوا الدولة السورية ولم يستطيعوا إسقاط النظام السوري الذين تنافسوا معه على القتل والتخريب فأصبحوا والنظام السوري كفرسي رهان يسبقونه مرة ويسبقهم مرات , وإذا كان انحراف البوصلة من خارج فلسطين جريمة فإن انحرافها من داخل فلسطين جريمة كبرى لا سيما عندما يصبح هذا الانحراف ليس مجرد دعوة نظرية من التيار الفكري الذي يتبع التيار الأم في التنظير للجهاد في سوريا وينظر لأولوية الجهاد في سوريا على الجهاد في فلسطين تحت مبررات واهية , بل يستجيب لهذا الفكر العديد من الشباب الفلسطيني المغرر بهم ليذهبوا إلى سوريا تاركين الجهاد في فلسطين بل وعندما ينجرف وراء هذا التيار أحد المحسوبين على رموز المقاومة الإسلامية ليدعو إلى أولوية الجهاد في سوريا الآن على الجهاد في فلسطين.

 

ان الدعوة للجهاد في سوريا ومن قبلها في أفغانستان والشيشان والعراق والصومال ومالي وغيرها جميعها تصب في اتجاه واحد يستهدف حرف بوصلة الجهاد عن قضية المسلمين الأولى والمركزية وهي قضية فلسطين , وهذا لا يعني عدم الثورة على الاحتلال وعلى الأنظمة المستبدة في البلدان الأخرى ولا يعني عدم تقديم العون للمسلمين في البلدان الأخرى , ولكنه يعني الحذر من المشاريع التي تقف خلف هذه الدعوات كونها تأتي من اتجاه فكري معروف بارتباطه بأحد الأنظمة العربية المرتبطة بدورها بقوة كبرى متحالفة مع الكيان الصهيوني وهذه الدعوات للجهاد في أماكن أخرى غير فلسطين تندرج ضمن مخطط أعداء الأمة للحفاظ على أمن الكيان الصهيوني وصرف أنظار الأمة عن عددها المركزي وحلفائه وليتحول الصراع بين الأمة وأعدائها إلى صراع داخل الأمة الواحدة والدولة الواحدة والمجتمع الواحد لتندلع حروباً أهلية دينية ومذهبية وعرقية وقومية وغيرها , وليتأخر مشروع تحرير فلسطين إلى أجل غير مسمى حتى تنتهي هذه الصراعات اللانهائية بين فئات الأمة المختلفة .

 

ان المسئولية الإسلامية والقومية والوطنية تقتضي من كل فرد قادر على إعادة البوصلة إلى وضعها الصحيح والطبيعي باتجاه القدس وفلسطين أن يقوم بدوره بالفعل أو بالكلمة , فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.