خبر ومن يتذكر ضحايا شارون؟- هآرتس

الساعة 09:18 ص|20 يناير 2014

بقلم: اسحق ليئور

(المضمون: تحدث الجميع بعد موت شارون مُثنين عليه ولم يذكروا أحدا من ضحاياه العرب في طريقه الطويل وذلك لعدم وجود معارضة حقيقية تنعش الذاكرة الجماعية في اسرائيل - المصدر).

 

حسنا، سنتذكر اذا كل شيء، كل التصورات، وأي زعيم ومهذب واجتماعي كان، وقد كان له سائق وكان يأكل الفلافل ويربي الضأن وكان عنده حس دعابة، ونتذكر ياتسبان وطوفيا سفير وميكي غبرئيلوف. كل شيء حلو حلو. أما المجازر السابقة التي كانت قبية ذروتها، فكانت اعمال قوات الصاعقة. وكانت مجزرة صبرا وشاتيلا "مختلفا فيها".

 

أبنت أم ثكلى الراحل ومحت من الذاكرة الجماعية الآباء الثُكّل الذين تظاهروا لاول مرة في تاريخ حروبنا، في 1982، اعتراضا على وزير الدفاع وعلى الحرب الاولى التي عرفت رفضا واسعا، وفي

 

القريب ستأتي أسماء الشوارع والميادين وستصبح "بعثة اسرائيل" هذه فصلا في الخطة الدراسية، ولا يوجد من ينقذ الذاكرة الجماعية المعارضة من هذه الشمولية.

 

يمكن أن نشير الى أنه لا توجد قنوات كثيرة في الحقيقة، فكل شيء يغرق في "البطولة"، و"الأعداء"، والانفصال، والخطوات الى السلام و"في رأيي": فمن جهة توجد الدولة ومن جهة اخرى ذوو الآراء الذين يصدرون عن الاستقامة والصدق، لكن لا يوجد يسار يقول قولا مختلفا ويتذكر بصورة جماعية ما تغرقه الشمولية. ويمكن أن نقول: هذه هي قوة الدولة وهي أن تمحو الذاكرة المعارضة، ويمكن أن نحصي كل الصور التي صمت فيها الصوت العام المعارض بازاء الادمان الاسرائيلي للحداد القومي. هذا هو زهايمر الوعي السياسي: إنه برنامج عمل يساري يشبه صحيفة يصبح قديما في يوم واحد.

 

ومع كل ذلك كان يجب أن ينهض في المركز شخص ما وأن يتحدث عن جموع الموتى الذين خلفهم اريئيل شارون في طريقه – دونما صلة بـ "طبيعته" – وعن فساده، حينما فرّق مستوطنات كي لا يوجد أي حل للصراع. وكان هذا هو منطق "الانفصال" المؤمن بفكرة الغيتو ايضا. وكان يجب أن ينهض شخص ما ويتحدث في تأبين ما عن الايمان بالقتل الذي أدار به الحروب ومنها حرب لبنان، وعن سحق بيروت الغربية المحاصرة من الجو مع سكانها مدة شهر كل يوم، لقتل ياسر عرفات فقط، وكان يجب الحديث، وكان يجب أن يقول شخص ما إنه يوجد حتى بين العسكريين تنوع وإن شارون مثّل اسوأ المؤمنين بالدموية.

 

ولم يحدث ذلك، فلم يُدع الموتى من الجانب العربي للمشاركة في الذاكرة القومية، وبقيت ذاكرة الخارجين من حرب لبنان اليهود معهم مفصلة مثل كوابيسهم، وقد أصبحوا في الخمسين أو الستين من أعمارهم، ولم يعد حزب العمل الذي عارض الحرب وشارون، منذ فترة ما يعلم ماذا يقول عن الماضي وكأن كل كلام فيه نقد للماضي، سيشوش عليه عند القناة الثانية وأتباعها.

 

وماذا عن اليسار؟ اذا ما نشأت جمعية ما لذكرى حرب لبنان وجاءت ميزانية من اوروبا فسينشر اعلان "لن ننسى". وفي هذه الاثناء تُمحى الطبقة الاكثر سياسية التي كانت لليسار مدة عقود وهي المعارضة النشيطة الناجعة للحرب وقت الحرب.

 

قبل أقل من سنة توفيت مارغريت تاتشر. وعقد البرلمان البريطاني جلسة فقام اعضاء من البرلمان وتحدثوا كثيرا مُثنين عليها وبينوا مبلغ أهميتها وكيف غيرت التاريخ. وآنئذ قامت غلاندا جاكسون من حزب العمال وخطبت خطبة عظيمة مضادة لتاتشر والتاتشرية، مندوبة عن الذاكرة الجماعية المعارضة: "إن كل ما نُشئت على الاعتراف بأنه خطيئة كان في واقع الامر تحت التاتشرية فضيلة: الشره والأنانية وعدم الاكتراث بالضعيف وأن المرفقين هما وسيلة التقدم".

 

صحيح أن الديمقراطية البريطانية ذات شعور بالفضيلة، وكانت جاكسون مؤدية لامعة ليس لها مثيل عندنا في الكنيست، لكن النص الذي تلته كان عظيما وذكر البريطانيين بما أصبح عند عدد منهم "مفهوما من تلقاء نفسه"، لأنهم اعتادوا ولأن الشيوخ يموتون والشباب يولدون في واقع تختفي الذكريات منه، ولأن هذا هو عمل المعارضة التي تعلم أن الدولة ستستمر على استعادة الذكرى، فيجب عليها أن ترفع صوتها طالبة ذكرى جمعية اخرى، بيد أن هذا الشيء غير موجود عندنا.