خبر غزة معاناة بالأرقام .. وقيادة غارقة في الانقسام.. د. علاء مطر

الساعة 02:44 م|16 يناير 2014

غزة

تستمر معاناة الغزيين بالتفاقم في سجنهم الذي لا تتعدى مساحته (365) كم2هي مجمل مساحة قطاع غزة، في ظل غياب أدنى مقومات الحياة وطائفة عريضة من حقوق الإنسان الأساسية، جرّاء العقوبات الجماعية التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي. هذا الحصار الذي يعد جريمة حرب وفقاً للقانون الدولي، ضحاياه هم من السكان المدنيين المصممين على التشبث في أرضهم رغم كل أصناف العذاب التي يتعرضون لها. إن قلب غزة لا يزل ينبض بالحياة رغم استماتة  قوات الاحتلال الإسرائيلي  باستخدام وسائل القهر كافة لثني أهالها عن إصرارهم بالبقاء والصمود حتى نيل حقوقهم كاملة، يساعدها ويدعمها في ذلك صمت المجتمع الدولي الذي يعطيها الضوء الأخضر في مواصلة ممارساتها الإجرامية، ويضاف إلى ذلك ما يحمله الانقسام المقيت من تداعيات خطيرة ضاعفت من المعاناة. كما ساهم الإغلاق المتكرر ولفترات طويلة لمعبر رفح - الوحيد الذي يربط سكان غزة مع العالم الخارجي- بالإضافة لهدم الأنفاق، في تعاظم ألم الحصار وتداعياته على مجمل حالة حقوق الإنسان. أمام هذه التحديات التي تعصف بواقع الغزيين، تشهد حقوقهم وباستمرار مطرد مزيداً من التدهور الذي يصل إلى حد الكارثة.

فلقد تجاوز عدد سكان قطاع غزة نهاية العام 2013، ما يقارب مليون و(853) ألف نسمة بزيادة مقدارها(55) ألفاً عن العام الماضي، أي يعيش أكثر من (5) آلاف فرد/كم2. تفاقم الزيادة المطردة والمرتفعة في تعداد السكان من حدة نقص عدد الوحدات السكنية، ما ينتج عنه تزايد عدد الأفراد الذين   لا يتوفر لديهم وحدات سكنية، كما يؤدي إلى تكدس الأفراد في الغرفة الواحدة داخل المسكن، ففي الوقت الراهن يعيش حوالي (10%) من سكان القطاع في مساكن ذات كثافة مرتفعة بواقع (3) أفراد أو أكثر في الغرفة الواحدة. وتُقدر الاحتياجات من الوحدات السكنية بـ (800-1100) وحدة سكنية سنوياً، لتصل الاحتياجات الحالية من الوحدات السكنية إلى حوالي (91.026) وحدة سكنية، ويتوقع أن تبلغ الاحتياجات من الوحدات السكنية عام 2020 حوالي(227.505) وحدة سكنية.

كما يعاني سكان القطاع من غياب حقوهم المائية، في ظل شح المياه التي يحصلون عليها من الخزان الجوفي المصدر الوحيد للمياه، كما أن نسبة تلوث مياه الشرب تزيد عن (95%)، وحتى عام 2020 إذا لم يتوقف السحب من الخزان الجوفي وإيجاد مصادر بديلة للمياه سيتدمر بما يصعب  إعادة إصلاحه. وعلى صعيد الصرف الصحي لا تزل تعتمد نسبة (25%) من المسكان، على الحفر الامتصاصية والقنوات المفتوحة كوسائل للصرف الصحي. هذا علاوة على وجود (4) محطات لمعالجة الصرف الصحي ذات كفاءة متدنية، بما يحمله ذلك من مخاطر حقيقية على صحة الإنسان والبيئة.

في السياق ذاته، يعاني سكان القطاع من مصادرة حقهم في التعليم، حيث تعمل (76.4%) من المدارس الحكومية بنظام الفترتين، بينما تعمل (86%) من المدارس التابعة لوكالة الغوث بنظام الفترتين. وترتفع الكثافة الصفية في المدارس التابعة للحكومة ووكالة الغوث لتصل في الأولى إلى (36.3) طالباً/شعبة، والثانية (38) طالباً/شعبة. وذلك في ظل عجز كبير في المباني المدرسية، حيث تحتاج وزارة التربية والتعليم العالي خلال السنوات الخمس القادمة (2014-2019) إلى بناء (139) مدرسة، بينما تحتاج وكالة الغوث حتى عام 2020 إلى بناء (135) مدرسة للقضاء على نظام الفترتين، ولتلبية الأعداد المتزايدة لعدد الطلاب. أما التعليم العالي  فيعاني من تنامي العجز في تمويل الجامعات، بما يحمله من أثر سيء على قدرة مؤسسات التعليم العالي على تقديم رسالتها التعليمية بالشكل المطلوب، على سبيل المثال يصل العجز التراكمي في جامعتي الأزهر والإسلامية لكل واحدة منهما أكثر من (20) مليون دينار في الخمس سنوات الماضية.

أما واقع الحق في التمتع برعاية صحية مناسبة، فهو شبه غائب في ظل تدني مستوى الخدمات الصحية على صعيد التشخيص والعلاج، فعلى صعيد الأولى تعاني المستشفيات من نقص كبير في أجهزة التشخيص، ونقص ونفاد متكرر لبعض مواد الفحوصات والمستهلكات الطبية الخاصة بالمختبرات وبنوك الدم، يضاف إلى ذلك عدم توفر الأدوية والمهمات الطبية سيما المناسبة منها. وأكثر المتضررين جرّاء ذلك هم ذوي الأمراض المزمنة سيما من الأطفال، فعلى سبيل المثال يتأخر تشخيص بعض الحالات غير الحرجة من أطفال مرضى القلب لفترة زمنية تصل إلى (5) شهور على جهاز الإيكو الخاص بتشخيص أمراض القلب. وهناك عجز في العلاجات الكيماوية التي يحتاجها مرضى السرطان من الأطفال، حيث يتم تحويل أطفال للعلاج في الخارج للحصول على دواء لا تزيد كلفته عن (100) شيكل، مثل علاج من نوع 6TG. كما يعاني أطفال مرضى الفشل الكلوي من عدم توفر القساطر الدائمة والمؤقتة الخاصة بعملية الغسيل الكلوي، ومن ملحقات أجهزة غسيل الكلى غير المناسبة للأطفال، فموصلات الدم والفلاتر غير مناسبة لغسل الكلى للأطفال، يضاف إلى ذلك أنه لا يتوفر الغسيل الكلوي البيروتوني، الذي يعتبر أفضل من الغسيل الدموي المتوفر في قطاع غزة. أما الإشكاليات التي يعانيها أطفال غزة من مرضى السكري فتتمثل بعدم توفر أقلام الأنسولين البديل التي يفضلها الأطفال على حقن الأنسولين التي تسبب ألماً في أجسادهم الضعيفة.

وما يزيد الأوضاع مأساوية تفشي ظاهرتي البطالة والفقر بين سكان القطاع، في ظل تزايد الإقبال على العمل مع عدم قدرة المؤسسات الحكومية والأهلية ووكالة الغوث على تلبية الحد الأدنى من احتياجات سوق العمل، حتى القطاع الخاص فهو يعاني من ركود كبير دفعه لتقليص العمالة لديه بدلاً من المساهمة في استيعاب عمالة جديدة. وما يساهم في مضاعفة المشكلة، تكدس خريجي الجامعات ومنهم حملة الشهادات العليا وانضمامهم لجيوش البطالة، الأمر الذي ينذر بمزيد من الكوارث على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي. وهذا بدوره يفسر ازدياد اعتماد السكان على المساعدات التي تقدمها وكالة الغوث(أونروا) لتصل إلى نحو(80%)، وتتوقع الأخيرة أن يحتاج حوالي مليون شخص في قطاع غزة مساعدات غذائية في العام الحالي.  فوق كل ذلك يعاني السكان من انقطاع متكرر للتيار الكهربائي، وصل في كثير من الأحيان إلى أكثر من (18) ساعة يومياً، وهذا بدوره  يحمل تداعيات كارثية على مجمل حقوق الإنسان المصادرة أصلاً. هذا بخلاف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الصيادين والمزارعين في مناطق مقيدة الوصول ومحاربتهم بأرزاقهم، بالإضافة للاستهداف المباشر والمتكرر للمدنيين وممتلكاتهم بما يخلف ضحايا جُلهم من النساء والأطفال.

إن عرض معاناة سكان قطاع غزة بلغة الأرقام، هو تأكيد على حجم الكارثة التي يعيشونها ولا يمكن الاستمرار في التعايش معها، خاصة أن الأوضاع في تدهور مستمر ومسبباتها مستمرة وتدفع في تجاه مضاعفة المعاناة. فالاحتلال والانقسام وصمت المجتمع الدولي لا يزل قائماً وينخر بكل شراسة في جسد الغزيين الذي انهكته الجراح، وما بقي هذا الثالوث المدمر استفحلت المعاناة. غير أن أكثر ما يثخن الجراح استمرار الانقسام المخزي الذي قسم الوطن وقصم ظهر المواطنين، فالمعاناة مع الانقسام ذات مذاق خاص من المرارة المشبعة بطعم الخزي والعار وضعف الأمل في تتويج العذابات ونضالات أكثر  من (65) عاماً، في تحقيق حلم طال أمده وهو تحرير التراب الفلسطيني من مغتصبيه الصهاينة.

إن من حرر الأوطان عبر التاريخ هم القادة الأوفياء الذين نالوا رضا شعوبهم على اختلاف انتماءاتهم وعقائدهم وأفكارهم، وللأسف مثل هؤلاء غير متواجدين على الساحة الفلسطينية اليوم، فالقائد يجمع ويوحد لا يفرق ويشتت، يخفف من المعاناة لا يضاعفها، يبني لا يهدم، والقائد يحرر الوطن لا يساهم في ضياعه. إن غياب إرادة حقيقية لإنهاء الانقسام يعطي مؤشراً واحداً هو أن البوصلة ليست فلسطين، ولو كان غير ذلك لما أصر قادة الانقسام على استمراره رغم علمهم بخطورته الكارثية على القضية الفلسطينية. عليه فإن سرعة إنها الانقسام مقدمة على أي مطلب لتخفيف معاناة الغزيين، ومجازاتهم على صمودهم الأسطوري في وجه آلة العدوان والحصار الإسرائيلي. كما هناك واجب يقع على الأحرار في هذا العالم والدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص، بالعمل الجاد على رفع المعاناة عن الفلسطينيين وتمكينهم من حقوقهم. أما المجتمع الدولي فهو ملزم بالكف عن منح الحصانة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي للاستمرار في حصاره وممارسته لكل أنواع الجرائم بحق السكان المدنيين في قطاع غزة، بل مطالب بأكثر من ذلك وهو تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه مساعدة الفلسطينيين من أجل نيل حقوقهم وفي مقدمتها حقهم بتقرير المصير وإنهاء أجرم احتلال عرفه التاريخ.