خبر تصريحات الأخ إسماعيل هنية: خطوة حكيمة وفي الاتجاه الوطني الصحيح..أحمد يوسف

الساعة 11:32 ص|07 يناير 2014

منذ أغسطس الماضي، والتصريحات التي يطلقها الأخ إسماعيل هنية؛ رئيس الوزراء في حكومة غزة ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، تحمل نبرة تصالحية ولغة خطاب بمفردات إيجابية، وتقدم إشارات ومبادرات بمضامين توافقية، وتعبر عن تفهم وإدراك لطبيعة المأساة وواقع الحال الفلسطيني المتردي؛ سياسياً ومالياً، إقليمياً ودولياً، وتعكس الوعي بضرورة التحرك السريع لإنقاذ السفينة قبل أن يبتلعها بحر الظلمات وتغرق في سديم مجاهله العميقة، وتضيع بذلك قضيتنا وكل موجودات حياتنا في دروب التيه والمهالك.

لا شك أن هذه الخطوة قد انتظرناها طويلاً، وهي حتى وإن اعتبرها البعض جاءت متأخرة إلا أنها القرار الصائب والحكيم، وهذا يقطع الطريق أمام المشككين، ويفتح باب الأمل لشعبنا المسكين، والذي ضاق ذرعاً بالانقسام وبالحزبية المقيتة وبالإهانات التي يتلقاها بشكل يومي؛ سواء من جيش الاحتلال أو من أجهزتنا الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ومن الجير ذكرة؛ أن اللقاءات التي أجراها الأخ إسماعيل هنية (أبو العبد) خلال الشهور الثلاث الماضية مع فصائل العمل الوطني والإسلامي، ومع رؤساء منظمات المجتمع المدني، وكذلك مع الصحفيين والأكاديميين والمفكرين، واستمع إليهم وتبادل معهم الرأي والمشورة بروح أخوية وشعور عالٍ بالمسئولية، إضافة لنقاشات الحركة داخل إطاراتها الشورية ومكاتبها السياسية، هي - في الحقيقة - من هيئت الأجواء، ومهدت لفتح الطريق لمثل هذه الخطوة الذكية والموقف الحكيم.. إن هناك الكثير مما سوف يقال وما ستكتبه الأقلام خلال قادم الأيام، ويبقى كما قال الزعيم الألماني بسمارك: "إن القائد المحنك هو الذي يشتم قدوم الخطر (The Hoofbeats of History) ويتجهز له قبل وصوله"، حيث تقتضي الفطنة والذكاء السياسي أن لا تنتظر الحركة أو الحكومة لحظة الحشر في الزاوية، حيث تتعذر مع الضغوطات فيها القدرة على المناورة، بل عليها أن تتحرك وهي في دائرة الفضاء الأوسع من حيث الزمان والمكان، وأن تُقبل على تقديم العروض والمبادرات التي تغري وتسد الطريق أمام ذرائع التمنع والرفض.. لذا؛ ليس ضعفاً أو مهانة أن يتقدم القائد والمسئول بتقديم تنازلات لأبناء وطنه، والبحث عن التوافق والخلاص من أجل حماية مصالح شعبه وأهدافه الوطنية العليا، بل إنَّ ما يعيب هو أن نترك الوطن يضيع، وأن نسمح لعدونا أن يستبيح أرضنا وديارنا، وأن يلعب على حبل خلافاتنا الداخلية، وأن يستفرد بنا واحداً بعد الآخر، كتلك الرواية السردية في أدبياتنا الشعبية: "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".

إن المطلوب منا بدل غلظة القول وتنابز الألقاب وتبادل الاتهامات أن يعمل كل منا جهده كي يشدِّ من أزر أخيه، وأن يقوم بتقديم كل ما يعزز موقفه ويرفع من منسوب معنوياته وثباته.. إن السلطة مأزومة في وضعها السياسي وما يجري من مفاوضات لا تبدو فيها نزاهة جهة الوساطة ولا يتوقع أحدٌ عدالتها، وهذا يستدعي منا أن نقف خلف الرئيس أبو مازن، وأن نعينه على إحسان التسديد والمقاربة في مواقفه، كي نظهر أمام العالم بأننا شعب واحد ولنا قيادة واحدة، وأن الرئيس أبو مازن – مهما بلغت صلاحياته - لن يستطيع الخروج أو التمرد على موقف يرفضه الاجماع الوطني، ولا أعتقد أن قيادي مخضرم مثله يمكن أن يتحدى الجميع، ويتخذ موقفاً منفرداً تبدو فيه "شبهة التفريط" واضحة بالحقوق والثوابت الوطنية للشعب الفلسطيني، فالرجل مدرك بالتزامه الديني، ووطنيته النضالية، وخبرته التاريخية أن فلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية، وهي تسكن – بأبعادها الإسلامية والقومية - في عقول ووجدان جميع شعوب المنطقة، وأن التاريخ لن يرحم سيرة أو مسار أي زعيم يسمح للمحتل بموطئ قدم فيها على حساب الحقوق والثوابت الفلسطينية.

كما أننا اليوم - وأكثر من أي وقت مضى - بحاجة ملحة لهذه الخطوة التي اتخذها الأخ أبو العبد، حتى نحمي كرامة الفلسطيني في قطاع غزة ونحفظ هيبته، بعد أن طال الحصار على أهلنا فيه، وتكالب الجميع بالعمل للضغط عليه، بهدف تركيعه وكسر إرادته.. إن غزة مأزومة ومكلومة، ونحن جميعاً في أمسِّ الحاجة لطي صفحة الماضي والتعافي من رغبات التشفي، حيث عوَّدتنا طبيعة هذا الشعب العظيم أنه صاحب مروءة ومواقف تظهر عند الشدة وفي مواجهة الأعداء.

إن كلمات الأخ أبو العبد وتصريحاته المعبرة بصدق عن توجه أخوي لكي يتوحد الصف، ونتمكن معا من حماية مستقبل شعبنا وقضيتنا، يجب أن تؤخذ على محمل الجد، وأن نرى مقابل هذا الشبر أو الذراع الذي تقربت به غزة وحركة حماس باتجاه رام الله والرئيس أبو مازن أن يتحرك إخواننا في الضفة الغربية باعاً أو أن يأتي الرئيس - الذي انتظرناه طويلاً - زائراً إلى غزة.

أتمنى أن لا يُساء فهم هذه التصريحات، ونشهد غداً تحرك بطانة السوء لوضعها في سياق تفسيرات الأزمة السياسية مع الشقيقة مصر وسوريا وإيران أو النظر إليها من جهة الأوضاع المالية الخانقة التي يمر بها قطاع غزة.. إن أمانة المسئولية الوطنية توجب علينا جميعاً ألا نكرر أخطاء بعضنا البعض، وذلك بمراهنة كل طرف – من حين لآخر - بأن الوقت يعمل لصالحه، وأن "الكرة في ملعب الآخر"، وأن إمكانيات الفوز هي في استمرار المراوغة وانتظار لحظة استسلام الخصم.!!

إن هذه الفرصة تأتي في ظروف تاريخية هامة ولحظة وطنية فارقة، وهي توجب على الأخ الرئيس أبو مازن اقتناصها، وعدم تفويتها، باعتبارها سهماً في كنانته، "سنشد عضضك بأخيك" وأن عليه الاستثمار فيها بتحسين موقفه التفاوضي وتعزيزه، بشكل لا يسمح لإسرائيل وأمريكا التفرد به تحت ضغط الانقسام البغيض، والظروف المالية الصعبة، وسطوة جيش الاحتلال الأمنية، وحالة الضعف والهوان التي عليها الأمة .

لقد تواصل معي الكثير من الإخوة في حركة فتح - بالداخل والخارج - معبرين عن فرحتهم وارتياحهم لتلك التصريحات، آملين أن تكون الأيام والأسابيع القادمة هي عودة الوئام ونهاية الأحزان.

قولوا معي: آمين..آمين