خبر الصين توسع استثماراتها في إسرائيل .. حلمي موسى

الساعة 08:24 ص|06 يناير 2014

أخذت العلاقات الإسرائيلية الصينية في العقدين الأخير منحى جديدا بعد إبرام منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقيات أوسلو مع إسرائيل. وشكلت هذه الاتفاقيات بداية التعامل العلني الواسع بين الدولتين إثر إنشاء العلاقات الديبلوماسية بينهما. وبديهي أن هذا التعامل عنى في الجوهر انتقال الصين من موقع الحليف الأكيد للقضايا العربية إلى موقع المحايد المؤهل أيضا للانتقال إلى موقع الحليف لإسرائيل. والواقع أن هذه الصورة يمكن أن تظهر أيضا في العلاقات الإسرائيلية الهندية حيث باتت تنسج تحالفات ذات طبيعة أمنية وعسكرية واقتصادية استراتيجية.
وفي البداية، لا بد من الإشارة إلى أن العالم عموماً لم يعد يشعر بأن التعامل مع إسرائيل أو حتى محاباتها على حساب العرب يمكن أن تكون له عواقب. فأنظمة المقاطعة العربية التي كانت قائمة ومعمولاً بها على مدى عقود سقطت تقريبا بعد إنجاز معاهدة كامب ديفيد مع مصر أولا ثم بعد اتفاقيات أوسلو ووادي عربة. وغدا من الصعب الحديث عن مقاطعة دولية لإسرائيل فيما يسارع العرب أنفسهم لإنشاء العلاقات معها ويفتحون في بلدانهم ممثليات ديبلوماسية وتجارية لها. والواقع أن المقاطعة اليوم صارت تنبع من اعتبارات أخرى سواء أكانت أخلاقية أم أيديولوجية وسياسية في الغرب، تحديدا بعدما رأى مقدار عنجهية الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع الفلسطينيين وسلبهم أراضيهم ومستقبلهم.
ومن المنطقي الافتراض أن العلاقة الإسرائيلية الصينية لم تنشأ فقط بسبب زوال حاجز المقاطعة العربية أو تراجع التضامن الصيني مع القضايا العربية، وبديهي ليس بسبب تغيير الدور الجوهري لإسرائيل في المنطقة. العلاقة الصينية الإسرائيلية نشأت بسبب تنامي مصالح متبادلة رغم الكثير من العوائق والعراقيل. وإذا كان يتعذر القول إن الصين، بقوتها الاقتصادية الهائلة، تغلبت على الحواجز التي تعترض علاقاتها مع إسرائيل، فإن من السهل القول إن إسرائيل تتعامل مع الصين وكأنها تسير في حقل ألغام بسبب العلاقات الصينية الأميركية.
فإسرائيل دولة تتمتع بالرعاية الأميركية التي توفر لها أهم غطاء استراتيجي، سياسي وعسكري واقتصادي. وأميركا ترى في الصين منافساً شديداً وخصماً قوياً إذا لم نقل عدواً. وطبيعي أن لا يروق لأميركا، التي تنفق الكثير من المال على أبحاث وتطويرات تكنولوجية في إسرائيل، أن ترى الصين تستفيد من ذلك على حسابها. وقد استخدمت أميركا مراراً العصا في تعاملها مع إسرائيل بعدما رأت كيف أن الدولة العبرية في سعيها المحموم لاكتشاف أسواق لبضائعها كانت مستعدة لتعريض الأمن القومي الأميركي للخطر. حدث هذا عندما باعت إسرائيل الصين تكنولوجيا طائرة «لافي» بعدما أوقفت المشروع وتكنولوجيا صواريخ جو-جو. كما أجبرت أميركا إسرائيل قبل حوالي عقد من الزمان على التراجع عن عقد بيع الصين طائرات فالكون التي تحمل أجهزة تجسس وإنذار مبكر متطورة.
والحقيقة أن دوافع إسرائيل في التعامل مع الصين ليست اقتصادية بحتة. إنها ترى في التعاون محاولة لإنشاء صداقة مع حليف قديم وقوي لأعدائها، الأمر الذي يضعف تلك الصداقة أو يضع العصي في دواليب حركتها. كما أنها تنطلق في ذلك من قناعة بأن الغطاء الأميركي ليس أبدياً وبالتالي ليس ثمة ما يحول دون محاولة خلق تحالفات مع القوى العظمى الأخرى في عالم يتجه نحو تعدد الأقطاب. وبديهي أن الصين والهند وروسيا تحتل مكانة هامة في هذا التوجه. وهناك من يعتقد أن جانباً من العلاقة الإسرائيلية الصينية ينطلق من لعبة إسرائيلية هدفها حث أميركا لدفع ثمن مقابل عدم تعميق العلاقة معها.
وأياً يكن الحال، تنطلق إسرائيل في علاقتها مع الصين من واقع أنها تملك ما تقدمه: تكنولوجيا ومكانة. فالخبرات التكنولوجية الإسرائيلية صارت تنافس الكثير من الدول المتقدمة وفي بعض المجالات، كالتصوير التلسكوبي والطائرات من دون طيار وبرامج الاتصالات والتجسس وتقنيات توجيه الصواريخ، تتقدم عن بعضها. كما أن إسرائيل، على صغرها، سوق كبير نسبيا. في العام الفائت فقط اشترى الإسرائيليون حوالي ربع مليون سيارة جديدة. وبات الإنتاج القومي الإسرائيلي يصل إلى حوالي 350 مليار دولار سنويا ومعدل الدخل السنوي للفرد حوالي 37 ألف دولار. ورغم تراجع الصادرات الإسرائيلية مؤخرا إلا أن ميزان التبادل التجاري كان إيجابيا لمصلحة إسرائيل بأكثر من 3 مليارات دولار في العام الفائت.
وبناء عليه، ليس صدفة أن تندفع الاستثمارات الصينية لاحتلال مكانة مميزة في الاقتصاد الإسرائيلي ليس فقط في ميدان التكنولوجيا وإنما أيضا في مجال البنى التحتية والإسكان والمجمعات التجارية وتجارة التجزئة وحتى الزراعة والمناجم. وهذا ما قاد بعض الإسرائيليين للتخوف من «الغزو الصيني» ليس فقط لاعتبارات أميركية وإنما أيضا لاعتبارات داخلية اجتماعية واقتصادية. فالاستثمارات الصينية، وإن كانت من القطاع الخاص، إلا أنها تتأثر بالتوجيهات المركزية للحزب الشيوعي الصيني. ولهذا فإن تبادلا تجاريا بين إسرائيل والصين يقترب حاليا من 10 مليارات دولار يعني الكثير بكل المعاني. ولكن ما هو أهم منه حجم الاستثمارات الذي لا يقل رسمياً عن 3 مليارات دولار فيما هو فعليا أكبر من ذلك بكثير. وفي كل الأحوال، ليس صدفة أن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، «الشاباك» بات يبحث عن عملاء يتحدثون اللغة الصينية وذلك استعدادا لمكافحة التجسس السياسي والصناعي على حد سواء.