خبر من لنا بمن ينقذنا من محبينا؟!..علي عقلة عرسان

الساعة 02:15 م|27 ديسمبر 2013

مؤخراً وبعد استنفاد كل الجهود والوسائل والأدوات والأساليب، المقبولة والمرفوضة، بدأ بعض المعارضين السوريين يقولون: "إن ما يجري في سورية أصبح يستهدف الدولة كلها" وما انفك فريق منهم يقدم شروطاً لحضور جنيف، ويتهم النظام بأنه يعمل على عرقلة انعقاده، وفي جنيف مخرج للجميع ولسورية قبل الجميع من حمام الدم ودوامة الدمار ومسلسل البؤس!! فكيف نفهم هذه المعادلة الصعبة وغيرها مما يستعصي على الفهم، وكيف نتعامل معها بما يقيم منطقاً يستقيم مع أبسط قواعد المنطق؟!

في واقع الأمر يصل المرء أحياناً إلى طريق مسدودة، ولا يملك كلاماً من أي نوع يوفي هذا "التصرف ـ الموقف ـ التوجه" حقَّه من التوصيف وتصوير ما فيه من التهافت، بل ما تضمنه الفعل الذي سبق هذا " الوعي الطارئ" وما تضمنه من "جنوح وطني"، إن صح التعبير، هو أبعد من التواطؤ وأكثر تنقلاً بين السلبي والسلبي وبين لون حربائي ولون بسرعة تفوق سرعة الصوت، وهو يشير إلى انكفاء وتخبط بعد الخذلان والإفلاس اللذين أصابا ذوي التطلع للاستعانة على الشعب والبلد والجيش بالأجنبي وقواته المسلحة، وبعد انتهاء الرصيد المعنوي، بالمعنى الشامل للرصيد المعنوي، "لقيادات" معارضة، عند من يعرفون جيداً من صنعوا وما صنعوا ولماذا؟! وقيمة الأسهم والأرصدة التي تترجم إليها أسهم أولئك في سوقين مؤثرين سوق السياسة وسوق المعارك.. ولكن الإفلاس المعنوي لا يعني بالضرورة إفلاساً مالياً بعد أن أكد كثيرون من المعارضين في أثناء تراشقهم بالتهم وكشفهم لأوراق بعضهم بعضاً، حصول عدد لا بأس به من المعنيين على رصيد مالي يكفيهم وأبناءهم كل حاجة ويضعهم في صفوف من تجاوزوا الضائقات المالية إلى ولد الولد، ومن الطبيعي أن هذا الصنف من الناس الممتد على مساحات بشرية في العالم كله غير معني بقول المسيح عليه السلام " ماذا يفيد ابن آدم إذا ربح العالم وخسر نفسه."؟!

هذا المآل لبعض أوجه و" رموز" هذا النضال كان ماثلاً أمامنا منذ أن كانت بعض المعارضات وبعض المتشنجين في صفوفها أو المحترفين منهم لنهج الغلو الاستعراضي بهدف بهدف التلميع، تطلق كلمات وتقوم بأفعال هي أقرب إلى الاستفزاز وإشهار الذات والوقفات للتصوير من أجل التصدير، ومنها تلك الوقفة المشهورة المشهودة على سياج قصر العدل بدمشق وما أعقبها من ركض الحفاة في شارع النصر، مما هو معروف لكثيرين ومؤسف لعارفين.. وقد كان البعض من السوريين يتابع ما يجري بإشفاق وصمت، ويعرف علل الطرفين، ويدرك أن هذا الأسلوب لا يجدي ولا يغير ولا يصلح.. وكانت فئات من أولئك المعنيين بالإعلانات النضالية المغطاة إعلامياً لا تعمل ولا يهمها أن تعمل مع الآخرين المعنيين بجراح الوطن وأمراض الحكم بمنهجية لمواجهة أشكال الانتهازية والفساد والاستبداد، ولا ترغب بالتعاون البناء مع من يهمهم الإصلاح فعلاً والمحافظة على مصالح الشعب والوطن، وعلى الإيجابي من إنجاز مؤسسات الحكم في إطار الدولة، وقد كان هناك إنجاز وكان مرض وفساد وانحياز، "ومن لا يرى من المنخل أعمى" كما يقول المثل، ومن لا يرى ويحكم بموضوعية يفشل في الحكم حين يصل إلى سدته.

لقد كان هم بعض أؤلئك ركوب الموجة العالية، وكان من بينهم من يعمل بازدواجية الوجه والقناع ويضع قدماً هنا وأخرى هناك، وبين أصابعه أكثر من قلم ليسطر على أوراق ما يطرب وينجي ويسمن، وكان بين أولئك من هو على تواصل مع جهات خارجية ويقيم علاقات مشبوهة ويعمل على إنشاء فروع لمنظمات " N.G.O" معروفة ومفضوحة الأهداف والارتباطات والمرامي وإن كانت تحمل أسماء براقة وجذابة ويورط غيره ويبقى فوق في العلالي.. وكانت دول غربية على الخصوص تتدخّل لمصلحة هذا الشخص أو ذاك من المرتبطين بها أو المتعاونين معها حين كان يتعرض الواحد منهم لسؤال ولما هو أكثر وأقسى وربما أخطر من السؤال، وكانت وسائل إعلام تقوم بالضجة اللازمة من خلال من يحسِنون هذا النوع من قرع الصنوج وتنظيم العراضات الإعلامية على الخصوص.. وكنا نكتشف من آن لآخر ارتباط أشخاص بأجهزة، وانتماء أشخاص لميليشيات عرقية ومذهبية وطائفية وحزبية تعبر عن حالات مرضية مزمنة وتسمم الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية بأشكال مختلفة، وتجعل بعض الأوساط الحريصة على مصلحة الشعب ونظافة اليد وإصلاح الحال تخشى الخوض فيما يجب الخوض فيه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل استفحال الداء وعجز الدواء عن الإبراء، وتشيع في البيئة العامة ما يمكن القول بأنه " خوف الإسبع من الإصبع في الكف الواحدة"؟! فكيف تقبض اليد في هذه الحالة على مقبض سيف الإصلاح بقوة وعزم وموضوعية وعقل.. وهناك من يصدق كل ما يقال ويكتب ويشاع ولا يتحقق من الأمر، وإن حصل وتحقق فبعد فوان الأوان.

وعندما بدأت حملة المعارضين المنظمة، وربما الأكبر والأوسع للسيطرة على مقاليد الحكم في سورية، أخذ تطور الأمور منحى تسارعياً من المعارضة أفضى إلى ردود أفعال من السلطة وقاد نحو التدهور، وربما كان ذلك مدروساً على نحو ما للوصول إلى فوضى المواقف وما ينتج عنها.. وبرزت الرغبات الجامحة، بل المحمومة، من قبل أطياف واسعة من المعارضة في أن يتم تدخل عسكري خارجي في الشأن السوري على غرار السيناريو الليبي الذي كان طازجاً.. لينقلهم ذلك التدخل على جناح القوة والسرعة من مواقع المعارضة إلى مواقع الحكم.. وعندما اصطدم هذا المسعى العدواني على سورية الدولة بكل مقوماتها، بما فيها الشعب ـ إذ لا دولة بلا مقوم رئيس هو الشعب ـ عندما اصطدم ذلك المسعى بالفيتو الروسي ـ الصيني في مجلس الأمن الدولي وبالموقف المبدئي الصلب لتينك الدولتين ومن يقف معهما من مجموعات وتكتلات دولية ودول إقليمية، ولم تجد القوى الغربية سبيلاً قانونياً للتدخل باسم مجلس الأمن الدولي وبقرار منه، ولا ربحاً مضموناً في موضوع التدخل خارج مجلس الأمن الدولي وإرادته كما فعلت في العراق، ولا مناخاً دولياً وإقليمياً مناسباً للقيام بالتدخل العسكري من خارج مجلس الأمن الدولي بعد أن توجهت قطع بحرية لقطبي الرحى الدوليين إلى البحر المتوسط مقابل الساحل السوري.. لم يتوقف معارضون عن البحث مع أصدقاء لهم "!؟!" عن وسائل وأسباب وذرائع وسبل ومداخل لاستجرار التدخل الخارجي في الشأن السوري بهدف تدمير الجيش العربي السوري أولاً، وجعل الفوضى الشاملة تدب في البلاد، بصرف النظر عن الأثمان الباهظة التي سيدفعها العباد من جراء ذلك.. واستمر ذلك الجهد واستمر تصنيع الذرائع إلى أن أصبح ذلك التدخل قاب قوسين أو أدنى، حين حشدت الولايات المتحدة الأميركية قِطعاً من أسطولها البحري قبالة الساحل السوري استعداداً لتوجيه ضربة قاسية أو قاصمة لسورية بذريعة استخدام السلاح الكيمياوي في الغوطة يوم 21 آب/ أغسطس 2013 وكان ثمن الخلاص من هذه الضربة التي هللت لها المعارضة وأصدقاؤها، وحشدت لها واستعدت لاستلام السلطة في أثناء وقوعها، كما حصل في السيناريو الليبي، كان ثمن الخلاص من ذلك الكابوس المرعب تنازل سورية عن أسلحتها الكيمياوية وعن كل ما يتصل بتصنيعها وتخزينها واستخدامها للدفاع عن النفس عند الضرورة القصوى.. وبهذا وصل الأميركيون إلى ما يهمهم، بعد إشاعة والخراب والموت والإرهاب في سورية، وهو حماية "إسرائيل" وتخليصها من كل ما يقلقها أو يزعجها، لا سيما ما تملكه سورية من أسلحة رادعة أو تقربها من الردع ومن حالة توازن الرعب المطلوبة مع عدو عنصري محتل لا يكف عن التهديد والعدوان.. عند هذا المفصل انسحب الأميركيون من أمام الساحل السوري ورجحوا الحل السياسي وجنيف2  بالاتفاق مع الروس، ولكن بعد أن تحقق الهدف الأساس الذي يهمهم تحقيقه وهو: تدمير الأسلحة الكيمياوية السورية وكل ما يتصل بها، وإضعاف سورية إلى أبعد مدى، وإدخالها في شبكة من العلاقات والمعادلات والمشكلات والاضطرابات في أثناء الحرب المستمرة وما أفرزته وفرضته، وحتى بعد أن تضع أوزارها حيث مشكلات إعادة بناء ما دمرته الحرب على صعد شتى، وهي عملية مكلفة ومعقدة من دون شك لا سيما مع ما يرافق ذلك من أوضاع اقتصادية واجتماعية تحتاج بحد ذاتها إلى حلول تقارب المعجزات، ويضاف إلى ذلك ما فرضه هذا الوضع بكل عوامله ومدخلاته من واقع يفرض على سورية تخلفاً عن التقدم، ونكوصاً نسبياً عن الاستعداد لتحرير المحتل من أرضها " الجولان"، وصعوبة مشاركتها أمتها في مواجهة قضايا مصيرية.. وسيفرض هذا الوضع ذاته لسنوات وسنوات من الزمن، فضلاً عن تجريدها من سلاح ردع كلفها الكثير الكثير، وكان يشكل عاملاً من عوامل توازن الرعب مع الكيان الصهيوني الذي ما زال يملك ويطور كل أنواع أسلحة الدمار الشامل النووية والكيمياوية والجرثومية، وجعلها على شفا الإفلاس تلعق جراحها وتلهث لتصلح ما تخرب من بناها الاجتماعية والاقتصادية على الخصوص، مما يشكل عملية انكفاء أو تقوقع طويلة على الأمد.

إن التأمل في هذا المسار المدمر بتشعباته كافة، والوقوف عند حدود ما وصل إليه أطرافه من تحديات تصل إلى حدود الرغبة في الاجتثاث المتبادل، ووجود تجمعات بشرية " سورية وعربية وإسلامية" متقابلة تتقاتل على الأرض السورية لتحقيق أهداف مذهبية "مكشوفة موصوفة ومعروفة" وتتعلق نتيجة بهوية سورية السياسية والمذهبية، ولكل طرف من تلك الأطراف المنغمسة في الاقتتال والاستئصال علومه ومعلوماته وثأريته وكلومه وطموحاته وتعلاته وحساباته.. " ويا لثارات من لا تنتهي ثاراتهم بتحول أحوال ووفاة أجيال وأجيال وأجيال.."!؟ ووراء كل من الأطراف المعنية اليوم بالأزمة "الدولية" في سورية دول وأحزاب وأجهزة ومؤسسات وأشخاص يمولون ويسلحون ويجيِّشون ويحرِّضون.. وكل ذلك يكشف لمن يريد أن يقارب الواقع والحل ويرى إلى الحاضر والمستقبل، يكشف له بعض أبعاد الأزمة وأهدافها وعقابيلها وما آل إليه تطورها أو تطوير الأحداث والأشخاص لها، من رغبة في الحكم أو في الإصلاح إلى قضاء على الحكم والإصلاح بمعنى من المعاني البناءة للحكم والشعب والبلد.. وإن التمحيص في كل ما اتصل بالأزمة السورية ونتج عنها حتى الآن، وكشف ما توارى وما يتوارى في ظلالها مما هو مستتر، فضلاً عن كونها اكتسبت أبعاداً دولية ودخلت في صلب نزاع القطبية الدولية في السياسة والاقتصاد والمواقع الاستراتيجية وضفاف النفوذ والهيمنة السياسية.. إلخ، إن التمحيص في ذلك كله يضع المرء أمام مأساة سورية دامية ذات فصول آتية، أزمة مسربلة بالسواد تليق بها أثواب الحداد، تنز موادَّ حارقة تجعلها كتلة نار تكرج وتكبر وتحرق، فيهلل للنار من لا يكتوي بها ويريد أن يحرق بها الآخرين ممن يراهم أعداء كفرة أو زنادقة، ويسطيب الاحتراق والإحراق بعض الغارقين في بوسها الوالغين في دمويتها لأغراض الدين، "والدين من ذلك براء".. كما يضعه أمام وضع هو غاية في التعقيد، ولا يتوقف عند حدود الداخل السوري واشتباك المعارضات المسلحة والتنظيمات الإرهابية والسلطات السورية في معمعانٍ قتالٍ بلا معانٍ، بل يتعداه إلى فئات وبلدان من تلك التي تتصل بالميدان على نحو ويصل إليها ما في الميدان السوري على نحو.. ويذهب ضحية ذلك كل من يشارك فيه ومن تجري وقائعه على أرضه، ومن يدفع الناس والمال ليبقي الحريق مشتعلاً والأضاحي البشرية على الموقد ولا أقول المذبح.

فأي شبء مقنع أو مريح أو مربح في هذا لذي عقل وضمير، ولباحث عن الحرية والإصلاح، وعن الحكمة في الحكم والمنطق البناء في الأقوال والأفعال.؟!

لقد جر المتهالكون على حكم سورية باسم "حبها وإصلاحها وإنقاذها وتحريرها و.."، لقد جروا عليها الهلاك، و"من الحب ما قتل".؟! وأكاد أقطع بأن ذلك النفر الذاهب في هذا النوع "من الحب؟!" إلى أقصى مداه هو مريض بالأنانية المغرقة في النرجسية، ولا يحب سوى نفسه ولا يرى إلا من خلال عواره.. لأن في حب وطن والكلام باسم شعب ما ينبغي أن يشفع للوطن والشعب ويخلصهما من التهلكة، ولأن في الحب بعض القدرة على التضحية والتجاوز والشعور بالآخر والارتفاع إلى التسامي والترفع عن الولوغ في الإثم والدم والجرم.. فمن لنا يا ترى بمن يخلصنا من حب المحبين لنا، ومن ادعاء "المحبين المخلّصين" بأنهم يمثلوننا ويفعلون كل ما يفعلونه باسمنا ومن أجلنا؟!.. أنهم يبيعوننا في السوق عبيداً ليحررونا!!، ويدحرجوننا إلى الجحيم وهم يزعمون أنهم يدفعوننا دفعاً إلى الجنة؟! ومن لنا بمن يخلصنا من مخلصينا الذين يرون خلاصنا في إماتتنا لا في إحيائنا، والحياة غير الموت كما يعرف المحبون والمصلحون والزعماء والملهَمون والقادة الأفذاذ ومن يبنون للشعوب أمجاداً بالتضحية في سبيلها لا بالتضحية بها في سبيلهم؟!! من لنا.. ومن لنا.. ومن لنا.. هي أمانٍ و..

ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدرِكُهُ       تَجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ

دمشق في 27/12/2013

علي عقلة عرسان