خبر كلمات متقاطعة اسلامية غير قابلة للحل -هآرتس

الساعة 11:21 ص|25 ديسمبر 2013

كلمات متقاطعة اسلامية غير قابلة للحل -هآرتس

بقلم: تسفي بارئيل

(المضمون: في ظل المتاهة المعقدة لمنظمات المعارضة فان اليقين الوحيد هو جدول القتلى، الجرحى واللاجئين الذي يواصل تغذية هذه الحرب - المصدر).

 

في الطرف الجنوبي من بلدة رهانلي التركية في ضواحي محافظة التاي يقف معبر الحدود باب الهوى المؤدي الى سوريا. ومن خلال هذا المعبر تمر كل يوم شاحنات محملة بالبضائع من الشمال الى الجنوب ومن الطرف الثاني ينتقل كل ساعة عشرات المواطنين السوريين بحثا عن ملجأ وحياة جديدة في المدن التركية. كل هذا انتهى قبل نحو اسبوعين مع قرار تركيا اغلاق المعبر.

 

حين زرت باب الهوى قبل عدة اشهر، عرض عليّ شاب سوري كان يتجول دون عمل يقوم به، أن ينقلني عبر الحدود الى سوريا على دراجة. ليس عبر المعبر الرسمي بل عبر دروب ترابية ومسارات التفافية شقها لانفسهم مهربو الحدود بين الجبال. "من سينتظرنا في الطرف الآخر؟"، سألته، "من تريد ان ينتظر؟ اذا كنت تريد رجال الجبهة – يمكن لهذا أن يأخذك اليهم، إذا كنت تريد الاحرار، هذا سيكلفك أكثر لانهم أبعد قليلا، اذا كنت تريد الجيش الحر – هذه ليست مشكلة، فهم قريبون. السعر 50 دولار فقط". تخليت.

 

"الجبهة" التي تحدث عنها الشاب هي "جبهة النصرة"، منظمة ثوار سُنة متطرفة تشكلت في 2012 وقبل بضعة اشهر انضمت الى منظمة القاعدة، عبر فرعها الاقليمي المعروف باسم "دولة الاسلام في العراق والشام". "الاحرار" هي مجموعة اسلامية اخرى اسمها الكامل هو "أحرار الثورة". ومع أن هؤلاء يمقتون القاعدة، ولكنهم يمقتون الحركات الدينية الاخرى ومستعدون لان يقتلوا اعضاء منظمات دينية بذات الحماسة التي يقتلون فيها جنود النظام السوري.

 

من هو من؟ هل يوجد أخيار واشرار، أم ربما كلهم يجلسون على مسطرة الشر؟ هذا بالضبط هو السؤال الذي تتردد فيه محافل الاستخبارات الغربية، الذين يجدون صعوبة في تصنيف المنظمات الاسلامية العاملة في سوريا في محاولة لان يجدوا بينها شركاء محتملين للحوار. إذ أنه عندما تعلن واشنطن بانها مستعدة لان تدير مفاوضات مع مجموعة تسمى "الجبهة الاسلامية" كي تضمها الى مؤتمر جنيف 2 وتوحدها مع الجيش السوري الحر في كتلة معارضة مقاتلة واحدة، فانها لا يمكنها أن تكون واثقة من أن قسما من نشطاء تلك الجبهة ليسوا ايضا رجال القاعدة. امكانية اخرى، لا تقل خطورة، هي أن قسما من النشطاء الذين تتشكل منهم تلك الجبهة كانوا شركاء قبل عشرة ايام في قطع الرؤوس في بلدة عدرا في محافظة دمشق.

 

خريطة المنظمات الاسلامية العاملة في سوريا هي كلمات متقاطعة معقدة للغاية على الحل. وهي تشبه متاهة متوزعة ومتفرعة تكاد تكون بلا نهاية. أجزاؤها ترتبط احيانا مع اجزائها السابقة واحيانا تنفصل عنها بغضب وعنف وفي الطريق يخلفون اكواما من جثث المواطنين الذين لم ينجحوا في الفرار. مثال مثير للاهتمام ومميز هو طريقة تصرف "الجبهة الاسلامية"، منظمة دينية متطرفة تعرف نفسها "بالمعتدلة" وحتى قبل شهر كانت جزء من الجيش السوري الحر. بين قيادة الجبهة وبين الجيش الحر نشبت خلافات قاسية على خلفية توزيع المساعدات الخارجية والسلاح الذي يصل من الدول العربية، الغرب وتركيا. وتدعي المنظمات الاسلامية بان قيادة الجيش الحر لا تنقل لهم نصيبهم الذي يستحقونه، سواء من المساعدة المالية أم من كميات الذخيرة. وعلى هذه الخلفية قررت 11 منظمة دينية الانسحاب من الجيش السوري الحر واقامة "جبهة" خاصة بهم. وفي الميثاق الذي صاغته على عجل تضم الجبهة الاسلامية 11 منظمة، ولكن يتبين أن عمليا لم ينضم اليها سوى 7. ماذا حصل بالباقي؟ بعضهم قرروا الانضمام الى كتلة جديدة من المنظمات التي اقيمت قبل شهرين فقط وتحمل اسم "جبهة ثوار سوريا"، التي تضم 15 منظمة ومنها "كتائب شهداء سوريا" التي يترأسها جمال معروف.

 

"جبهة ثوار سوريا" قامت بمبادرة الجيش السوري الحر بعد أن سيطرت الجبهة الاسلامية على قاعدة الجيش الحر قرب باب الهوى وصادرت وسائل قتالية وذخيرة كانت فيها. وللحظة بدا أن الجيش الحرب والجبهة الاسلامية يوشكان على فتح حرب داخلية بينهما، ولكن في اليوم الرابع نجح الطرفان، الى جانب "جبهة الثوار" في الوصول الى تفاهم والمصالحة والتوقيع على اتفاق تعاون. وفي الاتفاق تعهدت الجبهة الاسلامية بالتعاون مع الجيش الحر واعادة السلاح والذخيرة التي أخذت، ولكن ليس الانحلال وتوحيد الصفوف. والنتيجة هي ان الجبهة الاسلامية مع سبع منظمات، جبهة الثوار مع 15 منظمة والجيش السوري الحر سيواصل فتح عين واحدة على الجبهتين، واذا كانت حاجة ايضا القتال الواحد ضد الاخر، اذا ما أظهر أي منهما ميول مستقلة للسيطرة على الاراضي في ارجاء سوريا.

 

الانشقاق بين المنظمات الاسلامية ينبع ضمن امور اخرى من انها تتمتع بدعم مالي ولوجستي من دول مختلفة. هكذا مثلا تركيا تدعم الجبهة الاسلامية المعتدلة نسبيا، السعودية دعمت حتى وقت أخير مضى "كتائب شهداء سوريا – فرع إدلب" و "كتائب السوريين الاحرار في مدينة حلب". ولكن عندما تبين لها بان الكتائب التي تدعمها قطر اكثر أهمية، بدأت "تسرقها" منها. احدى هذه المنظمات هي "كتيبة الاسلام" في بلدة الغوطة، التي تعرضت لهجوم كيميائي قبل بضعة اشهر.

 

حيال المنظمات الاسلامية السورية، تقف قوات "دولة الاسلام في العراق والشام" المتفرعة عن القاعدة. رجالها يقاتلون فيها ضد قوات النظام السوري وضد منظمات اسلامية "معتدلة". هكذا مثلا هاجمت قواتها المحاكم التي اقامها رجال الجبهة الاسلامية في عدد من البلدات، وأعدموا عشرات المواطنين في بلدة سرمادا بدعوى أنهم تعاونوا مع الاسد. عمليا، كان هؤلاء مواطنون أبرياء، بعضهم مسيحيون وبعضهم مسلمون سُنة. كما سيطر مقاتلو "دولة الاسلام" ايضا على بعض من معابر الحدود الى العراق والى تركيا وظاهرا يشكلون التهديد الاكبر الذي يخشاه النظام السوري والدول الغربية على حد سواء.

 

ولكن اذا ما راجعنا ميثاق الجبهة الاسلامية "المعتدلة"، تلك التي تتعاون مع الجيش السوري الحر والكفيلة بان تكون الحليفة الجديدة لواشنطن، يتبين ان الحديث يدور عن كتلة من المنظمات الاسلامية التي هدفها اقامة دولة شريعة في سوريا. "هدفنا هو تعزيز الدين في أوساط الفرد والدولة، الحفاظ على الهوية الاسلامية، وبناء شخصية اسلامية كاملة. نحن نتطلع الى أن نبني سوريا كدولة تقوم على أسس العدل، الاستقلال والتكافل المتبادل بشكل يستوي مع مبادىء الاسلام"، كما ورد فيه.

 

هل الجبهة الاسلامية هي نوع مميز من حركة الاخوان المسلمين أم أخ شقيق لطالبان. يبدو أنهم في الولايات المتحدة سيحتاجون الى زجاجة تكبير شديدة القوة كي يلاحظوا الفروق. تخوف الجيش السوري الحر هو أن تقرر واشنطن بان كل منظمات

 

الجبهة هي المسؤولة الحقيقية عن المعركة في سوريا فتدير له الظهر. إذ هكذا تصرفت واشنطن في العراق وفي افغانستان على حد سواء حين بدأت تدير حوار مع منظمات اسلامية متطرفة أو ما طالبان. هذا التخوف يدفع بعض قادة الجيش السوري الحر الى أن يتحدثوا علنا عن امكانية التعاون مع الجيش السوري ضد نشطاء القاعدة وعمليا ضد عموم المنظمات الدينية العاملة في الدولة. واذا لم يكن يكفي كل هذا التعقيد، فلا يجب أن ننسى دور المعارضة الكردية في القتال في سوريا. هي ايضا تتشكل من ذراع سياسي وعسكري وفي اطارها ايضا تعمل منظمة اسلامية تسمى "الجبهة الاسلامية الكردية". هذه المنظمة ليست جزءاً من الجبهة الاسلامية السورية ولكنها تعمل ايضا دون تنسيق مع القوات المقاتلة الكردية الاخرى.

 

يبدو حاليا أن الاسد هو الأمل الوحيد المتبقي لسوريا. وزير الخارجية الامريكي كيري وإن كان يواصل الادعاء بانه لن يكون مكان للرئيس السوري في الحكم الذي سيقوم في نهاية الحرب الاهلية، الا انه لا يعرف ما يقوله أيضا عمن يمكن أن يحل محله. اليقين الوحيد هو جدول القتلى، الجرحى واللاجئين الذي يواصل تغذية هذه الحرب.