خبر كيف (لا) يصنعون سلاما.. يديعوت.. بقلم: ناحوم برنياع

الساعة 04:35 م|20 ديسمبر 2013

          (المضمون: ستكون مشكلة رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو مشكلة داخلية في الأساس اذا ما أراد الاتفاق مع الفلسطينيين على انهاء الصراع - المصدر).

          في يوم الاحد، خرج رئيس هيئة الاركان بني غانتس في جولة في يهودا والسامرة. وكانت الجولة قد حددت منذ زمن لكن الثلج الذي نزل في نهاية الاسبوع فرض عليه برنامج عمل جديدا. وكان الشارع 60، وهو الشارع الذي يقطع الضفة الغربية طولا، كان في يوم الاحد خطا اسود ضيقا زلقا حاصرته أكوام الثلج من جانبيه. وكان الشارع خاليا إلا من سيارات فلسطينية قليلة. ووقفت هنا وهناك سيارات علقت للمستوطنين الى جانب فلسطينيين.

          وفي ترمس عيا، وهي قرية الاغنياء الفلسطينية، تداعت السقوف القرميدية الحمراء من ثقل الثلج. إن لهم هناك سقوفا مضاعفة سقفا فوق سقف كما في سويسرا وكما في يفنه. والى الجنوب من هناك قليلا في سنجل نزل الى الحقل الذي كان ابيض كله، امرأتان ورجل حفنوا في أيديهم الثلج وجعلوه كرات. وحينما انتهوا من ذلك رمى به بعضهم بعضا.كانت الشابة بين المرأتين تلبس ثوبا بنفسجيا فاقعا متزينة بغطاء رأس صوفي أصفر – اسود، وبغطاء آخر أزرق – ليلكي وعليهما غطاء آخر بلون أزرق سماوي غطى رأسها. وكانت الثانية تلبس معطفا اسود وغطاء رأس ابيض تقليديا. وكان الرجل يلبس معطف أزرار اسود وقبعة بنية من الفرو. ولحيته سوداء هي لحية مساجد.

          كان يوجد في سعادتهم شيء ما غير عادي لمرة واحدة، فقد ضحكت الشابة ضحكا كثيرا ممتلقا وردت ظهرها الى الخلف وكشفت وجهها للشمس. وأجابتها الكبيرة بضحكها الذي كله تدفق واحتضنت كتفيها ثم انفصلت عنها ثم عادت فاحتضنتها، وكان الرجل غارقا في اللعب يقفز في الثلج العميق ويرمي المرأتين بكرات الثلج ورمى الى الهواء بكرات ثلج وانفجر بضحك عظيم حينما رآها تتحطم أجزاءا صغيرة حينما تبلغ الى الارض.

          كانوا وحدهم، فلم يكن حولهم سوى الصمت والسهول البيضاء الخالية من الناس والبهائم، والجو الصافي والشمس اللطيفة والسعادة الغامرة. وأوقف رئيس هيئة الاركان القافلة فنزل الى السهل ونزلت خلفه مجموعة الضباط. وسأل رئيس هيئة الاركان: "من أين أنتم؟" فأجابه الرجل: "من سيريس".

          إن سيريس قرية في غور دوتان. كانت سيارتهم تقف الى جنب الشارع وقد قطعوا مسافة طويلة خطيرة الى هنا. وتابع الرجل قائلا: "إننا في الطريق الى هداسا في عين كارم. فزوجتي يجري عليها هناك علاج من السرطان. هذه زوجتي وتلك من أقربائي".

          وفجأة لبست السعادة وجها مختلفا، فقد اختلف المشهد، فصار حزينا وأقل طفولية. وأشار غانتس الى الثلج وقال: "الطبيعة أقوى من المصالح المتناقضة لكل شعب، إنها أقوى منا جميعا".

          وكان موتي ألموز، متحدث الجيش الاسرائيلي الجديد، يترجم الى العربية. ووافق الفلسطينيون الثلاثة على ما قال.

          "لماذا لا يمكن العيش معا"، قال الرجل من سيريس إما سائلا وإما متعجبا.

          فوجه اليه غانتس بسمة عابثة ومخادعة وجمع حفنة من الثلج من الكومة التي أمامه فرمى بالحفنة الى الهواء باتجاه الثلاثة. فاستجاب الرجل للتحدي فجمع حفنة ضئيلة وردها عليه.

          وانتهى تبادل التراشق بعد أقل من عشر ثوان بابتسامة ومصافحة وكان مصور متحدث الجيش الاسرائيلي يصور. إن الصورة ساحرة وزاهرة ومُضللة. طلبت أن أنشرها فأجاب رئيس هيئة الاركان: "لا مشكلة. بعد اتفاق السلام فورا".

       الصديق الهاتفي

          بيد أن السلام لا يسرع في الوصول. إن المحادثات التي تجري منذ خمسة اشهر هي من أعجب ما عرفنا. سجل أكثر من عشرين لقاءا بين تسيبي لفني وصائب عريقات. وزارنا وزير الخارجية الامريكي كيري هنا مرة بعد اخرى. واستؤجر نحو من 130 شخصا – وهذا عدد لا مثيل له في كبره – للعمل لأجل فريق السلام الامريكي لكن الدراما الحقيقية تحدث في مكالمات هاتفية منفصلة تتم مع نتنياهو وعباس.

          تستمر المحادثات ساعات ويضطر كيري الاثنين الى قطع المباحثات في المواضيع المطروحة للنقاش والغرق في المهاتفة. فهو متحمس الى درجة الوسواس وهما مضغوطان. إن نتنياهو لا يؤدي تقريرا كاملا الى المجلس الوزاري المصغر عن مضمون أحاديثه مع كيري. ونشك في أن يكون كيري يؤدي تقريرا كاملا الى العاملين معه. وفي فترة اولمرت ايضا تمت المحادثات في مستويين منفصلين – اولمرت مع عباس ولفني مع عريقات. لكن الفرق هو في المكانة التي جعلها وزير الخارجية الامريكي لنفسه وهي الصديق الهاتفي. يكرر الرئيس اوباما مرة بعد اخرى قوله إن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تريد الاتفاق أكثر مما يريده الطرفان. لكن كيري يفعل عكس ذلك بالفعل. فهو يقود عباس ويقود نتنياهو خصوصا الى سلسلة أحاديث حميمة ما كانت لتخجل مسلسلا تلفازيا من نوع "في علاج".

          إن الغاية التي حددها لنفسه هي أن يضطر القادة من الطرفين الى التوصل الى ما يسميه "لحظة الحقيقة" – وهي اللحظة التي لا يستطيعون فيها التهرب بعد ويضطرون الى أن يبتوا الامر الى هنا أو الى هناك، فاما اتفاق وإما ازمة. والأجل المسمى هو نهاية نيسان لكن الغاية سبق ذلك ببضعة اسابيع ليُترك مكان لضغوط اللحظة الاخيرة، إن فترة الاعياد المسيحية، التي تبدأ في هذه الايام وتستمر الى بداية كانون الثاني تُمكن من مهلة. ولا توجد علامة طريق سوى الافراج عن الدفعة الثالثة من السجناء في نهاية الشهر، فقد انقضت مرحلة الاستيضاح وأُثيرت المطالب وبُحثت. والمخطط معروف. إن كيري يدع الاثنين يُطبخان في مرقهما وأن يُعدا واجباتهما المنزلية استعدادا للجولة التالية. حينما يكون كيري رأس المثلث ويتحدث نتنياهو وعباس الواحد الى الآخر بواسطته تنشأ مشكلة وهي أن الشك بين الزعيمين يبقى كما كان، فلا يوجد حراك ايجابي بينهما ولا توجد بادرة حسن نية شخصية تُلين العداوة.

          ويبدو الجانب الفلسطيني الى الآن أصعب اقتناعا من الجانب الاسرائيلي. وفي ذلك مفاجأة، فنحن غارقون كثيرا في الجدل الداخلي في اسرائيل حتى إن أعيننا انصرفت عن رؤية مقدار الرفض الفلسطيني. ولا يعلم أحد في هذه المرحلة ولا كيري ايضا هل الحديث عن موقف مساومة أو عن خط نهائي. والواقع، وهذا صحيح حتى نهاية الجولة الحالية، هو أن أبو مازن يقول لا لكيري؛  ويقول له نتنياهو، ربما، وسنرى، ولا ينبغي اخراج ذلك من دائرة الامكان. قد يكون نتنياهو أكثر مرونة مما اعتيد أن يُظن، وقد يكون تكتيك تهربه أكثر تطورا. فكيري لا يعلم الى الآن. ونشك في أن يكون نتنياهو يعلم.

          قال لي أحد المشاركين إنه اذا حدث تحول فسيحدث دفعة واحدة بصفقة شاملة تشتمل على جميع المواضيع الجوهرية وتكون فيها تنازلات وتعويض ايضا، كما تُرفع نقالة في الجيش، فاما أن تُرفع النقالة من جميع أطرافها وإما أن يسقط كل شيء.

          إن أحد العناصر المثيرة في هذه اللعبة هو وحدة نتنياهو. فهو لا يستطيع أن يشاور في الحقيقة زملاءه الوزراء لأنه لا يثق بحفظ أحد منهم للسر؛ وديوانه خالٍ من موظفين يُجّل نصيحتهم؛ فقد غادر رون بريمر الى واشنطن؛ وترك يعقوب عميدرور العمل، وبقي اسحق مولخو، وهو محام خاص وقريب عائلة. ويؤدي مولخو في التفاوض دور الرجل السيء. فهو يلقي في روع نتنياهو مرة بعد اخرى تحذيرات من كل خطوة قد تُفسر بأنها تنازل. ويصعب على الشركاء الآخرين أن يحددوا هل يتحدث مولخو عن لسان نتنياهو أو العكس، أي هل يتحدث نتنياهو عن لسان مولخو.

          والعنصر الآخر سياسي – داخلي. فقد أصبح التفاوض ساعة توقيت تقيس مدة حياة الحكومة. فاذا ما استقر رأي نتنياهو في لحظة الحقيقة على الاتجاه يمينا فان لفني ولبيد ينويان ترك الائتلاف الحكومي. ويستطيع نتنياهو أن ينشيء ائتلافا يمينيا مع الحريديين وربما مع موفاز ايضا أو أن يحاول احراز أكثرية تؤيد الانتخابات. ويصعب على هذه الحكومة أن تُجند تأييدا في البلاد لكن ذلك في العالم أقل صعوبة. وسيتعجل الاوروبيون خطوات عقابهم ويتابعهم الامريكيون على ذلك.

          واذا اتجه في لحظة الحقيقة الى اليسار فسيفقد البيت اليهودي وقد يفقد القسم الاستيطاني في الليكود. وسينضم اليه حزب العمل بالطبع ويصبح ليبرمان لسان الميزان، فاذا أراد أسقط الحكومة واذا أراد أقامها، وسيضطر نتنياهو كشارون في حينه الى أن يبحث لنفسه عن برنامج عمل آخر وعن اسلوب آخر وعن جمهور مصوتين آخر، فهو سيضطر الى بدء التحول في الداخل.

          يقول المنطق إنه بين هذين الامكانين السيئين بالنسبة لنتنياهو، سيحاول أن يختار ثالثا وهو أن يلقي ذنب الفشل على أبو مازن، فاذا كان الفلسطينيون مذنبين فليس ما يدعو الى أن تترك لفني ولبيد. وليبرمان سعيد. وبينيت سعيد. والرأي العام راضٍ – والامريكيون يحرقون أسنانهم لكنهم لا يتجرأون على المس بالمساعدة لاسرائيل. وستكون هذه حكومة اسرائيلية اخرى مدينة بحياتها لأبناء العم من فلسطين.

       امريكا تتذكر

          لم يُطلع رابين الجيش الاسرائيلي على سر اوسلو، لكن حينما أصبحت المحادثات مكشوفة وضع جنرالات الجيش الاسرائيلي في مركزها، وكان عنده سببان جيدان ليفعل ذلك، فلأنه كان وزير الدفاع كان من السهل عليه أن يُسخر أقسام هيئة القيادة العامة وشعبة التخطيط و"أمان" ونائب رئيس هيئة الاركان لخدمة التفاوض. وكان يستطيع الاعتماد على الجيش. وكان الشيء الأساسي هو الترويج لأن ثم احتمالا أفضل لاقناع الجمهور بعدالة الاتفاق حينما يلبس البزة العسكرية. وهذا ما فعله رابين في التفاوض مع سوريا ايضا.

          لكن نتنياهو يسلك عكس ذلك الى الآن. إن للجيش الاسرائيلي مندوبا الى المحادثات التي تجريها تسيبي لفني. وقد أكثر فريق الجنرال ألين الذي أعد المخطط الامني الذي قُدم الى نتنياهو وعباس، من التباحث في التفاصيل مع الجيش الاسرائيلي، لكن رأي الجيش الاسرائيلي الاستشاري لم يُطلب في المواضيع المركزية. إن اسرائيل تفاوض في حدودها منذ 1948. ويبدو أن الجيش الاسرائيلي لم يكن قط حاضرا غائبا كما هو في هذه الجولة. اذا ما استقر رأي المفاوضين وحينما يستقر على مكان مرور الخط الحدودي، فسيقدم الجيش الاسرائيلي حلولا أمنية للواقع الذي سينشأ. ويقول التوجه الأساسي إن الأمن ضروري للسلام، فالاتفاق بلا أمن سيُكتب في جليد.

          تعلم نتنياهو الاستماع للجنرالات. وسؤال لماذا يفعل ذلك هل لأنه يؤمن باستقامتهم المهنية أم لأنه يخشى لجنة التحقيق التالية – غير مهم، بل المهم أنه يستمع. وقد منع استماعه لآرائهم في شأن ايران مغامرة عسكرية حُكم عليها بالفشل مسبقا. فكل الاحترام لنوع استماع رئيس الوزراء.

          لا يتعلق بنا ما سيحدث في ايران بل بتصميم الادارة الامريكية. والتقدير في الجيش الاسرائيلي هو أن التفاوض في الذرة الايرانية لن ينتهي في أجله بل سيتم الاتفاق على إطالة المدة. وسيكون في خلال السنة القريبة ما يسمى في الجيش الاسرائيلي: "مواجهة حول اتفاق". سيريد الايرانيون أن يشعروا بأنهم يبتعدون عن منطقة الخطر. وسيكون دور الامريكيين أن يُذكروهم بأنهم ما زالوا هناك. ولا يجوز لامريكا أن تنسى أن امريكا، يقول ضباط في الجيش الاسرائيلي. وأخشى ألا تكون المشكلة فيما نسيه الامريكيون بل فيما يذكرونه وهو: العراق وافغانستان وصعوبات اقتصادية في الداخل وشلل سياسي داخلي. إن امريكا تأمل مُهلة.