«فضيحة الجنازة» تلاحق نتنياهو

خبر حجة التكلفة واهية.. وإسرائيل عدوة مانديلا .. حلمي موسى

الساعة 07:54 ص|11 ديسمبر 2013

حلمي موسى

بعدما برّر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عدم ذهابه للمشاركة في جنازة المناضل نلسون مانديلا بـ«التكاليف الباهظة»، تعالت التساؤلات في الدولة العبرية حول الأسباب الحقيقية. وبديهي أن البعد المالي في الأمر كان بين آخر هموم بنيامين نتنياهو، التي تتحدث التقارير الرسمية عن مدى استغلاله للأموال العامة في حياته الشخصية. ولذلك تركزت التقديرات حول أسباب سياسية وحزبية لعبت الدور الأساس في ما بات يعرف في إسرائيل بـ«فضيحة الجنازة». فالأمر لم يقتصر على نتنياهو بل تعداه إلى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ذاته، الذي برر الغياب عن الجنازة بالأسباب الصحية.

وقد حاولت صحف إسرائيلية تقصي أسباب الفضيحة، التي تمثلت بغياب أي من قادة إسرائيل عن الجنازة واقتصار التمثيل على رئيس الكنيست يولي أدلشتاين، الذي يقيم في مستوطنة تمثل إحياء لنظام الفصل العنصري. وأشارت إلى أن السجال الذي دار في إسرائيل حول المشاركة من عدمها نال عناوين في وسائل الإعلام الدولية، خصوصاً بعد تراجع كل من نتنياهو وبيريز عن المشاركة، وتردد أدلشتاين عن المشاركة حتى اللحظة الأخيرة. وكان بيريز قد أعلن أن قربه من مانديلا يدفعه للذهاب للمشاركة، في حين قادت حالة الحزن العالمية على مانديلا نتنياهو للإعلان عن ترؤسه لوفد بلاده في الجنازة. ولكن كل ذلك سرعان ما تبدد للتبريرات السالفة لتقتصر المشاركة على أدلشتاين وأربعة أعضاء كنيست.

وأشار أحد المعلقين إلى أن قرار نتنياهو بعدم المشاركة، الذي اتخذه في اللحظة الأخيرة، يثبت أن هذا الرجل ليس «المتردد، الصغير، الثأري، المهين، كما يتبدى. إنه أسوأ من هذا». غير أن الحقيقة تتمثل في أن التبريرات المالية لنتنياهو والصحية لبيريز تكشف أن الرجلين أرادا ركوب موجة الحزن العالمي واستغلال اللحظة لتطهير إسرائيل من الكثير من الرجس الاستعماري والعنصري. فمانديلا كان حقا وفعلاً عدوا لإسرائيل، التي وقفت طوال عمرها ليس فقط ضد حقوق الشعب الفلسطيني وإنما أيضاً ضد حقوق الأفارقة. فهي التي أنشأت أعمق تحالف سياسي واقتصادي وعسكري مع نظام التفرقة العنصرية. وهي التي خالفت الاتفاقات الدولية حتى آخر لحظة ورفضت التجاوب مع مظاهر مقاطعة النظام العنصري. ويصعب تطهير الموقف الإسرائيلي بوصول بيريز أو نتنياهو لحضور جنازة مانديلا.

ومن الواضح أن مظاهر الحزن المنافق، التي أظهرها نتنياهو وبيريز، كانت تتعارض مع ميول وطبائع اليمين الإسرائيلي. ولاحظ كثيرون أنه لم يكن بوسع نتنياهو المشاركة في جنازة مانديلا وعدم توتير علاقاته مع اليمين المتطرف داخل حكومته وائتلافه. ولذلك، رأى أحد هؤلاء أن تصرف نتنياهو يظهر طبيعته برسالة مفادها أن «إسرائيل التواقة جداً للشرعية ولاعتراف الأسرة الدولية بها وتطالبها بذلك، لا ترى في شخص كنلسون مانديلا وفي أمة كشعب جنوب أفريقيا من يستحق انفاق تكلفة الطيران إلى هناك». وأضاف أن إسرائيل التي تنفق مئات الملايين من الدولارات على بناء المستوطنات وعلى التسلح وحتى على إقامة معتقلات للأفارقة المهاجرين إليها للعمل «لا تملك المزيد من المال لتنفقه من أجل مانديلا». وهذه هي رسالته إلى اليمين المتطرف، الشبيه بجماعة «كو كلوكس كلان» ليقول لهم «هذا هو موقفي ممن يحب الفلسطينيين».

ومن الجائز أن هذا التصرف هو ما دفع شخصاً مثل السكرتير العام لحركة «السلام الآن» ياريف أوفنهايمر لأن يكتب أن «تأبين اليمين الإسرائيلي للمحارب من أجل الحرية تراوحت بين قلة الوعي والنفاق». وفي نظره وحتى إذا لم يكن هناك تطابق بين نظام الأبرتهايد والاحتلال، فإن إسرائيل تمثل في نظر مانديلا كل ما حارب ضده طوال عمره. وأشار إلى أن نتنياهو يعرف لماذا لا يمكنه أن يقف بين قادة العالم ليبدي الاحترام لمن حارب وانتصر على نظام الفصل العنصري. وشدد على أنه خلافاً لما يشيعه البعض فحكم الابرتهايد كان سيئا ليس فقط لأنه كان حكم تفرقة عنصرية، وإنما لأنه تجسيد لسياسة شعب يريد السيطرة على شعب آخر.

أما شالوم يروشلمي في «معاريف»، فكتب أنه ليس بالوسع الإنكار أنهم في جنوب أفريقيا لا يحبوننا ولن يحبوننا. فإسرائيل حفرت في عقول الشعب الأسود كمن تعاونت مع نظام التفرقة العنصرية الفظيعة، التي قمعت ودمرت قرى بكاملها، وألقت بنلسون مانديلا في السجن 27 عاماً. وأضاف أن اتفاقيات أوسلو هي التي حسنت بعض الشيء صورة إسرائيل، لكن إسرائيل تحت حكم نتنياهو عادت لتغدو دولة غير مرغوب فيها.

واعتبر السفير الإسرائيلي السابق في جنوب أفريقيا ألون ليال أن نتنياهو فعل خيراً بتجنب الذهاب إلى هناك. وفي نظره فإن «نتنياهو ليس شخصاً مرحبا به هناك، والصواب هو ما فعل». وأشار إلى «أن هذا سلوك مرعب. نتنياهو لم يفهم كم أن الأمر معقد سياسياً وكم يعارض الجمهور الجنوب أفريقي حضوره إلى الجنازة. لقد فعل الصواب ولكن من المهين تبرير عدم المشاركة بأسباب مالية». ولاحظ أن ترؤس أدلشتاين للوفد الإسرائيلي إشكالي، «فهو يمثل خطاً يمينياً متشدداً وهو مستوطن. وما يخلق المشاكل لنا وفي جنوب أفريقيا هو الاحتلال».