يتميز بالسطحية وإغفال الأسئلة الصعبة

خبر تقدير الموقف الأمني الإسرائيلي

الساعة 07:49 ص|05 ديسمبر 2013

أطلس للدراسات

"موقف إسرائيل الأمني في مواجهة أعدائها أفضل كثيراً من السنوات السابقة"، كان هذا ملخص تقدير الموقف الأمني الذي قدمته أجهزة الأمن الاسرائيلية للمجلس الأمني السياسي المصغر لحكومة نتنياهو، الذي قدم الأسبوع الماضي في اجتماع خاص عقد في مقر الموساد في تل أبيب، وحسب ما نشر في الاعلام فإن التقدير الإيجابي لوضع إسرائيل الأمني لم يستند إلى تنامي وتعاظم المنظومة العسكرية الأمنية الإسرائيلية على اختلاف تشكيلاتها (براً وجواً وفضاءً وفضاءات إلكترونية)، بل استند على تراجع وضعف الجيوش العربية في كل من العراق وسوريا ومصر، وانشغال هذه الدول بحروب ونزاعات داخلية زعزعت استقرارها وهددت تماسكها وفتكت بقدراتها؛ بحيث أن هذه الدول لم تعد في حالة تستطيع معها أن تشكل تهديداً وتحدياً جدياً لقدرات اسرائيل العسكرية.

 

أهم ما جاء في التقرير

وفي التفاصيل؛ يستعرض التقرير حالة الجيش السوري المنهك نتاج خوضه حرباً أهلية طاحنة، ونزع سلاح سوريا الكيمياوي الذي كان يشكل سلاح ردعها الرئيسي في مواجهة تهديدات إسرائيل، ويزعم التقرير أن وصول الجيش الاسرائيلي الى دمشق في حالة حرب لن يستغرقه سوى أيام أو ساعات. لكن الملفت للنظر ما يذكره التقرير عن الجيش المصري؛ حيث يؤكد أن مسيرة تعاظم الجيش المصري التي بدأت منذ سنوات قد توقفت قبل سنتين، وأن الجيش المصري يدير حرباً فاشلة في سيناء ضد الجماعات المسلحة، حيث يعاني من ضعف في المعلومات الأمنية وضعف في الأداء العملياتي، وأن الجيش المصري الذي يغرق في أزمات مصر وفي حرب سيناء يعاني اليوم من ضعف عام وتآكل في كفاءته. كما يتطرق التقرير الى حالة الجيش العراقي ودولة العراق التي تخوض حروبا متواصلة.

أما على صعيد التحديات الأمنية؛ فيصنف التقرير إيران على أنها العدو رقم واحد بما تمتلكه من قدرات عسكريه قرب تحولها الى دولة نووية، وبما تتبناه من مواقف عدائية تجاه إسرائيل، ومن بين التحديات الأمنية يتطرق التقرير إلى ما يسميه "تحديات منظمات الإرهاب" تحت هذا العنوان يتناول التهديد الذي تمثله هذه التنظيمات على الجبهة الداخلية لدولة إسرائيل، تندرج منظمات حماس والجهاد وحزب الله وتنظيمات جهادية أخرى تعمل على أراضي سيناء وداخل الأراضي السورية، ويصف التقرير تهديد الجهادية السورية بأنه سيشكل في المستقبل ازعاج لروتين الحياه اليومية الطبيعي.

ربما لا يأتِ التقرير بجديد للمهتمين والمتابعين، ولا يأتِ بجديد أيضاً للمستوي السياسي الإسرائيلي، لكنه يعتبر شهادة رسمية من دوائر الاختصاص تصادق على درجة مؤشرات التهديدات، يستطيع المستوى السياسي الاعتماد عليها في تحديد توجهاته وقراراته السياسية والأمنية.

الجيش الاسرائيلي كان يدرك التغيير الكبير والعميق الذي يجرى على منظومة التهديدات والتحديات الأمنية؛ فهو دائم البحث والدراسة والتخطيط لموائمة نفسه لكل تحدٍ جديد، وقد لخص يعلون وزير الحرب هذه الرؤيا عشية ذكرى حرب أكتوبر، عندما قال ان حرب أكتوبر هي آخر الحروب التقليدية، ليس بسبب التغير النوعي الذي حدث على منظومات التسليح فحسب؛ بل ولاستبعاد دول الطوق وجيوشها لخيار الحرب والمواجهة العسكرية المباشرة، وتبعاً لذلك أجرى جيش الاحتلال تغييرات كبيرة على منظومته التسليحية، فقلص بعضها أو أخرجه من الخدمة وضاعف بعضها الآخر واستحدث آليات وتشكيلات ونظم وأقسام جديدة، فقلص من سلاح الدبابات والمدرعات وفرق المشاة، وزاد من موازنة الإنفاق على أنظمة الدفاع الجوي والفضاء والهجوم الجوي وتقنيات الرصد الاستخباري وتحصين الحدود، كل ذلك بما يتلاءم مع تشخيصهم للتهديدات المحتملة، وفي مقدمتها حرب الصواريخ الباليستية التي قد تطلق من إيران، والصواريخ الأخرى على اختلاف قدراتها التي قد تطلق من الدول والمناطق التي تحد دولة الاحتلال.

 

تهرب من الأسئلة الحقيقية

إن تقدير الموقف الاسرائيلي الذي يرصد بعين راضية تراجع وضعف قدرات الجيوش العربية، ويستنتج سريعاً وبشكل ميكانيكي تراجع التهديدات، ويبشر الاسرائيليين بتراجع دائرة الأعداء، ويمنح المستوى السياسي الاسرائيلي شعوراً بالثقة وزهو الانتصار والمزيد من الغطرسة، الأمر الذي قد يمنحهم سبباً جديداً للتشدد والتصلب؛ نقول انه تقدير ينطوي على السطحية وعدم التبصر الحقيقي، فرغم صحة كل ما جاء في التقدير عن حال الجيوش العربية؛ فإن غيابها من المشهد لا يؤثر إلا على التهديدات الأمنية النظرية، لكنها عملياً منذ حرب اكتوبر لم يكن لها أي وزن جدى عملياً في تهديد الأمن الإسرائيلي، وقد كانت قوى المقاومة في العقود الأخيرة هي التهديد الرئيسي الوحيد الذي كانت اسرائيل تخشاه وتجهز له حملات العدوان وتشن عليه الحروب، وتهديد المقاومة بكل أشكالها هو الذي فرض عليها الاعتراف بمنظمة التحرير وعقد الاتفاقات معها، والانسحاب المذل لجيشها من جنوب لبنان، وتلاه الانسحاب من قطاع غزة، والتصدي لعدوان 2006 على لبنان أذاقها طعم الهزيمة وفرض عليها تشكيل لجان التحقيق (لجنة فينوغراد)، واضطر عدد من قادة العدوان للاستقالة (وزير الحرب بيرتس ورئيس الاركان حالوتس).

كما ان عدوانها وجرائم حربها التي ارتكبتها في القطاع في حرب 2008 هددت ولا زالت تهدد بتقديم قادتها الى محاكم جرائم الحرب، وأفضت نتائجها كما نتائج عدوان الأيام الثمانية إلى التسليم بفشلها وعجزها عن إزالة التهديد الصاروخي للمقاومة على جبهتها الداخلية، وبالتالي اضطرارها للتسليم به كأمر واقع ولم يبق لها عنصر الردع أي جباية الثمن، وعنصر الردع يعتبر أحد مكونات منظومة الأمن الإسرائيلية في مواجهة الجيوش العربية، ولا تلجأ لتبنيه كسياسة أمنية ضد فصائل المقاومة إلا عندما تفشل في حروبها عليها، وهو دليل تراجع وفشل في تحقيق أهداف اعتداءاتها الأولية التي تتمثل في البداية عادة في القضاء على المقاومة، ثم تتراجع إلى الحد من تعاظمها وتعاظم قدراتها التسليحية، ثم تتراجع للتسليم بواقع وجودها وبما تمتلكه من قدرات، لتصل الى مرحلة تبني سياسة إرهاب الردع، وهى سياسية ثبت فشلها النسبي بالتجربة في العدوان الأخير على القطاع، كما ان سياسية الردع تعتبر مكلفة جداً لإسرائيل على المستوى الأخلاقي والإنساني، فالردع على الطريقة الاسرائيلية يعنى ارتكاب المزيد من المجازر، وخوف جنرالات الاحتلال من نظر العالم اليهم وتعاطيه معهم كمجرمي حرب يعمل كرادع عكسي لهم.

بالإضافة لذلك؛ فإن تقدير الموقف أغفل عمداً التهديدات الحقيقة لدولة الاحتلال حسب مكونات نظرية الأمن القومي الإسرائيلية، ومن أبرز هذه القضايا: الديموغرافيا، نهاية الصراع، واعتراف العرب بإسرائيل، وتحول دولة الاحتلال الى دولة طبيعية في المنطقة لا يقلق مواطنوها السؤال عن مصيرها، ولا تعود تحيا على حرابها.

معدو تقدير الموقف تهربوا كعادتهم في تزييف الحقائق وطمس التاريخ، من السؤال الأهم وهو القضية الفلسطينية قضية الفلسطينيين في الـ 48 والضفة والقطاع وفي الشتات، التي هي قضية الامتين العربية والإسلامية التي تشكل جذوة الصراع وأصل كل التهديدات.