خبر كيف تزور الصحافة تقريرا عن ايران؟.. إسرائيل اليوم

الساعة 05:16 م|22 نوفمبر 2013

بقلم: دوري غولد

          (المضمون: صدرت عن صحف مهمة في امريكا تقارير مضللة عما يجري في المشروع الذري الايراني ساعدت على اصرار الغرب على التوصل الى الاتفاق السيء مع طهران وإن يكن الواقع يختلف عما تقول هذه الصحف كثيرا - المصدر).

 

          في نهاية الاسبوع الاخير نشرت الوكالة الدولية للطاقة النووية تقريرا عن الوضع دوريا يتعلق بالبرنامج الذري الايراني. وهذا التقرير مهم لأنه نشر في موعد قريب من المحادثات المصيرية التي تمت هذا الاسبوع في جنيف بين ايران ودول الخمس زائد المانيا. وأراد خبراء كثيرون أن يعلموا هل ابطأ الايرانيون برنامجهم بقدر ما بادرة نية طيبة تمهيدا للتفاوض.

 

          لكن القصة الحقيقية ليست هي ما ورد في التقرير فقط بل الردود عليه في الصحف الدولية. فقد ورد في عنوان في صحيفة "لوس انجلوس تايمز": "على حسب ما تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تم تبطيء البرنامج الذري الايراني الى درجة الوقوف"؛ وزُعم في "واشنطن بوست" أنه "يبدو أنه منذ الصيف ابطأت ايران بصورة حادة العمل في برنامج طاقتها الذرية"؛ بل كان العنوان في صحيفة "وول ستريت جورنال" المحافظة: "على حسب ما تقول الامم المتحدة، جمدت ايران في الاشهر الاخيرة البرنامج الذري تماما تقريبا".

 

          ما الذي يعتقدونه حقا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يحدث في ايران؟ قبل يومين من نشر التقرير أُجري لقاء مع يوكيا أمانو، الامين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية مع "رويترز"، ويختلف كلامه اختلافا جوهريا عن التقارير الصحفية عن التطورات في المجال الذري في ايران في الاشهر الثلاثة الاخيرة في فترة حكم حسن روحاني. "استطيع أن اقول إن عمليات التخصيب مستمرة. ولم أُبلغ عن أي تغيير جذري"، قال أمانو. لكن وسائل الاعلام مالت في أكثر الحالات الى تجاهل كلام أمانو، ربما كي لا تضع عائقا في وجه الجهد للتوقيع على اتفاق في جنيف.

 

          لكن أمانو كان على حق. واذا فحصنا عن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تبين لنا فورا لماذا كان حذرا جدا في تقديراته ولم ينضم الى الهاتفين على مقاعد المتفرجين. وقد جاء في تلخيص التطورات الرئيسة التي حدثت في الاشهر الثلاثة الاخيرة أن انتاج اليورانيوم يُخصب بمستوى منخفض، أي حتى 5 بالمئة. أي أنه بقي "مشابها لما ذُكر في التقرير السابق" في شهر آب الاخير. وقد استعملت الوكالة الدولية للطاقة الذرية نفس اللغة بالضبط فيما يتعلق بانتاج اليورانيوم المخصب بمستوى 20 بالمئة.

 

       تحدٍ أصعب

 

          كيف حدث اذا أن كثيرا جدا من وسائل الاعلام الدولية تجاهلت استمرار نشاط التخصيب الايراني وفضلت أن تحصر عنايتها في سؤال هي يركب الايرانيون اجهزة طرد مركزية جديدة في المنشآت في نتانز وفوردو ولا سيما اجهزة طرد من طراز "آي.آر – 2 إم" المتقدمة وهي ذات معدل تخصيب أسرع بخمسة اضعاف من الطراز السابق "آي.آر – 1" المستعمل منذ 2007.

 

          صحيح أن ايران لم تركب اجهزة طرد متقدمة في الاشهر الثلاثة الاخيرة لكن هذا لا يعني أنها جمدت خطتها. فمنذ كانون الثاني 2013 رُكب أكثر من 1000 جهاز طرد من الطراز الجديد ستدخل الاستعمال بعد توجيه من المستوى السياسي. وفي فترة احمدي انجاد ايضا بعد زيادة حادة على عدد اجهزة الطرد المركزي، بدأ استقرار لعددها مدة سنتين للتمكين من اندماجها في المنظومة القائمة. والى ذلك أضاعت أكثر تقارير الصحف نقطة رئيسة ظهرت في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية قالت إنه أُتمت "اعمال تحضيرية ممهدة" لـ 12 مجموعة اخرى من اجهزة الطرد "آي.آر – 2 م" في نتانز.

 

          منذ 2011 ركبت ايران اجهزة الطرد هذه فيما يسميه الخبراء كما قلنا "كسكادا"، وهو عنقود من 164 جهاز طرد مركزي. ومعنى ذلك ان ايران تضع القاعدة لنحو من 2000 جهاز طرد مركزي آخر متقدم ستضاف الى آلاف اجهزة الطرد التي أضيفت خلال 2013، والاستنتاج أن ايران لا تكتفي بتخصيب يورانيوم أكثر بل تعمل في هدوء ايضا على التوسيع الكبير التالي للمنشأة في نتانز.

 

          والى ذلك زاد عدد اجهزة الطرد من طراز "آي.آر – 1" في السنوات الاخيرة. ففي آب 2011 ركب الايرانيون في الحاصل العام نحوا من 8 آلاف جهاز طرد مركزي. وأبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التقرير الحالي أن ايران تملك أكثر من 18 الف جهاز طرد في منشأتي التخصيب، وتغير هذه التطورات الاخيرة المعادلة بالنسبة لكل اتفاق سيوقع عليه في المستقبل. ويزعم محللون دوليون بلا توقف أن كل اتفاق في المستقبل يجب أن يواجه مخزون اليورانيوم الايراني بمستوى 20 بالمئة مع تخلي لايران يمكنها من الاستمرار في التخصيب بمستوى 3.5 بالمئة. ويقوم هذا التفريق على فرض انه اذا ارادت ايران الوصول الى يورانيوم بدرجة عسكرية فانها ستستعمل مخزون اليورانيوم بمستوى 20 بالمئة الذي تملكه.

 

          أن تغييرا جوهريا في كمية أو نوعية اجهزة الطرد المركزي التي تركب يغير صورة الوضع. وقد حذر غاري سامور الذي تولى العمل في مجلس الامن القومي للولايات المتحدة في الولاية الاولى للرئيس براك اوباما، حذر قبل شهر من ان كل ما يجب ان تفعله ايران لتعريض الغرب لتهديد جديد هو ان تزيد زيادة كبيرة عدد اجهزة الطرد المركزي من طراز "آي.آر – 1".

 

       تنازلات خطيرة

 

          في ضوء انجازات ايران هذه يتضح لماذا هي مصممة كثيرا على احراز اعتراف بـ "الحق في التخصيب" في كل اتفاق يصاغ. فقد أحدث الايرانيون واقعا يستطيعون فيه انتاج سلاح ذري من كل مستوى تخصيب يسمحون لهم به. ولا يوجد بالطبع أي تطرق الى "الحق في التخصيب" في ميثاق منع نشر السلاح الذري في 1968. وقد جاء في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الجديد ان ايران تشتغل بتطوير "شحنة ذرية معدة لتحمل على صاروخ". ولا تستطيع ايران ان تزعم ان تخصيب اليورانيوم هم لاهداف سلمية بحسب ميثاق منع نشر السلاح الذري، وان تطور في موازاة ذلك رؤوسا ذرية لصواريخ بالستية، ولهذا لا تستطيع ايران ان تطلب حقا قانونيا يقوم على ميثاق نكثته نكثا سافرا.

 

          تنسى في احيان كثيرة حقيقة ان مجلس الامن قد اجاز منذ 2006 ستة قرارات تمنع ايران من أي نشاط تخصيبي ولها نفاذ فعل ملزم بحسب القانون الدولي. وهذا يعزز زعم ان ايران ليس لها حق قانوني في تخصيب اليورانيوم – فاذا كان الامر كذلك فان اعتراف الغرب بطلب ايران الحق في التخصيب ليس عدلا. وفي ضوء التطورات التقنية في البرنامج الذري ستكون هذه التنازلات ايضا خطيرة لأن التخصيب بكل درجة سيجعل من الصعب جدا على الغرب أن يعلم هل ايران مستمرة في العمل في احراز سلاح ذري في الاشهر القريبة.