خبر صورة قلمية... ليلة قصف برج الصحفيين.. دماء وأشلاء وصراخ..

الساعة 05:44 م|19 نوفمبر 2013

غزة

بين عشيةٍ وضُحاها انقلب واقع قطاع غزة من حالة هدوء إلى حالة حرب، عندما اغتالت قوات الاحتلال "الاسرائيلي" القائد في كتائب القسام أحمد الجعبري عصر الرابع عشر من نوفمبر من العام الماضي، حينها عاد الزملاء الصحفيين من منازلهم فور سماعهم النبأ للمكتب لمتابعة ما يجري مدركين أن دورهم لا يقل شأناً عن دور ذلك المقاوم المسلح في الميدان، تحت إشراف رئيس التحرير الذي ترك أيضاً أبناءه وواصل عمله من داخل المكتب.

مسؤولية أخلاقية ومهنية تحملها الزملاء الصحافيون في وكالة "فلسطين اليوم" أسوة بزملائهم في باقي المؤسسات الإعلامية. ورغم أن الحرب مشتعلة خارج المقر إلا أنها وصلت إلى داخله عندما تعرض لأضرار جسيمة حالت دون إمكانية مواصلة العمل منه.. إلا أن المتابعة للأحداث لم تنقطع لحظة فقد انتقل بعض الزملاء إلى مقرٍ مجاور يتابعون.. بينما انشغل بقية الزملاء بتجهيز مكتباً آخر بإمكانيات بسيطة في نفس البرج (برج شوى وحصري).

ورغم ان ظروف المكان الجديد الغير مجهز، فقد واصل الزملاء العمل ليلاً ونهاراً حتى اليوم الأخير الذي خرج فيه الفلسطينيون في كافة شوارع المحافظات احتفالاً بانتصار الكف الفلسطيني على المخرز "الإسرائيلي".

ولم يكن العمل في ظروف الحرب بالشيء اليسير والسهل خاصة وأن كل زميل ترك خلفه أسرته، ومنهم من ترك أطفاله وزوجته في الوقت الذي يحتاج فيه الطفل في مثل هذه الظروف إلى حضن والده مع كل غارة "إسرائيلية" وما أكثرها من غارات في تلك الحرب.

الجميع تابع شؤون بيته عبر الهاتف في أغلب الأوقات، وكان البعض يعود في ساعات الليل المتأخرة لمنزله ويسيتيقط مبكراً الى المكتب لمتابعة الأحداث، لكي يأخذ زملائه الآخرين قسطاً من الراحة على كرسي سانداً رأسه على المكتب. كل هذا من أجل أن لا تقف الرسالة ونشرها أولاً بأول لفضح الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية بحق شعبنا.

ورغم أن ظروف المكتب يسيرة إلا انها كانت تقوم بدور كبير، فلجأ بعض الصحفيين الذين انقطعت بهم السبل في ساعات الليل له، وتعاونوا معاً في تغطية الحدث.

ورغم التهديدات "الإسرائيلية" لمقر المؤسسات الاعلامية في برج شوى وحصري استمر العمل، ومع كل صاروخ وغارة "إسرائيلية" يشعر الجميع بأن مقره هو المستهدف فتجد الجميع منبطحين على الأرض تارة ، والبعض بشكل لا شعوري مختبئ أسفل المكتب، أو بجوار كرسي، ظاناً بأن المكتب الخشبي سيحميه من الصاروخ الذي يفتت الحجر.

فالجميع كان كأسرة واحدة يتشاركون معاً في إعداد الطعام والشراب، وينظفون المكتب يداً بيد، ويتفقدون أحوال بعضهم البعض وأحوال أسرهم.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، فما بين انقطاع التيار الكهربائي في البرج إلى القصف "الإسرائيلي" من حوله واصل الجميع العمل، إلى أن استهدف البرج من قبل الطيران "الإسرائيلي"، حينها قلق الجميع وتفرقوا بشكل لا ارادي في المكتب وعلى السلم ظانين أن مقرهم هو المستهدف، وما هي لحظات حتى وقف الجميع يتفقد بعضهم البعض وينادون على بعضهم بالأسماء لأن المكان تحول إلى ظلام دامس مع انقطاع التيار الكهربائي، فكانت الجوالات هي الوسيلة الوحيدة لإضاءة المكان لتفقد القصف.. وما أن خرج أحد الزملاء من المكتب حتى سمع صوت صراخاً في الطوابق العلوية وردد " في شباب مصابين فوق".. الكل صعد مسرعاً لتفقد مكان القصف والمصابين، وما أن وصل البعض حتى أطلق الطيران "الاسرائيلي" صاروخاً جديداً على نفس المكان، فامتلأ المكان غباراً وازداد الصراخ. لنكتشف بعد دقائق بسيطة بأن زملاء أصيبوا في القصف الأول والصاروخ الجديد من بينهم مصور الوكالة (فلسطين اليوم) يحيى تمراز.

فالزميل تمراز، لم يأبه لإصابته وكان غير مدركاً لها ، فوقف مسرعاً حاملاً أحد الصحفيين المصابين وقدميه تنزفان دماً ونزل به إلى أسفل البرج، بينما أخذ الزملاء الآخرين بإسعاف زملائهم من فضائية القدس إلى أن جاءت الطواقم الطبية وأخذت المصابين كافة لمجمع الشفاء الطبي. ليتبين بعد ذلك اصابة احد زملاء فضائية القدس وبتر ساقه وهو المصور خضر الزهار.

كان المشهد مخيفاً للجميع بل ومرعباً على كل من تواجد في المكان، وما ان انتشر خبر استهداف البرج عبر وسائل الإعلام حتى انهالت الاتصالات من الأهل والأقارب والأصدقاء للاطمئنان ، وحينها تعطل العمل خاصة وأن التيار الكهربائي تعطل بالكامل عن جميع المؤسسات العاملة ولم يعد بالإمكان العمل. لكن موقع الوكالة استمر في المتابعة من خلال زميلات تابعن من بيوتهن. وقضى الزملاء ليلتهم في منزل أحد الزملاء القريبين من المكان ليعودوا صباح اليوم التالي إلى المكتب مرة أخرى للمتابعة.

كان ذلك في اليوم الخامس للحرب، والذي غلب عليه الصراخ والدماء والأشلاء.. وقضى العاملون أيامهم بعد ذلك بلا ماء حيث أدى القصف إلى عطب في كافة خزانات المياه بينما الكهرباء اعتمدت على المولدات الكهربائية. بالإضافة إلى أن مصاعد البرج تعطلت بالكامل نتيجة القصف.

وفي اليوم التالي لاستهداف المقر، اعتصم عشرات الصحفيين وأقسموا أن يستمروا في عملهم ورسالتهم مهما كلف ذلك من ثمن، معلنين للعدو بأنهم جميعاً مشاريع شهادة. ولذلك استمرت الصورة والكلمة دون انقطاع من موقع الحدث للعالم الخارجي، ضاربين كافة التهديدات والاستهدافات "الإسرائيلية" لهم عرض الحائط.