الغضب الاسرائيلي على أمريكا

خبر غضب المتعالي العنصري الناكر للجميل

الساعة 12:45 م|14 نوفمبر 2013

أطلس للدراسات

"إنهم يخدعوننا، يعرضون علينا الخطة ألف ويتفاوضون على الخطة باء"، "إنها صفقة سيئة جداً"، هذا ما قاله نتنياهو تعقيباً على نتائج المحادثات الايرانية مع مجموعة الدول الستة بشأن ملفها النووي، وصرح آخرون من حكومة نتنياهو منتقدين وموبخين الوفد الأمريكي "الأمريكيون استسلموا للمناورات الإيرانية، ايران تقتاد الأمريكيين من الأنف، جون كيري يريد اتفاقاً بكل ثمن"، هذا فقط بعض ما قيل في اسرائيل في الأيام الأخيرة، أعقب مباشرة تصريحات كيري عن بدائل فشل المفاوضات في صورة انتفاضة ثالثة كرد فعل فلسطيني، وأعقبت كذلك ما أشيع عن قرب تحقيق اتفاق غربي إيراني يخفف العقوبات ويجمد النشاط النووي الإيراني، ويسمح للمراقبين بالقيام بمهمات الرقابة للتأكد من خلو البرنامج من جوانب عسكرية.

الغضب الاسرائيلي الذي انفجر في وجه أمريكا بعيداً عن اللياقة الدبلوماسية، وسيل الانتقادات الجارف في وسائل الاعلام الاسرائيلية لأداء إدارة أوباما في مجال السياسة الخارجية، وتحديداً في الشرق الأوسط؛ ليس غضباً مسرحيا وليس غضباً محدداً في مسألة واحدة بعينها، لكنه يعكس أزمة مزدوجة الأسباب، بدأت بالظهور منذ وصل كل من نتنياهو وأوباما إلى الحكم في بلديهما، فعكست نفسها في أزمة سياسية لها علاقة بملف القضية الفلسطينية، وأزمة ثقة شخصية بين الرجلين لها علاقة بالاختلافات الفكرية والفلسفية والسياسية بينهما، تمثلت بشكل واضح في الدعم والاصطفاف الكلي لنتنياهو لصالح نت رومني، منافس أوباما.

ومنذ أن دخل أوباما البيت الأبيض لم يشعر الاسرائيليون شعباً وساسة بالارتياح، وبعض عدم الارتياح كانت تنبع منه رياحاً عنصرية، وليس أدل على ذلك من عبارة "الرجل الأسود في البيت الأبيض".

انه غضب وعدم ارتياح لا يمكن تفسيره، لا سيما وأن إدارة أوباما عملياً هي الاكثر انحيازاً ودعماً وسخاءً لإسرائيل، مقارنة بكل الادارات السابقة بشهادة المختصين الإسرائيليين أنفسهم، سواء في المجال السياسي أو العسكري أو الاقتصادي، وبالمقابل، فإن حكومة نتنياهو لم تستجب لأي مطلب أمريكي؛ بل قابلت كل ما سمي بالضغوط والمطالب الأمريكية بالرفض الشديد، بل وظلت حكومة نتنياهو تصف إدارة أوباما بالانحياز للعرب وللفلسطينيين، وأحياناً توصف بالانحياز للمسلمين!

إن الغضب الاسرائيلي على أمريكا، هو غضب المتعالي العنصري الناكر للجميل، فالعرب والفلسطينيون هم الأحق بالشعور بالغضب والاحباط والإهانة من السياسات الأمريكية التي ما عرفنا منها إلا تنكراً لحقوقنا وتآمراً على قضايانا وتدميراً لبلداننا وسفكاً لدمائنا، أما اسرائيل فهي الأكثر حظوة بالرعاية الأمريكية والغربية، رعاية احتلالها، ورعاية تفوقها العسكري، ورعاية عنصريتها، ورعاية تؤمن لها ولمصالحها ومستوطناتها وجرائمها التي ترتكبها الدفاع والحماية من مجرد انتقاد أو قرار دولي.

إن مجرد وقوف العالم الغربي ضد حق إيران النووي وصمته، بل وتعاونه مع النووي الاسرائيلي هو انحياز كبير، وصمت العالم على استمرار الاحتلال والاستيطان انحياز، وصمته على المجازر التي ترتكبها إسرائيل وعلى الحصار هو انحياز، قرارات فيتو أمريكا المهددة والمحبطة لإرادة المجتمع الدولي في معاقبة اسرائيل هو انحياز، وضمان التفوق النوعي الإسرائيلي سماءً وأرضاً وفضاءً بهدف التهديد والعدوان وضمان الهيمنة هو انحياز، كما أن الضغط على السلطة وابتزازها مالياً بهدف منعها من الذهاب للأمم المتحدة والانضمام لمنظماتها والضغط عليها لاستئناف المفاوضات دون تجميد للاستيطان وتبنى المواقف السياسية الاسرائيلية هو انحياز كبير لإسرائيل ضد آخر شعب على وجه البسيطة لا زال يخضع للاحتلال، ولا زال مهدداً في هويته وجوهر بقاءه.

فعلى ماذا يغضبون؟! وعلى ماذا يعتمدون في إغضابهم للعالم؟! وهم يعرفون جيداً أن العالم ضاق بسياساتهم العنصرية ذرعاً، فقبل ثلاث سنوات، ساركوزي الذي يقال انه صديق مقرب من نتنياهو، وصف نتنياهو بالكاذب، وسرب انه سأل أوباما مستغرباً: "كيف تتحمل هذا الكاذب"، أما ميركل زعيمة الدولة الأوروبية الأكثر دعماً لإسرائيل، فطالبت نتنياهو بتبني سياسة تساعدها في الدفاع عن إسرائيل، وحذرته من أنها لن تستطيع الدفاع أكثر عن سياساته.

اسرائيل تبرع في استغلال العالم وفى توجيه الاتهامات، وفى الثقافة الاسرائيلية قول شائع "العالم كله ضدنا"، وهو قول يسقط في أول اختبار له مع الواقع والتاريخ، لكنها التعبئة الصهيونية التي تفرض بقاءه والتمسك به، وتهمة معاداة السامية دوماً حاضرة وجاهزة كسيف مسلط على رقاب من يتجرأ على توجيه أي انتقاد، وقد برع صهاينة العالم في ذلك فشرعوا لها القوانين وأنشأوا المؤسسات الخاصة بها، فتحولت منظماتها الى ما يشبه أخطبوط دولي يمد أذرعته الى كل مكان، ينشر إرهابه على القادة، والمؤسسات، وحتى على الدول، انها صناعة يقول عنها أحد أكبر رؤساء منظماتها "فوكسمان" انها تمنحهم خبزهم اليومي.

اسرائيل تريد من الغرب أن يقوم بحروبها الزائدة، حروباً لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فقط لأجل طمأنة الهواجس الاسرائيلية الهاذية، ولا يهمهم لو عانى العالم أجمع جراء هذه الحروب، ويبررون في إسرائيل وجوب تحمل الغرب مسؤولية وكلفة الحرب على نووي إيران بأنه يشكل تهديداً خطيراً على الاستقرار العالمي، وكأن الحرب على ايران لن يكون لها تداعيات كبيرة وخطيرة على الاستقرار السياسي والاقتصادي الدولي، ان خطورة النووي الإيراني الذي تخشاه اسرائيل ولا تصرح به ليس في كونه يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، وليس لأنه خطرا على الاستقرار الدولي، فالاستقرار الدولي ظل على حاله حتى بعد أن امتلكت الهند وباكستان وكوريا الشمالية سلاحاً نووياً، بل لأنه يشكل خطراً استمرار السيطرة والهيمنة الإسرائيلية على المنطقة.