تحليل حتى لا تتحول الانتفاضة الثالثة إلى فوضى

الساعة 08:26 ص|11 نوفمبر 2013

أطلس للدراسات

منذ فترة مضت يراقب المتابعون والمهتمون مؤشرات اندلاع ما بات يسمى حتى قبل مولده بالانتفاضة الثالثة، كما يتابع العلماء جمع معطيات ما يثبت فرضياتهم التنبئية، ولكننا لا نحتاج الى جمع وتدقيق معطيات الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الفلسطيني لنستدل من خلاله على توفر كامل الظروف المؤاتية لاندلاع انتفاضة ثالثة، فهذا ما يقوم به خبراء أجهزة دولة الاحتلال الأمنية الذين يستخدمون كل وسائل التعقب والتصنت وتحليل البيانات والمعلومات والرسومات البيانية ورصد كل حركة أو صرخة أو كلمة أو تصريح، بالإضافة لقياسات الرأي العام والقياسات النفسية المجتمعية ومستوى البطالة وشدة العوز والفقر والاحباط السياسي، ورغم كل أدواتهم فقد فشلوا المرة تلو الأخرى، ففاجأتهم الانتفاضة الأولى، فقد خرج الشعب الفلسطيني في حينه لأجل نيل حريته وطرد الاحتلال وقدم الكثير رغم (البحبوحة) الاقتصادية، كما فاجئهم في انتفاضته الثانية التي توقعوا أن تكون مجرد (هبة) كرد فعل محدود على اقتحام شارون للحرم سيتمكنون من السيطرة عليها.

فهم يبنون توقعاتهم بناءً على قراءات رقمية جامدة، يتم من خلالها النظر الى الشعب الفلسطيني على أنه مجرد معادلة يمكن في حال معرفة معطياتها توقع مخرجاتها.

وتفيد كل دراساتهم الرقمية أن شعبنا في الضفة على أبواب انتفاضة جديدة، قد تكون، حيث وسائلها وطريقة عملها ما بين الاولى والثانية، أكثر عنفاً من الأولى وأقل من الثانية، وقد كان ديسكين الرئيس السابق للمخابرات الاسرائيلية الأكثر حدة ووضوحاً في الحديث عن شرارة الانفجار، وتوفر كل ما يلزم لاندلاع الحريق محذراً من تداعياته، وقد انضم إليه وزير خارجية أمريكا يوم الخميس في لقاء متلفز ليحذر من اندلاع ما أسماه بموجة عنف في حال فشل المفاوضات، ومحذراً الاسرائيليين من احتمال غياب القيادة الفلسطينية المعتدلة لصالح ظهور قيادة متشددة.

ولأسباب غير مفهومة؛ تحاول جهات أمنية إسرائيلية مسؤولة تجاهل رؤية ارهاصاتها أو نذر انفجارها، مفسرين مجموعة الأحداث الأخيرة التي تزداد وتيرتها بشكل ملحوظ، تظاهرات وسقوط شهداء وبعض أشكال المقاومة الفردية على أنها مجرد أحداث متفرقة يمكن التعامل معها والسيطرة عليها باستخدام سياسة العصا والجزرة.

كفلسطينيين نعيش معاناة الاحتلال ونرقب الممارسات الاحتلالية على الأرض، ونعرف ككثيرين غيرنا أن المفاوضات ستصل عاجلاً الى الفشل المحتوم وندرك بالفطرة وبمنطق إرادة التحرر التي لا زالت وستبقى تشتعل في صدر شعبنا ان الرد الفلسطيني على ممارسات الاحتلال بموجات كبيرة سيأتي عاجلاً، وسيفجر شعبنا طاقة شعبية هائلة لاستكمال مسيرة تحرره وانعتاقه من أغلال الاحتلال، ولن يردعه عن القيام بذلك أي شيء، فهو شعب يتوق للحرية ويثبت كل يوم أنه جاهز لدفع الثمن والتضحية بكل غالٍ ونفيس، عشقاً للحرية ورفضاً للإذلال وصوناً لكرامته وحفظاً لأرضه ودفاعاً عن أقصاه.

 

مخاطر الانفجار دون سيطرة وتوجيه

على الرغم من كل المحاولات التي قامت ولا زالت تقوم بها الجهات الرسمية الفلسطينية بهدف منع الانفجار الشعبي، وهى نجحت لحتى الآن في تأجيله وتأخيره عبر إطفاء الحرائق الصغيرة والكبيرة منها التي تشتعل أحياناً هنا، لكن الجمر تحت طبقة رماد رقيقة لا زال يحترق مستجمعاً طاقة اشتعال كبيرة، والسؤال هو ليس كيف ولا متى، فكيف نعرف اجابتها بشكل أو بآخر، ونستطيع أن نقدر صورتها بناء على التجربة، ومتى، أي التوقيت، فهو ليس مهماً كثيراً طالما أننا ندرك أنه بات قريباً جداً يمكن أن ينفجر في كل لحظة، وممكن أن يرتبط بفشل المفاوضات، فالسؤال الأهم هو كيف نستطيع توظيف وتوجيه طاقتها لخدمة مشروع التحرر، كيف نجعلها انتفاضة لحصار الاحتلال ومشروعه الاستيطاني  ونبذه وعزله وجعله يدفع الثمن، ثمن سياسي ومادي وأخلاقي واعلامي واجتماعي، انتفاضة تضعنا على طريق الحرية وتضع الاحتلال في مكانه الطبيعي كجلاد في قفص الاتهام، وتعيد الاعتبار لقضيتنا العادلة وحقوقنا المشروعة، انتفاضة تنزع الأقنعة السميكة عن وجه الاحتلال وتستقطب التعاطف الدولي المستحق مع تضحياتنا ومعاناتنا وحقوقنا المشروعة.

نعم إنه السؤال الأهم، وهو على بساطته وبداهته لا نعتقد أن أحداً استعد عملياً للإجابة عليه، ولأسفنا فإن اسرائيل وأجهزتها ربما هي الجهة الوحيدة التي تأخذ احتمالات اندلاع انتفاضة ثالثة على محمل الجد، وتبذل ما بوسعها ليس فقط للتصدي لها ولقمعها، بل ولتحويلها الى طاقة سلبية مدمرة ترتد الى الداخل الفلسطيني في صيغة عنف وفوضى واضطراب، تغذي العنف المجتمعي والفلتان الأمني وكل ما يمكن أن يدمر منجزاتنا الوطنية ويسئ لصورة نضالنا ويحط من نبل قضيتنا ويكوي وعينا، عبر حرقنا بنيران انتفاضتنا عوضاً عن حرق الاحتلال ومشروعه الاستيطاني.

إن العدو الحقيقي للانتفاضة القادمة قد يكون خطر الفوضى المغذى والمدعوم اسرائيلياً، وليست إسرائيل، فمواجهة العدو الخارجي أقل كلفة وأقل انهاكاً من خطر الفوضى الداخلية، فالقلاع كما يقال لا تقتحم إلا من الداخل، وخطر الفوضى الذى قد يهدد انتفاضتنا ويحرف بوصلتها هو خطر حقيقي يحدق بنا من كل صوب، نحن لا نختلقه أو نتوهمه أو نبالغ في التحذير والخشية منه، طالما استمر أداؤنا السياسي والفصائلي على ما هو عليه اليوم، وطالما ظلت الحزبية على كل أشكالها وألوانها تتحكم ببوصلتنا، بحيث بات لكل جهة وفصيل وجماعة بوصلة خاصة بها تحدد اتجاهاتها، وطالما بقى الانقسام الكارثي كالسرطان يلتهم ويدمر ويلوث ما تبقى من أنسجة وخلايا صالحة.

إن المسؤولية الوطنية تحتم على الكل الوطني صغيراً وكبيراً، اسلامياً وليبرالياً، تسووياً أوسلوياً او معارضاً لكل أشكال التسوية، تفرض عليهم جميعاً التعالي عن الصغائر والترهات، وتجنب أي سبب للاختلاف، وتغليب كل ما هو مشترك وطنياً لحماية وصون شعبنا ومشروعه الوطني عبر وضع استراتيجية تستوعب طاقة شعبنا العظيم وتستطيع توجيهها الوجهة الحقيقية، بحيث توظفها التوظيف الأنجع لخدمة مشروعنا التحرري، وحتى لا تذهب تضحياتنا هباء، فالشعوب الواعية الحية هي التي تستطيع أن تصل الى أقصى ما يمكن إنجازه بأقل ما يمكن من تضحيات، وهو أيضاً الاختبار الحقيقي لحكمة القيادة وإحساسها بالمسؤولية الوطنية.

الاستعداد للانتفاضة هو أمر الساعة الوطني، وهو ليس مجرد استعداد فصيلي بعيد عن جهد وطني مشترك ومدروس، فكل الاستعدادات الفصائلية غير المنسقة مهما عظمت، والتي لا تخدم وحدة الهدف، هي جهود معيبة، وستبقى قاصرة وستفتح الطريق لشق الصفوف والاختلاف والتناحر والتطاحن.